تدور داخل أروقة البرلمان مناقشات حول أكبر تعديل تشريعي يطال قرابة 270 مادة من قانون الإجراءات الجنائية المكون من 560 مادة، من بينها مواد تتعلق بالحق في الدفاع، أحد ضمانات عدالة سير المحاكمات، ويمثل ركنا أصيلا في الحق الإنساني أقرته الشرائع السماوية والمواثيق والدساتير الدولية، وأقره الدستور في المادة 96 «المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه. وينظم القانون استئناف الأحكام الصادرة في الجنايات. وتوفر الدولة الحماية للمجني عليهم والشهود والمتهمين والمبلغين عند الاقتضاء، وفقا للقانون». يتمحور التجسيد الدستوري لحق الدفاع، حول السعي إلى توفير الحماية للنفس البشرية إذا ما كانت في موضع اشتباه أو اتهام أو محكوم عليها، فالدعوى الجنائية تجعل المواطن بحاجة إلى ضمانات تكفل حق الدفاع في مختلف مراحل الدعوى، بداية من الضبط والتحقيق إلى الأحكام النهائية وتنفيذها، بهدف جعل حقوق المتقاضى في النصوص الإجرائية والعقابية أمرًا ملموسًا، فبنص المادة 14 من الدستور، فإن جميع الأشخاص متساوون أمام القضاء، ولكل فرد الحق عند النظر في أي تهمة جنائية ضده أو في حقوقه والتزاماته في إحدى القضايا القانونية، في محاكمة عادلة وطنية. وتشمل التعديلات المرتقبة بعض الثغرات القانونية في عدد من مواد القانون، التي تنال من حق الدفاع، ويترقب خبراء وأساتذة القانون والمحامون النظر فيها بما يكفل حق الدفاع في جميع مراحل التقاضي، كما يضم القانون المعمول به مواد لم تدخل ضمن التعديلات الجديدة. مادة 13 «لمحكمة الجنايات أو محكمة النقض إذا وقعت أفعال من شأنها الإخلال بأوامرها، أو بالاحترام الواجب لها أو التأثير في قضائها أو في الشهود، أن تصدر أمرًا مسببا بالقبض على المتهم، وإحالته بمذكرة إلى النيابة العامة لاتخاذ شئونها» وتمثل المادة انتقاصًا من حق الدفاع؛ كونها تنال من حقه بصورة غير مباشرة، ويرى النائب البرلماني سامي رمضان، أنها تخالف قانون المحاماة، وبالتالي ستضر المحامين الذين يتعرض لمواقف داخل المحاكم من شأنها مضايقتهم. واقترح المستشار بهاء أبو شقة، سكرتير حزب الوفد ورئيس اللجنة التشريعية بمجلس النواب، تعديل النص لتضاف إليه فقرة «دون إخلال ضمانات الدستور وقانون المحاماة لمحكمة الجنايات أو محكمة النقض». مادة 245 «إذا وقع من المحامى أثناء قيامه بواجبه في الجلسة، وبسببه ما يجوز اعتباره تشويشًا مخلا بالنظام أو ما يستدعى مؤاخذته جنائيًا، يحرر رئيس الجلسة محضرًا بما حدث، وللمحكمة أن تقرر إحالة المحامي إلى النيابة العامة لإجراء التحقيق إذا كان ما وقع منه يستدعى مؤاخذته جنائيًا، وإلى رئيس المحكمة إذا كان ما وقع منه يستدعى مؤاخذته تأديبيا، وفي الحالتين لا يجوز أن يكون رئيس الجلسة التي وقع فيها الحادث أو أحد أعضائها عضوا في الهيئة التي تنظر الدعوى». والمادة أعطت المحكمة الحق في تحرير محضر ضد المحامي بتهمة الضوضاء والتشويش، في حين أن التشويش لا يعتبر جرمًا، وتساءل خبراء القانون من أين خرج الذي حمل كلمات لا يمكن فهم معناها أو ضبطها أو اعتبارها جريمة يعاقب عليها القانون. مادة 74 «لا يجوز للخصم الكلام إلا إذا أذن له عضو النيابة»، وترهن المادة بنصها الحالي حق الدفاع عن المتهم بأمر وإذن المحقق، فلا يستطيع المدافع التحدث أو التعليق على الاتهامات الموجهة لموكله داخل قاعة الحكم، أو أمام وكيل النائب العام. وقال المحامي حلمي أنور، إن بعض المتهمين قد يحضرون دون دفاع "محامي"، كما أنه وفي كثير من الأحيان يجبرون على غلق أو تسليم هواتفهم عند احتجازهم داخل المواقع الشرطية، وبالتالي قد لا يجد المتهم وقتًا كافيًا للتحدث واستقدام محاميه. مادة 570 تسمح للمحكمة بأن تمتنع عن الكشف عن هوية الشهود وأشخاصهم، وما يعد جورًا على حق المتهم فى المناقشة ودحض أقوال الشاهد، وبذلك يضيع الحق في الدفاع. وأضاف أنور ل"البديل"، أن الأصل في أي حكم جنائي أن يبنى على التحقيقات التي تتم من خلال المحكمة، وبالتالي فإن مواجهة المحامي أو المتهم للشهود وكذا مواجهة شهود المتهم لشهود الخصم أمر ضالع في سير التحقيقات. مادة 419 – 10 تخص استئناف أحكام محاكم الجنايات لتسمح للمحكمة بأن تنتدب محاميا للمتهم، إذا ما تخلف محاميه عن الحضور، الأمر الذي يصادر حق المتهم في اختيار محاميه، ويلي ذلك في محاولة تحديث أداء المحاكمات بما يسمى المحاكمات عن بعد، ودون أن يتم تعريف أو تحديد مفهوم ذلك المعنى ونطاقه. ويرى المحامي بالنقض طارق عبد العال، أن المادة رقم 75 تضيق على حق الدفاع في استلام صورة ضوئية من أوراق التحقيق لمراجعتها وفحصها، كما تمنح المادة 94 عضو النيابة الحق في رفض الأسئلة التي يوجهها الدفاع إلى الشهود. أما بالنسبة للمادة 107، يرى عبد العال أنها تجيز لعضو النيابة أن يمنع الدفاع من الاطلاع على أوراق التحقيقات في الأحوال التي يقرر فيها إجراء التحقيقات في غيبة الخصوم، كما أن المادة 238 تساوى بين القضاء الجنائي والمدني في أمر حضور المتهم أو عدم حضوره في حالة إعلانه لشخصه، الأمر الذي يجعل التقاضي مقصورا واقعيا على درجة واحدة باعتبار الحكم الصادر حضوريا رغم غياب المتهم ودفاعه، وكذلك في حالة إعادة إعلانه إن لم يكن الإعلان الأول تم مع شخص المتهم.