لعنة إفريقية أصابت نفوذ الإمارات وطموحها في منطقة القرن الإفريقي؛ فخلال الفترة الماضية تتعرض بعض بلدان القارة السمراء لمخطط خليجي يسعى إلى إحكام السيطرة على موانئ استراتيجية في منطقة مزدحمة بالحركة التجارية، حيث تسعى أبو ظبي إلى زيادة نفوذها في الدول التي تمتلك موقعًا استراتيجيًا على البحر الأحمر، ما سيسمح لها بالسيطرة على أكبر وأهم الموانئ وبناء سلسلة من القواعد العسكرية، وبالتالي السيطرة على حركة الملاحة هناك، لكن خلال الأيام القليلة الماضية، تلقت الإمارات صفعتين؛ أولهما من جيبوتي والثانية من الصومال. صفعة صومالية ألغت وزارة الموانئ والنقل البحري في الصومال، اتفاقية الشراكة المبرمة بين شركة موانئ دبي العالمية وجمهورية أرض الصومال، المعلنة من جانب واحد، والحكومة الإثيوبية، بشأن تشغيل ميناء "بربرة"، وقالت الوزارة، إن حكومة مقديشو لم تشارك في هذه الاتفاقية ولم تفوّض أحدًا لتمثيلها، وتعتبرها تهديدًا لوحدة أراضيها، فيما أيد رئيس الوزراء الصومالي، حسن علي خيري، البيان الذي أصدرته وزارة الموانئ والنقل البحري، قائلًا: اتفاقية تشغيل الميناء غير شرعية، حيث لم تبرم عبر الإجراءات والطرق القانونية. ويأتي القرار الصومالي بعد ساعات من توقيع شركة موانئ دبي العالمية وكل من حكومة إقليم أرض الصومال وحكومة إثيوبيا، اتفاقية تصبح بموجبها إثيوبيا شريكًا استراتيجيًا في ميناء بربرة في أرض الصومال بنسبة 19%، فيما تحتفظ "موانئ دبي العالمية" بحصة 51% في المشروع، وهيئة الموانئ في أرض الصومال بحصة 30%، في حين تستثمر إثيوبيا في تطوير البنى التحتية لمشروع "ممر بربرة" التجاري، حيث شهد رئيس مجلس إدارة شركة موانئ دبي، سلطان أحمد بن سليم، ووزير النقل والمواصلات الإثيوبي، أحمد شدي، ووزير خارجية جمهورية أرض الصومال، سعد الشير، على الاتفاقية، وعلق وزير النقل والمواصلات الإثيوبي، عقب التوقيع بالقول: إنها ستساعد إثيوبيا على تأمين بوابة لوجيستية إضافية لتجارة الواردات والصادرات المتزايدة. وكانت شركة موانئ دبي العالمية، تسلمت إدارة ميناء بربرة في عام 2016، وبلغت حصة الشركة حينها في الميناء 65%، فيما لم تتجاوز حصة الجمهورية المعلنة من جانب واحد 35%، وفي فبراير من العام 2017، وقع الطرفان اتفاقية جديدة تمنح الإمارات صلاحية إنشاء قاعدة عسكرية في مدينة بربرة على ساحل خليج عدن، واستخدامها لمدة 25 عامًا، إلى جانب الحق في استخدام مطار المدينة، وهو الاتفاق الذي رفضته الحكومة الصومالية في مقديشو، حيث اتهم حينها المدقق العام التابع للحكومة الاتحادية في مقديشو، نور فرح، الإمارات ب"انتهاك القانون الدولي"، معربًا عن آسف بلاده لتعامل الإمارات مع الإدارة الموجودة في جمهورية "أرض الصومال"، الواقعة في منطقة القرن الإفريقي على شاطئ خليج عدن، وبالتحديد شمال الصومال الأم، رغم أنها غير معترف بها دوليًا، الأمر الذي يعني تهديد وحدة الصومال وتشجيع النزعة الانفصالية لدى الجمهورية التي لاتزال مقديشو تعتبرها خاضعة للسيادة الصومالية رغم إعلان انفصالها عن باقي أراضي الصومال عام 1991. أهمية ميناء "بربرة" لا يمكن فصل أهمية ميناء بربرة عن أهمية الصومال بالنسبة للإمارات، وخاصة "جمهورية أرض الصومال"، حيث تنبع أهميتها من موقعها الاستراتيجي في منطقة القرن الإفريقي التي تطل على المحيط الهندي من ناحية، وتتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، حيث مضيق باب المندب من ناحية أخرى، ما جعل المنطقة تتحكم في طريق التجارة العالمي، خاصة النفط القادمة من دول الخليج، والمتوجهة إلى الغرب، كما أنها تُعد ممرًا مهمًا لأي تحركات عسكرية قادمة من أوروبا أو الولاياتالمتحدة، في اتجاه منطقة الخليج العربي، ما يجعل لها أهمية محورية لدى الإمارات تدفعها إلى محاولة بسط سيطرتها عليها. ميناء "بربرة" يستمد أهميته بالنسبة للإمارات من عدوانها على اليمن، حيث سعت أبو ظبي إلى بسط سيطرتها على الميناء وتحويله إلى مهبط للطائرات يدعم عدوانها على اليمن، ويعزز من نفوذها الإقليمي في المنطقة، لكن الأمر لا يمنع أن ميناء "بربرة" له أهمية اقتصادية بعيدة عن العدوان السعودي الإماراتي على اليمن، حيث أبرمت أبوظبي عن طريق شركة موانئ دبي العالمية عددًا من الاتفاقيات الاقتصادية مع مرفأ المدينة بذريعة إدارة وتطوير استثمارات تصل إلى 442 مليون دولار ولمدة 30 عامًا، لكن الهدف حينها لم يكن تطويره بقدر ما كان السيطرة على حركة التجارة العالمية هناك، وهو ما اعترفت به الإمارات حينما قالت إن ميناء بربرة، الوحيد الواقع على الساحل الجنوبي لخليج عدن، وبالتالي يوفر نقطة نفاذ جديدة إلى البحر الأحمر، مشيرة إلى أن الاستثمار سيجذب المزيد من خطوط الشحن إلى شرق إفريقيا. على خطى جيبوتي قرار وزارة الموانئ والنقل البحري الصومالي، الخاص بإلغاء الاتفاقية التي وقعتها الشركة الإماراتية بالتعاون مع إثيوبيا وجمهورية "أرض الصومال" من شأنه زيادة ارتباك أبو ظبي أو بالتحديد شركة "موانئ دبي العالمية"، خاصة أن قرار الصومال يعتبر الخسارة الثانية للشركة في القرن الإفريقي خلال أيام، حيث تلقت أبوظبي ضربة موجعة شبيهة بالتي تلقتها من الصومال، لكن هذه المرة من جيبوتي، التي اتخذ رئيسها، إسماعيل عمر جوليه، قرارًا بإنهاء عقد الامتياز الممنوح للشركة الإماراتية لإدارة محطة "دوراليه" للحاويات وتشغيلها، حيث اتهم "جوليه" شركة "موانئ دبي" بمنع الجيبوتيين من استحصال حقوقهم في المحطة، والتحايل عليهم ب"اتفاقيات غير قانونية"، مؤكدًا: "قررت جمهورية جيبوتي السير قدمًا في إنهاء من جانب واحد وبأثر فوري لعقد الامتياز الممنوح لموانئ دبي العالمية، وهذا قرار نهائي ولا رجعة فيه". وربط العديد من المراقبين بين قرار الحكومة الصومالية الذي جاء بعد أيام من قرار مماثل من الحكومة الجيبوتية، حيث أكد خبراء أن بداية الأزمة تنبع من رفض جيبوتي طلبًا إماراتيًا بإنشاء قاعدة لأبوظبي لمتابعة الأوضاع في مدينة عدن اليمنية، فالجيبوتيين غير راضين عمومًا عن تحركات الإمارات في عدن، معتبرين أنها تؤثر عليهم بشكل سلبي، الرفض الذي حاولت على إثره الإمارات معاقبة جيبوتي، حيث قال رئيس مجلس إدارة موانئ دبي، سلطان أحمد بن سليم: "نحن جعلنا من الجيبوتيين بشرًا، لكننا سنرجعهم كما كانوا"، ما أثار موجة غضب عارمة هناك. لم يقف الأمر عند التصريح المُهين، لكن أبوظبي سعت إلى تأجير موانئ مجاورة لموانئ جيبوتي في "أرض الصومال"، ثم قدمت عرضًا للإثيوبيين الذين كانوا يستخدمون موانئ جيبوتي لتركها، واستخدام موانئ جمهورية "أرض الصومال" برسوم مخفضة جدًا، في محاولة لضرب الاقتصاد الجيبوتي، لكن جاء قرار حكومة الصومال الأخير ليضرب المخططات الإماراتية في مقتل، ويظهر صحوة في دول القرن الإفريقي حيال الدور المشبوه للإمارات هناك.