خرج ناصر من رحم جماعة الإخوان المسلمين، بل بالغ البعض بالتأكيد على أنه كان عضوًا بالجماعة حيث كان هناك قدر كبير من التوافق بين ناصر قبل الثورة والجماعة أثناء تولي الإمام حسن البنا مؤسس الجماعة زمام الأمور، وهو ما أكد عليه الكاتب سليمان الحكيم في كتابه "عبد الناصر والإخوان بين الوفاق والشقاق". وبوفاة الإمام البنا، تولى حسن الهضيبي، نائبه، منصب المرشد العام لتكون نقطة تحول في تاريخ العلاقة بين السلطة والإخوان في مصر. جاء التحول بعد أن استشعر ناصر خطر الجماعة بعد استقواءها بالتنظيم السري المسلح على ما وصل إليه من انفراد بالسلطة في أعقاب حادث المنشية الذي شهد محاولة اغتياله بالأسكندرية. من هنا بدأ التحول في العلاقة إلى المنطقة السلبية حيث قرر عبد الناصر وبذكاء شديد الهجوم على الإخوان دون المساس بالمكانة الدينية للجماعة ومؤسسها ليمنح الجماعة لقب المنحلة ويتوجه بعد أيام من إصداره هذا القرار إلى قبر حسن البنا، وبرفقته عدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة، وفى مشهد تاريخى وقف عبد الناصر أمام القبر ليخطب مناشداً قواعد الإخوان، أنه لم يكن نقيضاً للإسلام، وليس لديه ما يدعو إليه غيره، وأنه جندى مخلص من كتائب الدعوة الإسلامية والنهوض بأوطانه . وكانت نقطة التحول هذه بداية لعصر طويل من إقصاء الإخوان المسلمين الذين مثلوا الجماعة الإسلامية الرئيسة في مصر والوطن العربي ومن هنا أيضًا بدأ نهج الإسلاموفوبيا ناصرية التصنيع التي أثرت كثيرًا في المجتمع المصري حتى أنها لا زالت تؤثر إلى وقتنا هذا ويسهل على أي قوى لديها أدوات التأثير في المجتمع أن توقظها. كانت هناك أسباب أخرى للقضاء على الجماعة وأعضاءها قتلًا ونفيًا واعتقالًامن أهمها نشر الفكر الاشتراكي الذي ترعرع في مصر برعاية روسيا التي وطد جمال عبد الناصر العلاقات معها إلى حد الشراكة الاقتصادية والعسكرية والثقافية، وهو ما يتضح في قوافل القمح التي أمر الرئيس الروسي بتحويل مسارها إلى مصر بعد رفض الولاياتالمتحدة مساعدة مصر بالقمح لسد احتياجاتها في وقتٍ كانت فيه مصر في أشد الحاجة إلى ذلك. كان هنالك أيضًا الدعم العسكري الذي مثل في السلاح والتدريب حيث قامت روسيا في أعقاب النكسة بتكثيف الدعم العسكري وأرسلت الخبراء لتدريب الجنود المصريين على الأسلحة الجديدة التي كانت ذات تكنولوجيا معقدة في ذلك الوقت. بالطبع لم يكن ذلك الدعم بدافع حب مصر حيث كانت روسيا تستهدف إقامة قاعدة لنشر فكرها الاشتراكي في الشرق الأوسط، وهو ما جعلها تختار مصر لتلك المهمة لأسباب عدة منها العداء القائم بين مصر من جهة والولاياتالمتحدة وإسرائيل من جهةً أخرى. كانت النتيجة أن تحولت مصر إلى إلى ولاية روسية وذهبت بجيوشها إلى جميع أنحاء المنطقة لنشر الفكر الاشتراكي وخاضت حروبًا في الجزائر واليمن وبذلت دعمًا عسكريًا غير المباشر للكونغو ونيجيريا وأرتريا بدعوى مساندة الثورات والتحرر من الاحتلال الأجنبي والنظم الاستعمارية بينما الهدف غير المعلن هو توسيع قاعدة الفكر الاشتراكي في الشرق الأوسط. ولكن للأسف الشديد لم تتحقق عودة الإخوان إلى الحياة منذ 1954 وحتى وفاة عبد الناصر وتولي السادات حكم مصر. وكانت نتيجة ممارسات نظام ناصر وجلس قيادة الثورة هي تشويه كامل أصاب كل مظاهر الالتزام الديني، فأضحى المجتمع ينبذ أصحاب اللُحى، الجلباب وغيره من النماط الزي الإسلامي وسط حملات تشويه لكل من يحاول التفكير في السياسة في مصر في ذك الوقت. وأصبح هناك اتجاهات معادية لكل ما هو إسلامي مع قدر من التعاطف الدفين مع ما كان يتعرض له الملتزمون في عهد ناصر. إلا أنها كانت مجرد بداية فقط وبذرة غُرست لتستكمل مسيرة نموها وترترع مكونة النواة الأولى للإسلاموفوبيا التي استوردها الغرب بعد ذلك لتكون أحد الأسلحة الفتاكة في ضرب الانتماء الوطني والديني في مصر والوطن العربي. وبرغم ما قدمه ناصر من إنجازات جاءت في صالح الإسلام من افتتاح إذاعة القرآن الكريم وإنشاء مدينة البعوث لطلبة العلوم الإسلامي من جميع أنحاء العالم ودعم الأزهر ودوره في الدولة، إلا أنه يمكن إدراج مثل هذه الإنجازات تحت بند حوكمة الدين وتسهيل السيطرة عليه من خلال مؤسسات تعمل بالدين لصالح الدولة ووفقًا لتعليماتها. ما سبق لا يمكن اعتباره بأي حال من الأحوال دفاعًا عن جماعة الإخوان الحالية بمديري مكاتبها عى رأسهم الباشكاتب محمد بديع المرشد العام والتي تعمل في الاستثمار أكثر من انشغالها بالإصلاح والدعوة كما كان مخططًا لها منذ تأسيسها. فالتركيز على جماعة الإخوان هنا جاء لأنها كانت الجماعة الإسلامية الرئيسة العاملة في مجتمع الوطن العربي وكان ضربها بمثابة ضربة قاصمة لصورة الإسلام داخل مصر وخارجها. وعدم ظهور أي من أعراض الإسلاموفوبيا في عهده، إلا أن البذرة الأولى لهذا المرض الاجتماعي غُرست على يدي الزعيم الراحل لرحل تاركًا شجرتها تنمو وتترعرع ونقطف ثمارهها نحن الأجيال التي جاءت بعده رغم أنوفنا. Comment *