أعلنت دولة جيبوتي الخميس الماضي عن إلغاء عقد الامتياز الممنوح لشركة مواني دبي العالمية الذي يمنحها حق تشغيل محطة "دوراليه" للحاويات في ميناء جيبوتي لمدة 50 عامًا، حيث قال بيان صدر عن مكتب الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله، إن الحكومة "قررت المضي قدما في إلغاء أحادي الجانب لعقد الامتياز الذي مُنح لموانئ دبي العالمية منذ عام 2006". وأرجع البيان السبب في اتخاذ جيبوتي هذه الخطوة إلى رفض الشركة الإماراتية الوصول لتسوية ودية، في إشارة إلى التحكيم الدولي بين موانئ دبي العالمية وجيبوتي. من جانبها، أصدرت موانئ دبي بيانا وصفت فيه خطوة حكومة جيبوتي بأنها "غير قانونية"، قائلة إن "هذا الاستيلاء غير القانوني على المحطة تتويج لحملة شنتها الحكومة لإجبار موانئ دبي العالمية على إعادة التفاوض حول شروط الامتياز التي وُصفت بأنها عادلة من قبل محكمة لندن للتحكيم الدولي". وأعلنت الشركة إنها "بدأت إجراءات تحكيم جديدة أمام محكمة لندن للتحكيم الدولي لحماية حقوقها". كانت موانئ دبي العالمية قد فازت في عام 2006 بعقد امتياز لمدة 30 عاما لتشغيل الميناء، الذي تم افتتاحه عام 2009. لكن في عام 2014، قدمت حكومة جيبوتي دعوى قانونية للتحكيم الدولي ضد موانئ دبي العالمية، متهمة إياها برشوة رئيس هيئة ميناء جيبوتي واصفة الاتفاق بشكل عام ب "غير العادل". وفي فبراير 2017، برأت محكمة لندن للتحكيم الدولي موانئ دبي العالمية، ورفضت مطالبات جيبوتي وأمرتها بدفع تكاليف التحكيم. يأتي قرار تأميم محطة "دوراليه" للحاويات في جيبوتي في الوقت الذي تزداد فيه مساعي الإمارات لتوسيع نفوذها في القرن الإفريقي من خلال السيطرة على أكبر وأهم الموانئ الاستراتيجية وبناء سلسلة من القواعد العسكرية التي تسمح لها باستعراض القوة في البحر الأحمر. ويسلط تقرير نشره موقع إذاعة صوت ألمانيا "دويتشه فيله" الضوء على إدراك الإمارات قبل فترة طويلة مدى أهمية الموانئ البحرية في الاقتصاد والنفوذ السياسي العالمي، فبدأت في التوسع في هذا المجال لتعزيز نفوذها. ويكتسب ميناء جيبوتي أهمية خاصة بالنسبة لإثيوبيا المجاورة غير الساحلية، حيث إن أكثر من 95% من واردات إثيوبيا تأتي عبر جيبوتي، كذلك فإن موقع جيبوتي بالقرب من باب المندب، وهو ممر تجاري حاسم في البحر الأحمر لناقلات النفط المتجهة من الخليج إلى أوروبا، يجعلها موقعا عسكريا هاما. كما اكتسبت موانئ اليمن أهمية خاصة لدى دولة الإمارات، وكان الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، قد منح شركة موانئ دبي العالمية عام 2008 حق إدارة ميناء عدن، وموانئ أخرى، لمائة عام قادمة، ولكن بعد الثورة اليمنية وخلع صالح، قرر مجلس إدارة مؤسسة خليج عدن إلغاء تلك الاتفاقية، وقبل 3 سنوات، اتخذت دولة الإمارات قرار الدخول في تحالف عربي مكون من عدة دول تحت راية "إعادة الشرعية" في اليمن لإنهاء نفوذ حركة أنصار الله وإعادة حكم عبد ربه منصور هادي لتعود الإمارات مرة أخرى لميناء عدن لكن تحت غطاء حرب شاملة، وأصبحت الإمارات، اليوم، تسيطر على موانئ جنوب اليمن، من المكلا شرقا وحتى عدن غربا، وصولا إلى الموانئ الغربية في البلاد، فيما تواصل مساعيها للسيطرة على ميناءي المخا والحديدة. في العام الماضي، أفادت تقارير بحصول الإمارات عن طريق شركة موانئ دبي العالمية على حق إدارة وتطوير ميناء "بربرة"، أهم موانئ جمهورية أرض الصومال، بعقد مدته 30 عاما، وهي جزء من دولة الصومال تقع في الشمال وأعلنت من جانب واحد انفصالها عن الصومال في عام 1991 وتحاول حتى اليوم الحصول على اعتراف دولي بها. ويقع ميناء بربرة، وهو الميناء الاستراتيجي المهم في القرن الإفريقي، على ممر بحري يربط بين قناة السويسوالبحر الأحمر والمحيط الهندي (بحر العرب خاصة)، وهو قريب من إثيوبيا التي ليس لديها أي منفذ بحري. ووفقا لتقرير "دويتشه فيله"، فإن التحركات الإماراتية للسيطرة تماما على منطقة باب المندب لم تقتصر على جيبوتي أو الصومال، فقد وقعت الإمارات اتفاقا مع إريتريا تستخدم بموجبه ميناء عصب على البحر الأحمر لمدة 30 عاما إضافة إلى مطار مدرج بطول 3500 متر، يمكن لطائرات النقل الكبيرة استخدامه في الإقلاع والهبوط. وقد استغلت الإمارات والسعودية ميناء وقاعدة عصب بشكل فعال في عملية "السهم الذهبي" عام 2015 للسيطرة على مدينة عدن في اليمن. الرغبة في النفوذ الاستراتيجي من خلال التحكم في واحد من أهم الممرات البحرية في العالم – مضيق باب المندب – يفسر إصرار دولة الإمارات على تعزيز تواجدها في عدن على وجه الخصوص ضمن حرب التحالف في اليمن.