كتب: خالد عبد المنعم ومحمد صفاء الدين لا يزال السلام الدافئ، الذي أعلن عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ فترة، يسير على أكمل وجه، وتأكيدًا لذلك أعلنت شركة "ديليك دريلينغ" التابعة للكيان الصهيوني عن توقيع عقد لمدة عشر سنوات، بقيمة 15 مليار دولار، لتصدير الغاز الطبيعي لمصر، الأمر الذي جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يصف الاتفاق بأنه يوم عيد، حيث إن هذه الاتفاقية لن تعزز اقتصاد وأمن إسرائيل فحسب، بل ستعزز أيضًا علاقاتها الإقليمية. التطبيع مستمر التطبيع مع الكيان الصهيوني مطروح منذ أن أعلن طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية، عن عدة شروط لاستيراد الغاز الطبيعي من الكيان الصهيوني، منها تسوية قضايا التحكيم الدولي المرفوعة ضد مصر، بالإضافة إلى تخفيض حجم التعويضات، فضلاً عن مراعاة أبعاد الأمن القومي المصري في عملية الاستيراد، وأيضًا إحداث توازن اقتصادي، مؤكدًا أن الموافقة على الاستيراد ستتم إذا كان الأمر يحقق قيمة مضافة للاقتصاد. هذه الشروط جاءت بعد موافقة مجلس النواب في يوليو الماضي على قانون تنظيم أنشطة سوق الغاز، الذي يهدف إلى تنظيم الأنشطة المرتبطة بمجال سوق الغاز لمواجهة التحديات، وسمح القانون للمستهلك باختيار مصدر الاستيراد، ما سيتيح لهم فرصة استيراد الغاز بأسعار تنافسية أقل من الأسعار المتاحة من قبل الحكومة المصرية. وجاءت هذه الشروط في الوقت الذي هللت فيها الحكومة و أذرعها الإعلامية باكتشاف حقل ظهر العملاق، الذي يكفي احتياجاتنا لسنوات في المستقبل، وبحسب المعلومات الواردة عن الحقل، فسيبدأ الإنتاج بنحو 350 مليون قدم مكعب يوميًّا من الغاز الطبيعي، تصل إلى 1.2 مليار قدم عند اكتمال المرحلة الأولى، وسيحقق الاكتفاء الذاتي لمصر قبل نهاية عام 2018. وزارة البترول تنفي إسرائيل لم تنفذ شروط مصر التي وضعتها لاستيراد الغاز منها، رغم رفض المصريين التعامل مع الصهاينة من الأساس، ومع ذلك لم ترد القاهرة على هذه الصفقة، والغريب في الأمر هو بيان وزارة البترول على لسان المتحدث الرسمى لوزارة البترول حمدي عبد العزيز، الذي قال حول توقيع اتفاقية بين شركات خاصة لاستيراد غاز من الخارج بأنه ليس لدى وزارة البترول تعليق على أي مفاوضات أو اتفاقيات تخص شركات القطاع الخاص بشأن استيراد أو بيع الغاز الطبيعي. هذه الاتفاقية تؤكد تجاوز الحكومة المصرية مرحلة التطبيع إلى التحالف مع الأعداء في ظل السلام الدافئ، الأمر له أبعاد أخرى، وهي ضرب المقاومة في مقتل ومساعدة إسرائيل في ضرب الشعب الفلسطيني، الذي تعد قضيته هي المحور الأساسي لدي الشعب المصري، كما تؤكد أن تصريحات المسؤولين في مصر عن توقف الدولة عن استيراد المواد البترولية كانت مثل كثير من التصريحات؛ لإبراز إنجاز غير موجود. رفض شعبي قال الدكتور شريف فياض، الخبير الاقتصادي، تعليقًا على استيراد شركات القطاع الخاص المصري غازًا من العدو الصهيوني، إن الشعب المصري ضد أي شكل من أشكال التعاون مع العدو الصهيوني، حتى لو كان بين القطاع الخاص المصري وقطاع خاص بالعدو الصهيوني، مشيرًا إلى أن هذا التعاون سيضر بشعبنا الفلسطيني، حيث إن عوائد الضرائب التي سيدفعها القطاع الخاص للعدو الصهيوني تستخدم في بناء المستوطنات وقتل الفلسطينيين، ولذلك أي تعاون اقتصادي أو تجارى معهم هو خيانة للوطن وخيانة لدم الشهداء الذين قتلهم هذا العدو، في ظل كفاح ونضال الشعب الفلسطيني. من التصدير إلى الاستيراد دار الزمن دورته، وأصبحت مصر تستورد الغاز من العدو الإسرائيلي، بعد أن كانت تصدر الغاز لهذا الكيان الغاصب حتى عام 2011، وبأبخس الأثمان، هذه المرة على القاهرة أن تدفع مليارات الدولارات لقاء عقد من الزمن؛ لتزود بالغاز الإسرائيلي المستخرج من حقول تحوم حولها الشبهات بأنها في الأساس ملك لمصر. وكالعادة اتفاقية استيراد الغاز لم يعلن عنها من القاهرة، بل من تل أبيب، وشهد الاتفاق توقيع شركاء في حقلي تمار ولفيتان للغاز الطبيعي في إسرائيل اتفاقًا بقيمة 15 مليار دولار، لتصدير الغاز الطبيعي إلى مصر عبر شركة دولفينوس المصرية الخاصة، بحجم يصل إجماليه إلى 64 مليار قدم مكعب أو حتى نهاية عام 2030، على أن ينتهي العمل بالاتفاق مع بلوغ الأول من بينهما، وأوضحت شركة "ديليك" للحفر أن مدة الاتفاق ستكون 10 أعوام، وقال الرئيس التنفيذي لشركة ديليك للحفر، يوسي أبو، إن "مصر تتحول إلى مركز غاز حقيقي، هذه الصفقة هي الأولى بين صفقات أخرى محتملة في المستقبل". مكاسب صهيونية من جهته رحّب رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بتوقيع اتفاق تصدير الغاز إلى مصر، ووصفه في كلمة متلفزة بالتاريخي، وشبّه توقيعه بالعيد للإسرائيليين، ففي الوقت الذي اعترف فيه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أثناء زيارته الأخيرة لباريس، أنه ليس في مصر إسكان أو صحة أو تعليم جيد، نجد نتنياهو يتغنى بالمليارات التي ستجنيها إسرائيل من اتفاق استيراد مصر للغاز الإسرائيلي، وقال رئيس حكومة الاحتلال بأن أموال الاتفاق ستنفق على تعليم وصحة المواطنين الإسرائيليين ورفاهيتهم. وفي الأمس تلاشت الأنباء الإعلامية التي كانت تقول بأن هناك ذعرًا إسرائيليًّا من اكتشاف حقل ظهر المصري للغاز، بسبب انهيار مخططها الذي رسمته للسيطرة على سوق تصدير الغاز في العالم، ويبدو أن هذا الذعر تحول إلى عيد، وعن أسباب وصف نتنياهو للصفقة بالعيد، قال المحلل السياسي الإسرائيلي، إيلي نيسان "إن قيمة العقد المالية الضخمة ليست وحدها سبب فرحة نتنياهو بالصفقة، فأمر الموافقة على الصفقة بين الشركات الإسرائيلية والمصرية في نهاية الأمر يحتاج لموافقة الرئيس السيسي، وهذا الأمر يدل على العلاقات الوثيقة القائمة بين إسرائيل ومصر". فرحة نتنياهو حول ملف الغاز مع مصر تزامنت مع تغريم القاهرة مليار دولار أيضًا، حيث قالت صحيفة "هآرتس" العبرية، بالأمس، إن مركز تحكيم دوليًّا قضى بتغريم مصر 1.03 مليار دولار لصالح شركة غاز شرق المتوسط، لقيامها بإلغاء عقد توريد الغاز مع الشركة، التي تدير الأنبوب الذي كان يوصل الغاز لإسرائيل، بعد نزاع طويل دام 6 سنوات، منذ أن قطعت شركات الغاز المصرية إمداداتها من الغاز إلى إسرائيل عام 2012. كسر حاجز التطبيع وتعد هذه الصفقة أول صفقة تطبيع منذ اتفاقية "كامب ديفيد" المشؤومة، وبالتالي كسرت الأنظمة العربية المطبعة حاجز التطبيع مع الكيان الصهيوني، خاصة أن الشركات الخاصة وليست الحكومية دخلت في هذا الحيز، كما أن الشركات الخاصة المصرية لا تستطيع تسييل الغاز في حال كون هذا الهدف الحقيقي من الاستيراد المصري للغاز الإسرائيلي دون الاعتماد على البنية التحتية الحكومية لتسييل هذا الغاز، كما يرى مراقبون أن الشركات الخاصة المصرية لا تستطيع وحدها تأمين المبلغ الضخم للصفقة والمقدرة ب 15 مليار دولار دون الاستناد على جهات حكومية، خاصة أن هذه الصفقة باتت ممكنة بفضل تغيير دستوري مصري، بحيث تم سن قانون يتيح لشركات خاصة في السوق أن تستورد الغاز الطبيعي من الخارج، وأن تتواصل مع شركات أجنبية بما في ذلك إسرائيل. اكتشافات واستيراد ويأتي توقيت الصفقة في ظل الإعلان عن اكتشافات غاز ضخمة في مصر، والتي قالت الحكومة المصرية بأنها ستغطي السوق المحلية، الأمر الذي يطرح العديد من علامات الاستفهام، فأسوأ المتشائمين حول استمرار استيراد مصر للغاز لتغطية احتياجتها من الغاز، قال إنها ستكون حتى نهاية عام 2019، كما أن الإعلان الإسرائيلي عن الصفقة المثيرة للجدل يأتي بعد أسابيع قليلة من كلام وزير البترول والثروة المعدنية المصري، طارق الملا، والذي قال إن عام 2018 سيشهد تحقيقًا للاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي بعد الانتهاء من عدة مشاريع لتنمية حقوق الغاز المكتشفة حديثًا، وعلى رأسها ظهر، وتأتي تصريحات الملا بعد الإعلان عن بدء التشغيل التجريبي لحقل ظُهر في منتصف شهر ديسمبر الماضي، وبالتالي ليس مبررًا توقيع مصر لعقد استيراد الغاز الإسرائيلي حتى عام 2030، وحتى في حال اضطرار مصر لاستيراد الغاز فهناك بدائل عربية أخرى عن استيراد الغاز الإسرائيلي المسروق، فالجزائر على سبيل المثال كانت قد زودت مصر عام 2014 بالغاز لمساعدتها على تخطي أسوأ أزمة للطاقة. تحالفات غير حكومية هذه ليست المرة الأولى، فالتطبيع الغازي بين مصر وإسرائيل يعود إلى سنوات رجل الأعمال، حسين سالم، المتهم بالفساد، وعرّاب الاتفاقيات الأولى لتصدير الغاز من مصر إلى تل أبيب، اليوم عراب الاتفاقيات لاستيراد الغاز من إسرائيل هو علاء عرفة مؤسس شركة دولفينوس، ففي أكتوبر 2014 كشفت تقارير إسرائيلية عن توقيع خطاب نوايا غير ملزم لتصدير الغاز من إسرائيل إلى مصر، لحساب تحالف غير حكومي، يقوده رجل الأعمال علاء عرفة. وكانت شركة "إيني" الإيطالية أعلنت اكتشاف حقل "ظُهر" في البحر المتوسط عام 2015، وتقدر احتياطياته بثلاثين تريليون قدم مكعبة من الغاز، إلا أن كثيرًا من الغموض يدور حول هذه الشركة الإيطالية، ابتداءً من موافقتها على العمل في الحقول المصرية في ظل مقتل مواطنها جوليو ريجني في مصر، وانتهاءً بآلية بيع حصصها، ففي فبراير الجاري باعت إيني للمرة الثالثة جزءًا من حصتها في حقل ظهر، ولم تعلن إيني عن هوية المؤسسة أو الدولة التي تم بيع الحصص لها، وكانت شركة روس نفط الروسية قد نفت شراءها ل 30% من حصة إيني في الحقل المصري كما كانت تقول إيني. تركيا خارج الحسابات وحول نقطة أن تل أبيب فضلت القاهرة عن أنقرة لتصدير غازها إلى أوروبا، يقول خبراء إن إسرائيل تعلم جيدًا أن تمرير الغاز الإسرائيلي لأوروبا عبر طريق تركيا هو أمر مكلف ماديًّا، وقد يكون مستحيلاً من الناحية الجيوسياسية لإسرائيل، فحتى يصل الغاز الإسرائيلي لتركيا سيعاني العديد من المشاكل، خاصة أن عليه المرور بمسارات الشواطئ الفلسطينية واللبنانية والسورية وصولًا لتركيا، وهو الطريق الذي لا يعد آمنًا بالنسبة لإسرائيل، بعد تهديدات جدية من حزب الله باستهداف سفنها ومنصات الغاز التابعة لها، كما أن روسيا، والتي تتخذ من شواطئ سوريا قواعد عسكرية لها، لا ترحب بالغاز الإسرائيلي الذي يعد منافسًا لها في أوروبا. وعلى كل الأحوال لماذا تذهب إسرائيل لتركيا، وهي تملك مع مصر خط أنابيب يمتد بطول مائة كيلومتر من العريش في سيناء؟ والتي تشهد حاليًّا عمليات عسكرية للجيش المصري، إلى نقطة على ساحل مدينة عسقلان جنوب السواحل الفلسطينية المحتلة على البحر المتوسط. زيادة في الأسعار ولا تتوقف المأساة في الصفقة عند هذا الحد، فرغم التكتيم المصري حول سعر الصفقة، تواردت أنباء عن أن سعر الغاز الإسرائيلي المتفق على تصديره إلى مصر يصل إلى نحو 8 دولارات للمليون وحدة حرارية، والرقم في حال صحته يزيد بنحو الثلثين عن مستويات الأسعار العالمية السائدة حاليًّا، حيث واصلت أسعار الغاز الطبيعي الهبوط عالميًّا مع زيادة المعروض، لتتراجع وفق العقود المبرمة خلال الأيام الأخيرة إلى دولارين و93 سنتًا للمليون وحدة حرارية، مع الأخذ في الاعتبار أن الحكومة المصرية عندما كانت قد وقعت اتفاقية عام 2005 والتي قضت بتصدير 1.7 مليار متر مكعب من الغاز سنويًّا لإسرائيل لمدة 20 عامًا، كان يتراوح ثمنها بين سبعين سنتًا و دولار ونصف للمليون وحدة حرارية، بينما وصل سعر التكلفة آنذاك إلى دولارين و65 سنتًا.