منذ2007 تشهد منطقتي باب التبانة وجبل محسن توترات على خلفيات طائفية ومذهبية، والمنطقتين اللتين كانتا بالأصل منطقة واحدة في مدينة طرابلس ثاني أكبر المدن اللبنانية انقسمتا إبان الحرب الأهلية وأصبحتا بمثابة خطوط تماس طول فترة الحرب الممتدة منذ السبعينات وحتى التسعينات، وبحلول عامي 2007 و2008 تجددت أحداث عنف دموي بين المنطقتين اللتان تعدان من أفقر المناطق وأكثرها حرماناً من الخدمات الحياتية والمعيشية، وذلك على خلفية الاحتدام السياسية بين القوى السياسية ممثلة في قوى8آذار وعلى رأسها حزب الله، وقوى14 آذار بزعامة تيار المستقبل الذي أعقب خروج القوات السورية من لبنان. الصراع الدموي بين سكان المنطقتين بلغ أوجه في 2008 في أحداث اعتبرها البعض رد فعل"سني" تصدره التيار السلفي والمنتمين له، على أحداث 7مايو من نفس العام في بيروت والتي جاءت رداً على محاولات قوى 14آذار التي كانت في السلطة حينها تفكيك شبكة الاتصالات الأرضية الخاصة بحزب الله الذي عمل على احتواء الموقف بمظاهرة مسلحة حالت دون تفكيك شبكته الموجهة للصراع مع العدو الإسرائيلي، وقد أسفرت هذه الأحداث عن أحداث2008 في طرابلس أسفرت عن مقتل عشرة أشخاص وإصابة حوالي خمسين أخريين. وانتهت الأحداث باتفاق سمي "بالمصالحة الطرابلسية" برعاية تيار المستقبل، وهو ما أعتبره بعض المحللين وقتها تسكين للأوضاع وليس علاج لها. وبالفعل لم تخل منطقتي باب التبانة وجبل محسن من حوادث العنف المسلح، بعضها لأسباب عبثية مثل رفع لافته أو علم، فمثلاً في 2010 عندما قام أحد الأشخاص برفع العلم التركي حدث اشتباك في أسواق المنطقة أدى لإصابة شخصين بطلق ناري وانتشار لقوات الجيش اللبناني لتأمين وفرض النظام في المنطقة، وهو ما أصبح روتين عادي في هذه السنوات الأخيرة. ومع اندلاع الثورة السورية أصبحت طرابلس مرة أخرى على شفا النار، فأجهزة الأمن اللبنانية اتهمت عدد من المنتمين للتيار السلفي المتواجد بكثرة في منطقة باب التبانة بتأمين وتهريب السلاح إلى سوريا، وهو ما تسبب في اندلاع أحداث عنف مسلح راح ضحيتها 4 أشخاص، وتعرضت فيه جبل محسن لقصف بقذائف الأنيرجا. قذائف الأنيرجا كانت أيضا شرارة لتجدد الصراع المسلح بين المنطقتين، حيث أدى سقوط قذيفة إلى مقتل شخص في البقار أحد مناطق جبل محسن، مما أدى لاشتباكات بالأسلحة الرشاشة والقذائف الخفيفة بين المنطقتين، والذي كانت خلفيته المباشرة القبض على عدد من الأشخاص المنتمين للتيار السلفي وحجزهم احتياطيا بتهمة تهريب الأسلحة خارج الحدود، وهو ما ربطه البعض بحادثة اعتراض السفينة الليبية التي أوقفتها السلطات اللبنانية وكانت متوجهة من طرابلس الغرب"ليبيا" إلى طرابلس الشرق"لبنان". وليس من المستبعد أن هناك حركة تخزين نشطة للسلاح، وتجيش على أساس مذهبي وطائفي يجري في طرابلس خلال السنوات الأخيرة ازدادت وتيرتة في أعقاب الأزمة السورية، والتي يعتبرها التيار السلفي في طرابلس "ذات أصل طائفي وديني". وهو ما أكدته الأحداث والتصريحات التي أعقبت اعتقال عناصر من الأمن اللبنانية للشاب شادي المولوي الذي ينتمي للتيار السلفي داخل مكتب يخص وزير المالية اللبناني محمد الصفدي النائب عن المدينة فأتى رد فعل التيار السلفي على لسان مؤسسه داعي الإسلام الشهال بأن اعتقال المولوي " لا ترتبط بشخصه فقط بل هو يمثل لدى الشعور العام في طرابلس رمزاً لاستهداف الطائفة السنية والاستهتار بكرامتها". وأضاف في تصريحاته لقناة الجديد "سكتنا كثيراً وركبوا على ظهرنا" –في إشارة للعلويين والشيعة، مضيفاً أن بعض عناصر وضباط الجيش لا يتعاملون بإنصاف ويتصرفون على أساس طائفي وفقاً لأجندة وارتباطات معينة". التيار السلفي في لبنان والذي صعد بسرعة للساحة الاجتماعية والسياسية في لبنان بعد 2005عقب اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، احتل مساحة كبيرة من التصدر السياسي الذي كان يمثله التيار الناصري وتنظيماته مثل التنظيم الشعبي الناصري وغيره، ولكن بصعود نجم رفيق الحريري بعد اتفاق الطائف وتوليه رئاسة الوزراء أضحى التمثيل السياسي للطائفة السنية في لبنان يتجه بشكل أكبر ناحية آل الحريري ثم تيار المستقبل وأن تبقى للعائلات الكبرى في لبنان مثل عائلة كرامي وسلام سيطرة محدودة على ساحة الطائفة السنية سياسياً. وكان المتغير الأهم هو صعود التيار السلفي مدعوماً بالأساس من تيار المستقبل. ونجح السلفيون في سنوات معدودة أن يكونوا رقما على الساحة السياسية في لبنان وأبرزت أحداث طرابلس الأخيرة أن الوجود السلفي يحمل في طياته أفكار "جهادية" و "قاعدية" وهو ما قد يضع لبنان على حافة حرب أهلية جديدة تكون صدى لأي تغير في الخريطة السياسية الإقليمية وتحديداً سوريا، وهو ما سيجعل باب التبانة-جبل محسن خط تماس لصراع دموي خلفه قوى سياسية داخلية وخارجية. Comment *