تشريعية النواب تناقش اليوم تعديلات قوانين الانتخابات البرلمانية    أسعارالفاكهة اليوم الخميس 22 مايو فى سوق العبور للجملة    أسعار البيض اليوم الخميس 22 مايو2025    لمتوسطي الدخل.. الأوراق المطلوبة لحجز وحدة سكنية بإعلان سكن لكل المصريين 7    محافظة القاهرة: زلزال اليوم لم يؤثر على المنشآت.. ولا توجد أي خسائر    مقتل دبلوماسيين إسرائيليين في إطلاق نار بالعاصمة الأمريكية واشنطن    ثلاثة شهداء إثر قصف الاحتلال خان يونس    دوري أبطال إفريقيا.. بيراميدز يشارك في حفل "كاف" للكشف عن الشكل الجديد لكأس الأبطال    انطلاق قطار امتحانات النقل الابتدائي والإعدادي بالوادي الجديد (صور)    حالة الطقس في السعودية اليوم الخميس 22 مايو 2025    ضبط 7 أشخاص أثناء التنقيب عن الآثار داخل منزل بجرجا سوهاج    توافد طلاب الإعدادية بسوهاج لأداء امتحان العلوم "فيديو"    أحمد غزي ل "الفجر الفني": مشاهد الإيطالي في المشروع x كانت الأصعب..والتعاون مع كريم عبد العزيز محفور بقلبي(حوار)    عاجل.. زلزال جديد يضرب مصر للمرة الثانية في أقل من 10 أيام    طريقة عمل الثومية السورية، أسرع وألذ سلطة    زعيم كوريا الشمالية غاضبا بعد فشل تشغيل سفينة حربية: إهمال لا يمكن أن يغتفر    سعر الذهب اليوم الخميس يصل لأعلى مستوياته وعيار 21 الآن بالمصنعية    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الخميس 22 مايو 2025    حكم من يحج وتارك للصلاة.. دار الإفتاء توضح    لماذا زادت الكوارث والزلازل خلال الفترة الحالية؟.. أمين الفتوى يوضح    إسرائيل: اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    نصيحة من محمد فضل للزمالك: لا تفرّطوا في هذا اللاعب    يصيب الإنسان ب«لدغة» وليس له لقاح.. تفاصيل اكتشاف فيروس غرب النيل في دولة أوروبية    مجلس الشيوخ الأمريكي يعتزم التحقيق في هوية الشخص الذي أدار البلاد بدلا من بايدن    قبل ساعات من محاكمته.. إصابة إمام عاشور بوعكة صحية ونقله للمستشفى    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 22-5-2025    رابط الحصول على أرقام جلوس الثانوية الأزهرية 2025.. موعد وجدول الامتحانات رسميًا    القيمة المضافة.. الصناعات الزراعية أنموذجا    الفيلم الوثائقي الأردني "أسفلت" يفوز بجائزة في مهرجان كان السينمائي 2025    إمام عاشور من داخل أحد المستشفيات: الحمد لله على كل شىء (صورة)    سامر المصري: غياب الدراما التاريخية أثَّر على أفكار الأجيال الجديدة    كريم محمود عبدالعزيز: «قعدت يوم واحد مع أبويا وأحمد زكي.. ومش قادر أنسى اللحظة دي»    وزارة المالية تعلن عن وظائف جديدة (تعرف عليها)    المستشار عبد الرزاق شعيب يفتتح صرحا جديدا لقضايا الدولة بمدينة بورسعيد    «استمرار الأول في الحفر حتى خبط خط الغاز».. النيابة تكشف مسؤولية المتهم الثاني في حادث الواحات    «بُنيان» تعلن عن طرح جزء من أسهمها في البورصة خلال الربع الثاني من 2025    أموريم: كنا أفضل من توتنهام.. وسأرحل إذا أراد مانشستر يونايتد إقالتي    محافظ الدقهلية: 1522 مواطن استفادوا من القافلة الطبية المجانية بقرية ابو ماضي مركز بلقاس    إجراء طبي يحدث لأول مرة.. مستشفى إدكو بالبحيرة ينجح في استئصال رحم بالمنظار الجراحي    مسلم ينشر صورًا جديدة من حفل زفافه على يارا تامر    بأجر كامل.. تفاصيل إجازة امتحانات العاملين في قانون العمل الجديد    السفارة التركية بالقاهرة تحتفل بأسبوع المطبخ التركي    الهلال يتمم المقاعد.. الأندية السعودية المتأهلة إلى دوري أبطال آسيا للنخبة    كندا تطالب إسرائيل بتحقيق معمّق في واقعة إطلاق النار على دبلوماسيين بالضفة الغربية    وزير الخارجية الألماني يتصل بساعر بعد إطلاق نار على دبلوماسيين    اليوم.. انطلاق امتحانات نهاية العام لصفوف النقل بالمحافظات    بعد انخفاضه لأدنى مستوياته.. سعر الدولار مقابل الجنيه اليوم الخميس 22 مايو 2025    اليوم.. العرض المسرحي "العملية 007" على مسرح قصر ثقافة بورسعيد    "من أجل المنتخبات".. ورش عمل لتطوير مسابقات الناشئين 24 و25 مايو    محافظ الغربية يُشيد بابنة المحافظة «حبيبة» ويهنئها لمشاركتها في احتفالية «أسرتي.. قوتي».. صور    كيف كان مسجد أهل الكهف وهل المساجد موجودة قبل الإسلام؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    في الجول يكشف آخر تطورات إصابة ناصر ماهر    الهلال ينجو من خسارة جديدة في الدوري السعودي    بعد مطاردة بوليسية.. ضبط سيارة تهرب 8 آلاف لتر بنزين قبل بيعها في السوق السوداء بدمياط    كيف تغلبت ياسمين صبري على التصميم الجريء لفستانها في مهرجان كان؟ (صور)    حاكم الشارقة يتسلم تكريما خاصا من اليونسكو لإنجاز المعجم التاريخى للغة العربية    رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق: أيام الحج فرصة عظيمة لتجديد أرواح المسلمين.. فيديو    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نظرة للآخر.. الوضع المائى فى دول حوض النيل

تنظر مصر دائما إلى حقوقها التاريخية فى مياه نهر النيل وحصتها منه، والارتباط العميق بين الحياة الإنسانية والنباتية والحيوانية فيها بتلك الحصة التى تستهلك مصر كل قطرة منها، كأساس لأى جدل حول قضية المياه فى حوض نهر النيل.
وتنطلق هذه النظرة من حقيقة أن كل قطرة من حصة مصر فى مياه النيل تساوى حياة، حيث إن حجم استهلاك مصر من المياه يصل إلى أكثر من 68 مليار متر مكعب، منها 55.5 مليار متر مكعب حصتها من مياه النيل، والباقى عبارة عن استخدام جائر للمياه الجوفية، واستخدام غير آمن لمياه الصرف المعالج وغير المعالج. ومع التأكيد حقوق مصر غير القابلة للإنقاص مطلقا، لابد من النظر للوضع المائى لباقى دول حوض النيل لنرى هل تجور مصر على الحقوق المائية لتلك الدول، أم أنها كلها لديها الفرصة لتطوير إيراداتها لو قامت، على غرار مصر، بتنفيذ مشروعات مائية تزيد إيراداتها المائية من النيل دون أن تضر بأى دولة أخرى من دول حوض النهر.
وبداية سجلت دول حوض النيل إجمالا، زيادات كبيرة فى عدد سكانها وفى احتياجاتها المائية المترتبة على هذه الزيادة السكانية. ورغم تفاوت الحالة المائية من دولة لأخرى، فإنه ليست هناك أزمة مائية حقيقية فى تلك الدول إجمالا، لأنها لا تفتقر إلى الموارد المائية لمواجهة احتياجات سكانها، بقدر ما تفتقر لاستراتيجية مائية تنقذ الموارد المائية المتاحة من التبدد وتعمل على توظيفها دون المساس بحقوق باقى دول حوض النهر. ووفقا لبيانات البنك الدولى فى تقريريه عن التنمية فى العالم، وعن مؤشرات التنمية فى العالم، ارتفع عدد سكان دول حوض النيل بما فيها مصر، من 230.4 مليون نسمة عام 1988، إلى 416.7 مليون نسمة عام 2011، بنسبة زيادة بلغت نحو 80.9% خلال 23 عاما فقط. ولو أخرجنا مصر من حساب عدد السكان، فإن عدد سكان دول حوض النيل (بدون مصر)، ارتفع من 180.2 مليون نسمة عام 1988، إلى 334.2 مليون نسمة عام 2011، بنسبة زيادة بلغت 85.5%.
لكن من بين دول حوض النيل هناك دولة علاقتها هامشية بالنهر مثل بوروندي، وأخرى علاقتها محدودة للغاية هى رواندا، ودولة علاقتها بالنيل محدودة هى كينيا، ودولة علاقتها بالنيل متوسطة هى تنزانيا، ودولة لديها تخمة مائية نهرية ومطرية هى الكونغو الديموقراطية، لتبقى الدول الأعمق فى علاقتها بتشكيل نهر النيل وبإيراداته المائية، وبفرص إقامة مشروعات لتطوير تلك الإيرادات هى إثيوبيا وأوغندا وجنوب السودان. وهذا التقسيم هو مجرد توصيف حالة، لكنه لا يعنى بأى حال من الأحوال استبعاد أى دولة من هذه الدول من أى استراتيجية مصرية لبناء وتطوير العلاقات مع دول حوض النيل والدول الإفريقية عموما، على قاعدة تبادل المنافع بصورة عادلة ومتوازنة قائمة على أخوة النهر والقارة.
وتشير بيانات البنك الدولى إلى أن الموارد المائية العذبة المتجددة فى العالم تبلغ نحو 42383 مليار متر مكعب سنويا، ويستخدم منها نحو 3908 مليارات متر مكعب فقط، بنسبة 7.3% من المياه العذبة المتاحة لكل دول العالم. وهذا يعنى أن العالم فى مجمله لو سادته روح التعاون فى مجال المياه، فإن المياه تكفى للجميع، وأن هناك فرصا كبيرة لتنمية الإيرادات المائية المستخدمة على قاعدة التعاون الإيجابى فى هذا الشأن.
وصحيح أن الموارد المائية فى العالم تتوزع بصورة غير متوازنة، حيث توجد مناطق تخمة مائية هائلة، ومناطق عطش مروعة، إلا أن إمكانيات تحسين هذا التوزيع عبر مشروعات تنمية الإيرادات المائية والتوزيع العادل للوفر المائى الناتج عنها، يمكن أن تحل غالبية المشاكل المائية على خريطة العالم بصورة سلمية، بدلا من سعى بعض مراكز الأبحاث الغربية المخابراتية الطابع، ومن ورائها بعض الدول لإذكاء روح الصراع على المياه عالميا، بدفع هذه الدولة أو تلك للاعتداء على الحصص المائية التاريخية لدول أخرى، بدلا من التعاون المشترك لتطوير موارد المياه واقتسام الوفر بشكل عادل.
الحالة المائية لدول حوض النيل: المياه تكفى للجميع
يتفاوت الوضع المائى لدول حوض النيل من دولة لأخرى. ووفقا لبيانات البنك الدولي، يبلغ حجم تدفقات المياه الداخلية فى إثيوبيا نحو 122 مليار متر مكعب، ويستخدم منها نحو 5.6 مليار متر مكعب فقط، بنسبة استخدام تبلغ 4.6% من تلك الموارد. ويستهلك قطاع الزراعة نحو 94% من إجمالى استهلاك إثيوبيا من المياه، بينما يبلغ الاستهلاك المنزلى نسبة ال 6% الباقية.
ورغم أن نحو 83.6 مليار متر مكعب من تلك الموارد المائية تتدفق إلى جنوب وشمال السودان ومصر، إلا أنه يبقى لإثيوبيا 38.4 مليار متر مكعب من المياه السطحية التى تجرى فى أنهارها والتى لا يستغل منها سوى 14.6% فقط. وإضافة لهذه الموارد المائية السطحية، هناك المياه الجوفية التى يوجد لدى إثيوبيا مخزون هائل ومتجدد منها بفعل الأمطار الموسمية الغزيرة. كما أن هناك كميات هائلة من الأمطار التى تتبدد بالبخر أو التشرب والتسرب والتى يمكن إنقاذها ببناء خزانات صغيرة لجمع مياه الأمطار من مخرات السيول المتاخمة للمناطق السهلية القابلة للزراعة أو الرعى لاستخدام تلك المياه على مدار العام.
كما أن نهرى جوبا وشبيلى اللذين ينبعان من إثيوبيا ويتدفقان إلى الصومال، وتبلغ الإيرادات المائية لهما قرابة 20 مليار متر مكعب، لا تستغل مياههما، ويصبان فى المحيط الهندى عند مقديشيو بالنسبة للأول الأقل أهمية والذى لا يصل فى بعض الأحيان للمحيط عندما تسد مجراه النهائى الكثبان الرملية، وعند كسمايو بالنسبة للثانى الأكثر أهمية بحجم إيراداته المائية الأكبر وانخفاض الملوحة فيها. ويمكن لكل من إثيوبيا والصومال الاستفادة منهما، خاصة أنهما متاخمان لمناطق قابلة للزراعة والرعى فى كليهما، ومنها جزء كبير سهلى منبسط.
إذن أى حديث عن حاجة إثيوبيا لمياه النيل التى تتدفق إلى مصر، والتى ترتبت عليها حياة البشر والنبات والثروة الحيوانية بصورة كلية فى مصر، هو حديث بعيد عن الحقائق ويثيره البعض وبالذات فى بعض مراكز الأبحاث المخابراتية فى الغرب لإذكاء الصراع بين مصر وإثيوبيا، ولدفع الأخيرة إلى التوجه للاعتداء على حصة مصر بدلا من استخدام المصادر الأخرى للمياه المتوافرة لديها. ويبقى حديث حاجة إثيوبيا إلى الطاقة الكهربائية من مساقط المياه التى يمر بها النيل الأزرق والروافد المختلفة لنهر النيل، هو الحديث الذى يمكن قبوله وتنظيم الاستفادة بتلك الطاقة بالاتفاق مع مصر والسودان دون أى إضرار بمصالحهما المائية مع الإقرار الإثيوبى الرسمى بحصة كل منهما فى مياه النهر.
أما إريتريا فإن مواردها المائية الداخلية تبلغ 3 مليارات متر مكعب، ويبلغ متوسط نصيب الفرد منها نحو 549 متراً مكعباً. ويأتى جزء من إيرادات نهر عطبرة من إريتريا، فضلا عن كونها معبراً شديد الأهمية لمياه ذلك النهر إلى النيل الرئيسي. وتعتبر موانئ إريتريا وجيبوتى هى المعابر الوحيدة للتجارة الخارجية الإثيوبية، نظرا لأن إثيوبيا منذ انفصال إريتريا عنها، أصبحت دولة داخلية مغلقة لا توجد لها أية منافذ على البحر. ويستهلك قطاع الزراعة فى إريتريا نحو 95% من موارد المياه المتاحة لها، بينما يشكل الاستهلاك المنزلى نحو 5% من إجمالى استهلاك المياه العذبة فى ذلك البلد الشديد الأهمية لمصر من كل الزوايا المائية والاستراتيجية، دون أن يلقى الاهتمام الذى يستحقه من الدولة المصرية حتى الآن.
أما الكونغو الديمقراطية فتبلغ مواردها المائية الداخلية 900 مليار متر مكعب، ويبلغ متوسط نصيب الفرد فيها من المياه أكثر من 14 ألف متر مكعب سنويا. ويستهلك قطاع الزراعة نحو 18%من إجمالى استهلاك المياه فى الكونغو الديمقراطية (زائير سابقا)، بينما تستهلك الصناعة نحو 20%، ويشكل الاستهلاك المنزلى النسبة الباقية أى 62%. وتستخدم الكونغو 12.8 مليار متر مكعب فقط من المياه المتاحة لديها، بنسبة 1.4% من إيرادات المياه السطحية الداخلية، دون النظر لرصيدها الضخم من المياه الجوفية، ومياه الأمطار التى لا تدخل لمجرى نهر الكونغو الجبار وروافده. وبالتالى فإن هذه الدولة التى تقع بعض روافد نهر سمليكى (أحد روافد نهر النيل) ضمن حدودها، ليس من المتوقع أن يكون لديها أى مطالبات من أى نوع بالنسبة لمياه النيل.
أما أوغندا فإن مواردها المائية الداخلية المتجددة تبلغ 39 مليار متر مكعب، ويبلغ متوسط نصيب الفرد نحو 1205 أمتار مكعبة، وهى تستخدم 0.3 مليار متر مكعب فقط، بنسبة 0.5% من تلك الموارد الداخلية المتاحة لها. ويستهلك قطاع الزراعة نحو 36% من إجمالى استهلاك أوغندا من المياه العذبة، بينما تستهلك الصناعة 18%، ويمثل الاستهلاك المنزلى نحو 46% من إجمالى استهلاك المياه العذبة فى أوغندا.
وهناك إيرادات مائية كبيرة تأتى لأوغندا من خارج حدودها، إضافة إلى مواردها المائية الداخلية. وتعتمد أوغندا وهى واحدة من الجنان الاستوائية، على مياه الأمطار فى الزراعة، حيث تسقط الأمطار نحو ثمانية أشهر فى العام. وهناك تعاون تاريخى إيجابى بين مصر وأوغندا فى مجال المياه والكهرباء. وكانت مصر قد تكفلت بتمويل إنشاء سد أوين على نيل فيكتوريا من مخرجه من بحيرة فيكتوريا لتوليد الكهرباء لصالح أوغندا وتخزين المياه فى بحيرة فيكتوريا لصالح مصر. لكن كينيا وتنزانيا رفضتا تخزين المياه لصالح مصر لأن ذلك سيرفع منسوب المياه فى البحيرة ويغرق مساحات من الأراضى لدى كل منهما، وبالتالى كانت النتيجة أن اقتصر دور السد الذى أنشأته مصر كليا، على توليد الكهرباء لصالح أوغندا. فضلا عن الاتفاقيات التى عقدت فى العهد الاستعمارى والتى تحصن تدفق مياه النيل من أوغندا إلى مصر. وتعتبر أوغندا موقعا لعدد من المشروعات الممكنة لتطوير إيرادات نهر النيل من خلال إنقاذ مياه النيل التى تتبدد بالبخر والتسرب والتشرب فى منطقة بحيرة ومستنقعات كيوجا والتى تبلغ نحو 20 مليار متر مكعب سنويا، ومن خلال زيادة إيرادات نهرى كاجيرا وسمليكي.
أما تنزانيا فإن موارد المياه الداخلية بها تبلغ نحو 84 مليار متر مكعب، ويبلغ متوسط نصيب الفرد فيها من المياه نحو 1930 متراً مكعباً سنويا. ويستهلك قطاع الزراعة نحو 89% من إجمالى استهلاك تنزانيا من المياه العذبة، وتذهب النسبة الباقية للاستهلاك المنزلي. وتستخدم تنزانيا نحو 5.2 مليار متر مكعب فقط من مواردها الداخلية. وتسقط الأمطار فيها من ستة إلى ثمانية أشهر، وهى ليست مصدرا رئيسيا لنهر النيل، فضلا عن أن موارد المياه السطحية والجوفية لديها تجعلها بعيدة عن الدخول فى مطالبات مائية مع دول حوض النيل بالنسبة لنهر كاجيرا الذى يمر فيها.
أما كينيا فإن مواردها المائية الداخلية فتبلغ 21 مليار متر مكعب، ويبلغ متوسط نصيب الفرد فيها من المياه نحو 525 متراً مكعباً سنويا. ويستهلك قطاع الزراعة نحو 79% من إجمالى استهلاك كينيا من المياه العذبة، بينما تستهلك الصناعة نحو 4%، والمنازل نحو 17%. وتستخدم كينيا نحو 2.7 مليار متر مكعب فقط، بنسبة 8.9% من موارد المياه الداخلية السطحية المتاحة لها. لكن كينيا تملك مخزونا كبيرا من المياه الجوفية المتجددة والتى تغذيها الأمطار فى ذلك البلد. وتعتبر كينيا مصدرا هامشيا لمياه النيل، كما أن لديها موارد داخلية متاحة وغير مستخدمة، بما يبعدها منطقيا عن المطالبة بأية حصص من مياه النيل.
أما السودان بجنوبه وشماله فإن موارده الداخلية تبلغ نحو 30 مليار متر مكعب، ويبلغ متوسط نصيب الفرد منها نحو 706 أمتار مكعبة. ويستأثر قطاع الزراعة بنحو 97%من إجمالى استهلاك السودان من المياه العذبة، بينما تستهلك الصناعة 1%،والمنازل 2%. ويستهلك السودان نحو 37.1 مليار متر مكعب، حيث يستكمل احتياجاته من الموارد المائية الخارجية التى تتدفق إليه من إثيوبيا ودول هضبة البحيرات الاستوائية. وبعد انقسام السودان إلى دولتين، يمكن القول إن كلتيهما معبر للمياه التى تتدفق لمصر وليست مصدرا لها. ومن الضرورى التأكيد على أن أهم المشروعات الممكنة لتنمية إيرادات نهر النيل تقع فى جنوب السودان وأوغندا، يليهما إثيوبيا وتنزانيا.
أما بورندى فإن مواردها المائية الداخلية تبلغ نحو 10 مليارات متر مكعب، ويبلغ متوسط نصيب الفرد فيها من المياه، نحو 1231 متراً مكعباً. وتستخدم بورندى نحو 0.3 مليار متر مكعب فقط. ويستهلك قطاع الزراعة نحو 77% من إجمالى استهلاك بوروندى من المياه، وتستهلك الصناعة 6%، والمنازل 17%. وتعتبر هذه الدولة شريكاً هامشياً تماما فى نهر النيل، فضلا عن أن لديها إيرادات مائية كبيرة وغير مستغلة تبعدها عن أى مطالبات فى أى حصة من مياه النيل.
وتبلغ الإيرادات المائية الداخلية لرواندا نحو 10 مليارات متر مكعب، ويبلغ متوسط نصيب الفرد فيها من المياه، نحو 921 متراً مكعباً. وتستهلك الزراعة نحو 68% من إجمالى استهلاك رواندا من المياه العذبة، بينما يبلغ استهلاك الصناعة 8%، والمنازل 24%. وتعتبر رواندا مصدرا أقل أهمية نسبيا من بلدان مثل أوغندا أو تنزانيا أو الكونغو التى تتدفق منها الروافد الاستوائية لنهر النيل.
مصر.. القلب المائى خارج الحدود
تعتبر مصر من أفقر بلدان العالم فى مواردها المائية الداخلية، حيث تبلغ الإيرادات المائية الداخلية المتجددة المتوفرة لها حسب بيانات البنك الدولي، نحو 2 مليار متر مكعب فقط، ومتوسط نصيب الفرد منها يبلغ نحو 23 متراً مكعباً فقط. وتعتمد الحياة فى مصر كليا على المياه الواردة إليها من خارج حدودها عبر نهر النيل. وهذا يعنى أن أى انتقاص للموارد المائية التى تتدفق إلى مصر من نهر النيل، يساوى تهديداً للحياة بصورة مباشرة. ويستهلك قطاع الزراعة نحو 86% من إجمالى استهلاك مصر من المياه العذبة، بينما تستهلك الصناعة 6%، والمنازل 8%.
وقد ارتفع حجم استهلاك مصر من المياه بشكل مطرد مع تزايد عدد سكانها والتوسع الزراعى الضرورى لمواجهة الحاجات المتزايدة للسكان من السلع الزراعية وعلى رأسها الأغذية. وقد أدى تزايد استهلاك المياه فى مصر إلى وصول حجم الاستهلاك إلى 68.3 مليار متر مكعب حاليا، بواقع 794 متراً مكعباً للفرد بعد أن وصل عدد السكان فى داخل مصر إلى نحو 86 مليون نسمة، علما بأن هذه الحصة من المياه للفرد تتضمن مياهاً رديئة النوعية هى مياه الصرف المعالج وغير المعالج التى يجرى استخدامها فى مصر. أما لو أخذنا الحصة السنوية للفرد من مياه النيل وحدها، فإنها تبلغ نحو 645 مترا مكعباً فقط.
وهذا المستوى من حصة الفرد من المياه، يضع مصر بين الدول التى تعانى من ندرة فى المياه أو الفقر فى المياه وفقا لتصنيف خبراء المياه، حيث تعتبر الدول التى يتراوح نصيب الفرد فيها من المياه بين 1000 متر مكعب، و500 متر مكعب كدول تعانى من ندرة المياه، أما إذا قل نصيب الفرد من المياه عن 500 متر مكعب فإن ذلك يعنى أن البلد يعانى من ندرة تامة أو فقر مدقع فى موارد المياه.
وهذا الوضع يضطر مصر إلى الاستخدام الجائر للمياه الجوفية بصورة تهدد الخزان الجوفى بالتملح والنضوب فى الكثير من الأماكن، وتضطرها أيضا لاستخدام مياه الصرف الزراعى الملوثة والتى يزداد تلوثها بسبب صب الصرف الصحى والصناعى فيها فى الكثير من الأماكن دون أى عمليات معالجة مثلما هو الحال فى مصرف الرهاوى الذى يحمل كميات ضخمة من المياه الملوثة بالصرف الصحى والزراعى والصناعى من محافظتى بنى سويف والجيزة ويصب فى فرع رشيد مباشرة عند قرية نكلا مسببا مستوى مروعاً من التلوث لفرع رشيد دون أن تتحرك الحكومات المتعاقبة لمواجهة هذه الكارثة التى تسمم الأسماك النيلية فى فرع رشيد والترع المتفرعة منه بمستويات تلوث مدمرة صحيا، فضلا عن تلويثه للإنتاج الزراعى والحيواني، والتأثيرات المدمرة لكل ذلك على صحة البشر، وذلك على الرغم من وضوح الحل الممكن لهذه المشكلة وانخفاض تكلفته، من خلال محطة لتنقية مياه المصرف وعدم صبها فى فرع رشيد، بل سحبها إلى المناطق المتاخمة للطريق الصحراوى لزراعة أشجار خشبية او نبات الخروع الذى يجود فى تلك الأراضى باستخداماته المتنوعة وعلى رأسها إنتاج زيوته التى تستخدم طبيا.
ويمكن القول إجمالا إن دول حوض النيل لديها ما يزيد كثيرا عن استهلاكها وبالتالى يمكن أن تتوسع فى استهلاك المياه دون أن تمس حصة مصر أو السودان، إلا إذا كان الهدف هو إشعال صراع مائى بتحريض خارجى أو نزوع عدوانى داخلي. كما أن المياه التى تضيع فى تلك الدول فى مناطق المستنقعات، تشكل موضوعا لمشروعات ممكنة لزيادة إيرادات نهر النيل، بحيث يمكن لكل دول الحوض أن تقتسم تلك الزيادة بصورة تقوم على قواعد العدالة. كما أن هناك كميات ضخمة من مياه الأمطار لا تدخل مجرى النيل وروافده الاستوائية بالذات فى تنزانيا وأوغندا، ويمكن إدخالها لمجرى النهر من خلال مشروعات لإقامة خزانات متوسطة وصغيرة تأسر مياه الأمطار وتقوم بتخزينها فى مواسم المطر، وتطلقها للنهر فى مواسم الجفاف، بما يؤدى لرفع إيرادات النيل من المياه وتحسين انتظام تدفقها على مدار العام.
لمزيد من مقالات أحمد السيد النجار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.