نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تحليلا لخبيرة العلاقات الدولية في معهد أبحاث مجلس العلاقات الخارجية، باتريشيا كيم، حول اللقاء التاريخي المرتقب بين زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تطور مثير بالعلاقات بين البلدين. وتشير باتريشيا إلى أن الإعلان المفاجئ، الذي صدر يوم الخميس الماضي، عن لقاء مرتقب وجها لوجه، لأول مرة، بين ترامب وكيم أون، جاء في أعقاب أنباء صدرت في وقت سابق من هذا الأسبوع، بدت رائعة جدا يمكن تصديقها، تفيد بأن كوريا الشمالية مستعدة لمناقشة نزع السلاح النووي مع الولاياتالمتحدة. وبحسب ما ورد، فإن النظام الكوري الشمالي وعد بالامتناع عن إجراء تجارب نووية وصاروخية خلال فترة المحادثات، مؤكدا أنه ليس لديه سبب لعدم نزع السلاح النووي طالما كان أمن كوريا الشمالية مضمونا. وقد تراوحت ردود الأفعال تجاه هذه الأنباء بين الحماس والحذر والاستياء من قبول ترامب للدعوة، و بدلاً من دعم خطوة التفاوض والعمل نحو عقد قمة ناجحة، أعلن البيت الأبيض في مؤتمر صحفي يوم الجمعة أنه سيتعين على كوريا الشمالية اتخاذ إجراءات ملموسة وقابلة للتحقق قبل عقد الاجتماع. وتقول باتريشا كيم، في تحليلها، إنه بالنظر إلى عقود من المحاولات الفاشلة لحل المشكلة النووية الكورية الشمالية، يحتاج الأمر إلى جلسة جريئة كهذه لتحقيق التقدم، وبعيدا عن المخاوف بشأن أسلوب ترامب الذي لا يمكن التنبؤ به، فإن هناك 3 تحديات أساسية تنتظر ذلك اللقاء حتى في أكثر الحالات تفاؤلا بأن بيونج يانج جادة بشأن نزع السلاح النووي:
أزمة الثقة والمصداقية لكي تقوم كوريا الشمالية بنزع سلاحها النووي، يجب على كيم أون، أن يقتنع جديا بأن الولاياتالمتحدة لن تضر نظامه، وهذا لن يكون سهلاً، إذا أخذنا في الاعتبار سجل واشنطن في الإطاحة بخصومها، لذلك، سيتطلب تعزيز مصداقية الضمانات الأمريكية اتخاذ تدابير مكثفة، مثل تعهدات شخصية من ترامب، وقرار من الكونجرس، أو دور صيني للعمل كضامن لأي اتفاق سلام. لكن حتى هذه الإجراءات، التي يصعب ترتيبها، قد لا تكون كافية لإرضاء نظام مقتنع بأن الولاياتالمتحدة تسعى إلى الإطاحة به، في المقابل، سيواجه الكوريون الشماليون تحديا مشابها لإثبات أنهم محل ثقة، إذ يعتقد معظم المراقبين أن كوريا الشمالية لن تلتزم وستواصل توسيع برنامجها النووي في الأشهر القادمة. ولإثبات أنه جاد بشأن نزع السلاح النووي، يتعين على كيم أون، قبول عمليات تفتيش من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ليس فقط في المواقع النووية المعلنة فحسب، ولكن في المواقع العسكرية غير المعلنة، وهذا شيء من الصعب أن تقبله دولة حادة معزولة مثل كوريا الشمالية.
اختلاف التوقعات السيناريو المثالي بالنسبة للجانب الأمريكي هو أن كوريا الشمالية مستعدة للعودة إلى المحادثات السداسية التي بدأت عام 2003 بين 6 دول "الصين، كوريا الشماليةوكوريا الجنوبية، والولاياتالمتحدة، وروسيا واليابان" بهدف إلزام كوريا الشمالية سلميا بنزع سلاحها النووي مقابل ضمانات أمنية واقتصادية، وفي المقابل، تتوقع كوريا الشمالية أيضاً أن تمتنع الولاياتالمتحدة عن فرض عقوبات إضافية أو المشاركة في أي إجراءات عقابية خلال فترة المفاوضات. وكانت كوريا الشمالية قد انسحبت من المحادثات السداسية بعد انتهاك سبتمبر 2005، عندما فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات مالية على بنك في ماكاو بتهمة غسيل الأموال لصالح كوريا الشمالية، وكان موقف واشنطن في ذلك الوقت هو أن العقوبات كانت مبررة ومفصولة عن العملية السداسية، لكن كوريا الشمالية لم توافق. وعندما أذيعت الأسبوع الماضي أخبار استعداد كوريا الشمالية للحديث مع الولاياتالمتحدة، بدت هناك علامات على أن التاريخ يعيد نفسه، وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في نفس اليوم عن عقوبات جديدة، ضد كوريا الشمالية، وإن كانت رمزية إلى حد كبير، وذلك بعد أن حددت رسميا أنها استخدمت الأسلحة الكيماوية العام الماضي لاغتيال كيم جونج نام، الأخ غير الشقيق لزعيم كوريا الشمالية. وللتغلب على هذه الصعوبات المتوقعة، يمكن للجانبين وضع قواعد تفصيلية للتعامل لمنع انهيار المحادثات، على الرغم من أن هذا يتطلب مفاوضات مسبقة موسعة.
اختلاف الأهداف حقيقة الأمر أن المحادثات لا يمكن أن تذهب إلى أي مكان إذا كان لدى واشنطنوبيونج يانج أهداف نهائية مختلفة بشأن المفاوضات، فبينما قد تكون الولاياتالمتحدة مستعدة للتوقيع على اتفاقية سلام تفيد أنها لن تضر بنظام كيم إلى جانب تطبيع العلاقات في مقابل نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية، ربما يكون سعي بيونج يانج إلى شيء مختلف تمامًا. على سبيل المثال، يمكن أن يطلب الزعيم الكوري الشمالي إنهاء التحالف الأمريكي مع كوريا الجنوبية وانسحاب القوات الأمريكية من شبه الجزيرة الكورية، وبذلك على الأرجح سيكون اللقاء المرتقب محكوما عليه بالفشل بالنسبة لكل من واشنطن وسيول، بغض النظر عما إذا كانت بيونج يانج مستعدة حقا للتخلي عن أسلحتها النووية في مقابل ذلك. وفي ظل هذه التحديات الهائلة ، فإن فرص أن يؤدي هذا الانفتاح الذي لم يسبق له مثيل، إلى حل نهائي للأزمة النووية الكورية الشمالية، هو احتمال ضئيل، لكن الآن بعد أن أعلن البيت الأبيض قبوله دعوة كيم، يجب التخطيط الدقيق لما يمكن وما لا يمكن وضعه على طاولة المفاوضات، إلى جانب التنسيق الوثيق مع الحلفاء. ومن يدري، فربما تمهد حزمة تفاوض مبدعة إلى جانب دبلوماسية جريئة من جانب ترامب وكيم الطريق إلى شبه جزيرة كورية أكثر استقراراً.