بعيداً عن الأجواء السياسية المحمومة للانتخابات الرئاسية، التي تجعل حتى الزوجة تسأل زوجها صباحاً "تحب تتغدى إيه وحتنتخب مين"، واستغلالا لأصخب فترة صمت انتخابي في تاريخ العالم، أكتب عن ذلك الجيل مواليد ما بين 1970، و 1990، الذين حضروا ما بين 20 إلى 30 عاماً في حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، والذين تعلموا تحت مظلة حكمه الفاسدة، والذين مرضوا وتداووا وعولجوا في مستشفياته المنتهية الصلاحية، وأكلوا طعامه الملوث والمسرطن، وتم تكوين شخصياتهم من خلال إعلامه الموجه الرائد، وعذبوا وخوزقوا في أقسامه وسجونه. الذين كتب عليهم أن يعيشوا عهد الظلام، وقاع الدورة التاريخية التي تمر بها مصر، والذين على الرغم من كل هذا ثاروا، وخرجوا إلى الميادين، يطالبون بإسقاط النظام، والذين نجحوا خلال 18 يوم في خلع الديكتاتور، وعادوا إلى بيوتهم سعداء في خطأ تاريخي بحكم أنها تجربتهم الأولى، لا ننسى أنهم نالوا نصيبهم من رصاص مبارك، وسقط منهم من سقط، وفقد منهم عيونه في من فقد، وأصيب منهم من أصيب بعاهة لا يمحوها الزمان. واستمرت الرحلة التي يخوضها نفس الجيل التعيس، ليشهد كل أحداث الفترة الانتقامية، وينال رصاص المجلس العسكري وإصاباته، ويفقد الكثيرون منهم روحه معنوياً في أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء. حتى أولئك الذين بقوا على "كنبتهم" يشاهدون التليفزيون، ليصيبهم الهلع، ويشعر كلاً منهم بعدم الأمان، ويخاف كل زوج أن ينظر في عين زوجته وهو يشك في قدرته على حمايتها، وتصاب الزوجة بالذعر على أبنائها، وحتى أبناء مبارك الذين صاروا بعد ذلك أبناء المجلس قبل أن يصلوا مؤخراً لعهدة شفيق أصابهم ما أصابهم، ووجدوا نفسهم في دائرة لا تنتهي من الصراعات. وتستمر الرحلة وسيظل هذا الجيل يعاني من التخبط الذي يصاحب التجربة الديمقراطية الحقيقية الأولى منذ عهد الفراعنة، حيث لن ينعم بالاستقرار، ولن يذق حلاوة ما صنعه من ثورة عظيمة، لأن الثورات لا تجني ثمارها بسرعة ظهور نتيجة الشهادة الإعدادية، بل قد تؤتي هذه الثمار بعد عقود، يكون هذا الجيل ساعتها قد غادر الحياة، أو على أحسن تقدير مصاب بالزهايمر ولا يتذكر أصلا معنى كلمة "مصر" بحكم السن، بعد أن عانى من أحداث ما بعد انتهاء الفترة الانتقامية وحالة الصعود والهبوط التي ستعاني منها دولة تتعافى. لهذا عزيزي القارئ المواطن ابن هذا الجيل اسمح لي أن أعزيك، لقد كتب عليك العذاب منذ ميلادك وحتى وفاتك، فلا تيأس، واستمر في مهمتك الإصلاحية، ومحاولة تحقيق حلمك، لأن من يزرع النخيل لا يذق بلحه، بل يذقه من يأتي بعده، ونحن بدأنا غرس الشتلات ولم نصل بعد لمرحلة الري، فاستمروا..استمروا استمروا أيها الجيل المنحوس. Comment *