يبدو أن فصول الصراع على ثروات البحر الأبيض تشتعل؛ فمن صراع بين لبنان وإسرائيل على البلوك 9 الغازي للبنان، إلى توتر بين القاهرةوأنقرة. فبالأمس، حذرت وزارة الخارجية من المساس بحقوق مصر السيادية على المنطقة الاقتصادية الخالصة لها في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث يوجد حقل ظهر للغاز، واعتبرت أن أي مساس بالمنطقة، أمر مرفوض وسيتم التصدي له، على خلفية إعلان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، رفض بلاده لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص الموقعة في عام 2013، والتي تمنح القاهرة حق التنقيب عن الغاز في المنطقة. وأكد المتحدث باسم الخارجية المستشار، أحمد أبو زيد، أن الاتفاقية مع قبرص تتسق وفق قواعد القانون الدولي وتم إيداعها بالأممالمتحدة كاتفاقية دولية، وينص الاتفاق بين القاهرة ونيقوسيا عاصمة قبرص، على الاستفاد من المصادر الطبيعية في المنطقة الاقتصادية الخالصة للبلدين في شرق البحر المتوسط. التصريح التركي أتى بعد أقل من أسبوع على افتتاح حقل ظهر العملاق للغاز بالبحر المتوسط، وحديث الرئيس عبد الفتاح السيسي، عن أهمية الاتفاقية مع قبرص، التي أتاحت لمصر تنفيذ عمليات تنقيب في المنطقة، أسفرت عن اكتشاف حقل ظهر، وبدأ الإنتاج المبكر منه خلال الأسبوع الماضي. خط ترسيم الحدود بين قبرص ومصر، الذي أشاد به السيسي، تحول إلى مادة للنزاع مع الطرف التركي الذي أعلن رسميًا رفضه للترسيم الحدودي بين مصر وقبرص، وقالت أنقرة إنها بصدد التنقيب عن الثروات الطبيعية في المنطقة حفاظًا على حقوق القبارصة الأتراك. وقال خبراء نفطيون إن المنطقة البحرية التي شكلت بؤرة للخلاف المصري التركي، غنية بالثروات الطبيعة كالغاز والنفط، بها احتياطي يقدر ب287 ترليون متر مكعب من الغاز، أمام شواطئ 8 دول باعتبار فلسطينالمحتلة إحدها، لكن منطقة حقل ظهر تعتبر من المناطق الأكثر احتياطيات بالمقارنة مع مناطق أخرى، والنسبة الكبيرة منها، وفقًا لخبراء، والتي تصل لأكثر من 75%، تتواجد في حوض دلتا نهر النيل الممتد حتى الحدود اللبنانية. وأوضحت وزارة البترول والثروة المعدنية، أن احتياطيات الغاز التي تم الكشف عنها في منطقة البحر المتوسط حتى الآن لا تتجاوز 30% من الموجود بهذه المناطق، حيث تم استخراج 5% فقط مما متاح داخلها، وإلى جانب حقل ظهر، أعلنت وزارة البترول أنها بصدد طرح 20 بئرا استكشافيا جديدًا في منطقة شروق بالبحر المتوسط، بخلاف 15 منطقة أخرى تم ترسيتها، لكن لم يعلن فيها عن اكتشافات بعد. ويتلخص الطرح التركي المفاجئ حول مناطق التنقيب في شرق المتوسط وفقًا لمتابعين أتراك، في ثلاثة نقاط، الأولى أنه لا بد أن يكون هناك تفاهمات بين الأطراف المتشاطئة لغاز المتوسط حول التقاسم والتحاصص، والنقطة الثانية ترى فيها أنقرة أنه بدون حل المشكلة القبرصية، لا يمكن إطلاقًا تحقيق تقدم في هذا الموضوع، والنقطة التركية الثالثة والتي تركز عليها أنقرة، بأن هذا التنقيب والبحث يحتاج إلى تصدير، الأمر الذي يحتاج إلى تباحث حول هذه الآلية، وهنا ترى أنقرة نفسها لاعبًا أساسيًا وتبدي استعدادها لنقل هذه المادة إلى الغرب مستغلةً موقعها الجغرافي، ومن خلال هذه النقاط الثلاثة تصر أنقرة على أن يكون هناك تفاهمات قانونية وتقنية وسياسية مشتركة بين جميع الأطراف للانطلاق في عمليات التنقيب. ويرى خبراء أتراك، أن تركيا اعترضت قانونيًا على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص أمام الأممالمتحدة، وأن أنقرة تحتفظ بحقها المشروع، لأنه في القانون الدولي العام، هناك مبدأ أساسي وهو مشروعية حماية حقوق الأمم، وهذه النقطة تضمن حق تركيا بشكل أو بأخر كطرف ثالث حتى لو لم تكن داخل هذه الاتفاقية. وفي مقابل المزاعم التركية، يرى محللون أن ما يعقد المشكلة مع أنقرة، أنها حتى الآن ليست جزءًا من الإطار القانوني للاستفادة من هذه الثروات، فتركيا لم توقع على الاتفاقية الخاصة بقانون البحار للعام 1982، والتي دخلت حيز التنفيذ في العام 1994، والتي تحدد المياه الإقليمية للدول ب12 ميلا بحريا، والمناطق الاقتصادية ب200 ميلا بحريا، ثم بعد ذلك الجرف القاري ثم أعالي البحار، كما أن تركيا ترفض ترسيم حدودها البحرية مع جميع الدول المشاركة في ثروات البحر المتوسط، لأنها ترهن الترسيم بحل المسألة القبرصية، أيضًا، وقعت في خطأ قانوني؛ فهي تعتبر الجزء الشمالي التركي من جزيرة قبرص دولة مستقلة ذات سيادة، ووقعت معها اتفاقية وحيدة لتنقيب عن الغاز في المنطقة، وبدأت بالفعل التنفيذ، بينما المجتمع الدولي لا يعترف بهذه الدولة القبرصية التركية. وبعيدًا عن المعضلة القانونية مع أنقرة، فهناك المعضلة السياسية، فما يعقد المشكلة مع تركيا أنها دولة كثيرة المشاكل مع جيرانها، فبصرف النظر عن خلافها مع مصر بعد الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين، الذي تربطه علاقة قوية بأنقرة، فتركيا لديها العديد من المشاكل السياسية مع جيرانها، كسوريا والعراق وقبرص واليونان. ويرى مراقبون أن منطقة البحر المتوسط ستكون مليئة بالمشاكل المستقبلية، بسبب الأهمية الجوستراتيجية الفائقة لها، فحينما نتحدث عن منطقة شرق المتوسط، فالحديث لا ينصب فقط على الدول الموجودة فيها، إنما على قوى كبرى لها مصالح هائلة، فروسيا تتطلع لأن تؤمن النطاق الخاص بها وتظل مصدر الطاقة الأبرز لأوروبا، كما أن للولايات المتحدة مصالحها في هذه المنطقة، وكذلك الاتحاد الأوروبي الذي يعتمد بشكل أساسي على مصادر الطاقة من الجنوب.