ضمن جوقة الفنانين المصريين – حملة المباخر لنظام مبارك- إنبرت الفنانة نادية الجندي في تصريح لافت للنظر مؤخرا عاتبة علي الشباب الثائر:” يجب أن يقرأ شباب الثورة التاريخ ليعرفوا فضل مبارك علي مصر”.. وفي تصوري أن هذا التصريح لا يجب أن نتعامل معه بخفة شان تصريحات عفاف شعيب وتامر حسني وغيرها من التصريحات التي صارت مادة للفكاهة و السخرية ففي حقيقة الأمر الفنانة نادية الجندي تتكلم من موقع التخصص المهني و الفكري فهي أهم مؤرخ لمصر الحديثة من حيث التأثير و استيعاب مزاجات الجمهور و قدرتها علي صياغة السردية الملائمة لحساسيات المستهلكين الباحثين عن كبسولات تاريخية شهية و مثيرة ناهيك عن تبسيطيتها وميلها نحو أسطرة التاريخ و تقديمه بشكل ميلودرامي يرضي أذواق جمهور يبحث عن الأسطورة لا التاريخ – الأسطورة التي تتلاءم مع رؤيته عن العالم و الوجود و الحياة في مجتمعه و نادية الجندي ليست مؤرخة تخضع للتصنيف الأكاديمي و العلمي فهي ليست مؤرخة كلاسيكية ( مثل شفيق غربال و عبد الرحمن الرافعي) ولا ماركسية ( مثل أحمد صادق سعد و شهدي عطية) (و لا إسلامية مثل طارق البشري و جمال عبد الهادي) و لا ما بعد بنيوية (مثل خالد فهمي و تيموثي ميتشيل) و لكنها مؤرخة شعبية ملتزمة بإيديولوجيا الطبقة البورجوازية المصرية في تأكيد مقولاتها الكبرى المؤسطرة عن التاريخ المصري (مقولاتها عن الحق و العدل و الخير و البطولة و القدر و الثروة و الشرف و الهوية) ثم السخرية منها في آن واحد- السخرية بشكل متوار عبر تقديمها في قالب ميلودرامي صارخ يضع نادية الجندي دائما في موضع البطولة داخل كل سردية تاريخية فهي المقابل الساخر(الساخر خلف قناع الميلودراما) للبطل المصري في كل الحواديت التاريخية المعروفة فهي علي سبيل المثال شريكة انور السادات في تحقيق نصر أكتوبر لمصر و هي فاعل رئيسي في هزيمة المحور في الحرب العالمية الثانية و قيام ثورة 23 يوليو و هي- بكل أنوثتها الجبارة التي تنتصر علي عتاة ذكور إسرائيل- البطل الحقيقي لملاحم المخابرات المصرية (في قلب معكوس للتصور الكلاسيكي عن رجال المخابرات المصرية و حربهم ضد “لا رجال” العدو الإسرائيلي) و هي ضحية و شريكة و قاهرة مراكز القوي الناصرية و مراكز النفوذ الاقتصادية في عهد الانفتاح الساداتي في آن واحد و فيما يلي بانوراما للتأريخ السينمائي للفنانة نادية الجندي تقوم بتصنيف و تبويب المواضيع و الحواديت التاريخية حسب تطورها الزمني مع رصد الأفلام التي تناولت هذه المواضيع عبر مشوارها السينمائي الطويل االذي تجاوز الثلاثين عاما : 1- التاريخ السري للمهمشين في مصر في فترة بين الحربين...فيلم وداد الغازية و فيلم شوق 2- تاريخ العوالم و عالم الدعارة قبل الحرب العالمية الأولي..فيلما بمبة كشر و خمسة باب 3-أزمة المثقف الحداثي المصري بين الواقع و المثال في مرحلة مابين الحربين...فيلم عالم و عالمة (مع أصداء من مسرحية تاييس لأناتول فرانس ) 4- الحركة الوطنية المصرية بين الحلفاء و المحور أثناء الحرب العالمية الثانية...فيلم الراقصة حكمت فهمي 5- تاريخ علاقات السلطة في الحارة الشعبية المصرية..فيلم شهد الملكة 6- قصة تنظيم الضباط الأحرار..فيلم امرأة هزت عرش مصر 7- سقوط الملكية المصرية في 23 يوليو..فيلم امرأة هزت عرش مصر و مسلسل ملكة في المنفي 8- مراكز القوي في العهد الناصري..فيلم ملف سامية شعراوي و فيلم الشطار 9- حرب المخابرات بين مصر و إسرائيل في فترة مابين 1967-1973 و تحقيق نصر أكتوبر...فيلم مهمة في تل أبيب 10- حرب المخابرات بين مصر و إسرائيل في المطلق- فيلم 48 ساعة في إسرائيل 11- الانفتاح الساداتي بأبعاده الثلاثة: تحول علاقات الإنتاج و السلطة- الحراك الاجتماعي و تغير أنماط الاستهلاك- أزمة المثقفين و الطبقة الوسطي....فيلم صاحب الإدارة بواب العمارة 12- اليسار عندما إتجه إلي العنف و الإرهاب...فيلم الإرهاب ملحمة لجميع قطاعات الإنتاج أثناء عصر انفتاح السبعينات و الثمانينات و تفصيلها فيما يلي : 13- المقاولات...فيلم بيت الكوامل 14- تجارة الخردة....فيلم وكالة البلح 15—تجارة اللحوم....فيلم المدبح 16- تجارة المواد الغذائية..فيلم جبروت إمرأة 17- تجارة المخدرات محليا....فيلم الباطنية و فيلم الإمبراطورة 18- تجارة المخدرات دوليا..فيلم شبكة الموت 19- مافيا تجارة السلاح...فيلم عصر القوة مع أصداء من الفيلم الأمريكي الشهير الأب الروحي ثم أفلام عن الآثار الاجتماعية لعصر الانفتاح 20- تغريبة المصريين في الخليج و مآسيها.. فيلم الضائعة 21- صعود طبقة الهليبة....فيلم الخادمة 22- صعود مجتمعات العشوائيات...فيلم عزبة الصفيح فترة التسعينات شهدت محاور عديدة للتأريخ في سينما نادية الجندي: 23- الإرهاب الإسلامي...فيلم أمن دولة العولمة بتجلياتها المختلفة: 34-مافيا الصناعات الدوائية....فيلم اغتيال 35- طبقة رجال الأعمال الجدد في عصر الاقتصاد و الثقافة النيوليبرالية....فيلم بونو بونو و فيلم امرأة فوق القمة و فيلم الإمبراطورة و مسلسل مشوار امرأة. 36-مخططات القوي الدولية للهيمنة علي العلم و التكنولوجيا الحديثة مسلسل من أطلق الرصاص علي هند علام 37- اكتمال دائرة سقوط و صعود البورجوازية الحضرية...فيلم الرغبة تقدم السن فقط هو ما أعاق الفنانة عن استكمال مشروعها للتأريخ للحدث الأهم علي الإطلاق: سقوط شرعية 23 يوليو مع ثورة يناير و تيه البورجوازية المصرية أمام تحقق كابوسها الأكبر و مواجهتها بحقيقة دولتها الفاشلة و مجتمعها الذي تتنازعه قوي التخلف و التمرد و الإحباط و الرفض- ذلك الكابوس الذي في رأيي لا يفلح في مواجهته أيا من حيل البرجوازية المصرية الهروبية والتجميلية الأسطورية الطابع و إني لأتساءل كيف كانت الفنانة نادية الجندي لتتصدي لعبء التأريخ لثورة يناير 2011 في ظل هذا الواقع الجديد