اهتمت الدولة في الآونة الأخيرة بإقامة مشاريع الإنتاج الحيواني، بالتوسع فى إصدار موافقات تراخيص تشغيل مزارع جديدة، على الرغم من أن مصر تعد من الدول الصحراوية، والتي تمتد صحاريها لمسافة 966 ألف كيلومتر، أي ما يمثل 96% من مساحتها الكلية، ومع التغيرات المناخية التي وضعت مصر من ضمن الأماكن القاحلة، فأصبحت صحاريها تفتقر لأي من العشب أو النباتات التي يمكن أن تستخدم في المراعي الحرة، وأصبحت التربية تعتمد على العلائق المركزة والأعلاف التي يتم استيراد معظم مكوناتها من الخارج، هذا بجانب التوسع في استصلاح الأراضي الصحراوية لزيادة الرقعة الزراعية، في محاولة للوفاء بالاحتياجات الغذائية للمواطنين الذي يزداد تعدادهم كل دقيقة. وفي الوقت الذي فرض فيه على مصر أن تلتزم بحصتها التاريخية من مياه النيل والمقدرة ب55.5 مليار متر مكعب والموزعة على ثلاثة قطاعات "الزراعة – الشرب – الصناعة"، يعد القطاع الزراعي أكبر مستخدم ومستهلك للمياه في مصر، حيث تفوق حصته أكثر من 80% من إجمالي الاحتياجات المائية، بينما من ناحية الاستهلاك الفعلي حصة الزراعة من المياه تزيد على 90% من إجمالي الاستهلاكات الفعلية المائية، ونتيجة لسياسة التوسع الزراعي الأفقي خلال الفترة السابقة، فإن المساحات المنزرعة زادت من 5.8 مليون فدان عام 1980 إلى 8 ملايين فدان عام 1997، ثم إلى 8.6 مليون فدان عام 2010 ، وفقًا لبيانات وزارة الموارد المائية والري،، ويلي الزراعة قطاع الشرب والاستخدامات الصحية، حيث بلغ 10.35 مليار متر، ثم قطاع الصناعة الذي قدر إجمالي احتياجاته المائية في عام 2017 بحوالي 5.7 مليار متر مكعب، بزيادة تقدر بنحو 30% عن عام 2010 . وتبلغ حصة مصر من نهر النيل (التاريخية) 5.5 مليار متر مكعب، أي ما يمثل 72.8% من جملة الموارد المائية المتجددة عام 2015/ 2016، بينما تقدر مياه الأمطار والسيول والمياه الجوفية، وكذلك مياه الصرف الزراعي والصحي التي تم تدويرها ومياه البحر المحلاة نحو 20.75 مليار متر مكعب خلال نفس الفترة، مقابل 20.9مليار متر مكعب عام 2014/2015، بانخفاض قدره 0.7% فكان لزامًا على المسئولين وضع خطة واضحة بمعاونة علماء مصر بأولويات ما يتم إنتاجه محليًّا من الغذاء وفق المقننات المائية المتاحة؛ حتى لا يتم التوسع في الأراضي الصحراوية واستنزاف مخزونها من المياه الجوفية، وترك الأجيال القادمة ضحية ممارسات سياسية اقتصادية لا تعتمد في اتخاذ قراراتها على العلم، بل على العشوائية التي تدار بها كل مجريات الأمور، فلا بد من وضع برنامج مبني على أسس علمية وواقعية لما يمكن إنتاجة من غذاء في إطار المتاح من الموارد المائية، مع الوضع في الاعتبار أن لكل منتج غذائي مستنزف للمياه بديلاً أقل في المقنن المائي، ويمكن أن يكون من نفس الصنف. ويمكن إيضاح العائد من المتر المكعب من المياه في القطاع الزراعي بالتركيز على إنتاج الغذاء من الحاصلات والغذاء غير المستنزفة للمياه، فإنتاج رأس واحد من الماشية (بقرًا كان أم جاموسًا) يستهلك أربعة آلاف متر مكعب من المياه، في حين أن إنتاج رأس الضان يستهلك 500 م3، كما أن إنتاج كيلوجرام من لحوم البقر يستهلك 15 م3 مقابل 10 م3 فى الخراف وفقط 6 م3 كيلو لحوم دواجن، ويحتاج إنتاج لتر اللبن إلى نحو 6 م3 من المياه. وفى إنتاج الحبوب والبقول والخضراوات والفاكهة نجد أن إنتاج كيلوجرام واحد من الحبوب والبقول والدرنات والفاكهة والخضراوات يستهلك من 1 1.5م3 من المياه، ويتطلب لتر زيت النخيل نحو 2 م3. وبالمثل أيضًا نجد أن إنتاج الكيلوجرام من الأرز أو السكر يستهلك نحو 4 6 أضعاف كميات المياه اللازمة لإنتاج نفس الكمية من القمح أو البقول وباقى الحبوب. وبالنظر إلى القيمة المضافة (العائد الصافي) من استخدامات المياه في الزراعة بالأسعار الحالية المنخفضة للحاصلات الزراعية في البورصات العالمية نجد أن محصولي الأرز وقصب السكر لا يدران عائدًا أكثر من 15 قرشًا لكل متر مكعب من المياه مقابل 35 قرشًا لسكر البنجر و 38 قرشًا في الذرة الصفراء و44 قرشًا للبطاطس وجنيه إلى جنيهين في القمح والطماطم والقطن طبقًا لتقديرات البنك الدولي. يذكر أن إجمالي الموارد المائية المصرية من المياه العذبة وإعادة استخدامات المياه (نيل آبار جوفية صرف زراعي وصناعي وصحي وأمطار) نحو 69 مليار متر مكعب سنويًّا، وعدد السكان فى مصر الآن نحو 80 مليون نسمة، وبالتالى يكون حاصل قسمة الموارد المائية على عدد السكان لمعرفة نصيب الفرد من المياه العذبة سنويًّا في حدود 860 مترًا مكعبًا، أي أقل من حد الندرة المقدر بألف متر مكعب سنويًّا، إضافة إلى أن التلوث والتدهور في الموارد المائية يقللان من صلاحيتها، وبالتالى يقللان من القيمة الفعلية لنصيب الفرد من المياه العذبة في مصر، لذلك وجب علينا تعظيم إنتاجية وحدة المياه والتربة من الغذاء، وأن يكون هدفنا المقبل هو غذاء أكثر من مياه أقل، وأننا يجب أن نهتم بكل قطرة مياه.