تحشيد أمني وإعلامي إسرائيلي غير مسبوق وتركيز على قوة حزب الله الصاروخية، لا يبدو أنه يدور في إطار التحفز للحرب، إنما قد يؤخذ في سياق التعبير عن العجز الإسرائيلي أمام تعاظم قوة المقاومة، والتي استطاعت من خلال معادلة توازن الردع التي فرضتها على تل أبيب إبطال فاعلية استراتيجية الحرب السريعة والحاسمة، التي كان يتشدق بها الكيان الصهيوني خلال حروبه مع العرب سابقًا. مؤخرًا قال رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني، بنيامين نتنياهو، إن إسرائيل ليست متجهة إلى الحرب، لكنها ستعمل كل شيء للدفاع عن نفسها. كلام نتنياهو في الجلسة الحكومية استبق العرض الأمني لرئيس الأركان، جادي أيزنكوت، واعتبر أن الجيش الإسرائيلي هو الأقوى في الشرق الأوسط، وأنه يواجه تحديات كثيرة، وكشف أنه أوضح للرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين، والأمريكي، دونالد ترامب، أن إسرائيل هي الجهة الأساسية التي تكبح انتشار الإسلام الرديكالي في الشرق الأوسط، على حد وصفه. تصريحات نتنياهو إذا ما أخذت في سياقها التاريخي، فسنجد أن إسرائيل فشلت منذ عدوان 2006 في تغير قواعد الاشتباك التي فرضها حزب الله، وتصريحات نتنياهو الأخيرة تشي بأن الحرب لم تعد خيارًا سهلًا، فالشكوك الإسرائيلية بعدم إحراز النصر في أي معركة قادمة قائمة وبنسب مرتفعة، وهو الأمر الذي انعكس في زيارة نتنياهو المكوكية لروسيا، فانتصار محور المقاومة في سوريا، وغلبة الجيش السوري على المعارضة السورية المسلحة المدعومة أمريكيًّا وإسرائيليًّا وخليجيًّا، من شأنه أن يربك الحسابات الإسرائيلية في المنطقة. أهمية تصريحات نتنياهو ذات النبرة المنخفضة أنها تأتي عقب قرع مسؤولين في إسرائيل طبول الحرب طوال الأيام الماضية، تهدئة نتنياهو ووفقًا لمحللين إسرائيليين جاءت لتهدئة مخاوف الداخل الإسرائيلي، الذي بدأ يقلق من تداعيات أي حرب مقبلة، وقال المعلق السياسي في القناة الثانية عشرة العبرية، أمنون أبروموفيتش، إن سلسلة التهديدات الإسرائيلية التي وجهت إلى لبنان هدفها منع التدهور إلى حرب، ولا ينبغي الخوف كثيرًا، فيما تحدث خبراء صهاينة عن ردع متبادل للجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، وعزَّى آخرون أنفسهم بأن امتلاك حزب الله لمخزون صواريخ هائل قادر على ضرب أي نقطة في إسرائيل سيدفع إسرائيل إلى تجنب الحرب. وبالنظر إلى إيران كأكبر قوة داعمة لحركات المقاومة ضد العدو الإسرائيلي في المنطقة، نجد أنها باتت تستند إلى أرضية صلبة داخليًّا وخارجيًّا، فالمحاولات الأمريكية والإسرائيلية لتأجيج المظاهرات الاحتجاجية على غلاء الأسعار في إيران فشلت، كما فشلت جهودهما في تقليص الوجود الإيراني في سوريا، في الوقت الذي حافظت فيه طهران على رهانها في اليمن على ثبات الحركات اليمنية في مواجهة العدوان الأمريكي السعودي، وهو الأمر الذي انعكس في خطابات المسؤولين الإيرانيين والتي اتسمت بالقوة، وقال نائب الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، إن لدى بلاده القدرة على مواجهة أكبر التهديدات والأعباء، مؤكدًا أن الهزيمة ليست خيارًا بالنسبة لإيران. بدوره قال الرئيس الإيراني، حسن روحاني "إن إيران ليست بحاجة لإجراء مباحثات حول تعزيز قدراتها الدفاعية"، وفي كلمة خلال افتتاح 10 مراكز ثقافية ومتاحف حول الدفاع المقدس، أشار روحاني إلى أن طهران ستصنع أي سلاح، وبالكمية التي تريد، للدفاع عن نفسها، وفق حاجتنا، وفي إطار قوانيننا وفتاوى قائد الثورة، وأضاف روحاني أن "إيران لا تسعى لأسلحة الدمار الشامل؛ لأنها تناقض التعهدات الدولية، بل وأكثر من ذلك لأنها تتنافى مع أخلاقنا وديننا". ويرى مراقبون أن التحولات التي تجري في المنطقة منذ الحرب على سوريا، والتي كانت تهدف إلى إسقاط الدولة ومنع تكامل محور المقاومة، لم تأتِ لمصلحة إسرائيل، وهذا كان كافيًا في حد ذاته كدليل على أن تل أبيب فقدت قدرتها على قلب الموازنات الجديدة التي فرضها محور المقاومة عليها، فطيلة السبع سنوات الماضية، وهي عمر الأزمة السورية، لم تجرؤ إسرائيل على التدخل العسكري المباشر في سوريا، فطائراتها ومجنزراتها وجنودها لم يحركوا ساكنًا في سوريا، واكتفت تل أبيب بدعم المعارضة السورية فيما يسمى بحرب الوكالة، وفي جانب الجمود الإسرائيلي نجد أن محور المقاومة عزز من تواجده في سوريا، بما في ذلك المناطق الجنوبية من سوريا والمحاذية لفلسطين المحتلة، وهو الأمر الذي اعترضت عليه إسرائيل دون جدوى فيما يسمى بمناطق خفض التوتر في الجنوب السوري، كما أن المحور المقاوم عزز نقاط ارتكاز للمقاومة في مناطق سورية، كالقنيطرة والجولان السوري المحتل. ويبدو أن الرياح في المنطقة لا تأتي كما تشتهيها السفن الإسرائيلية، خاصة أن العراق دخلت إلى محور المقاومة، فالحكومة العراقية تعاونت مع إيران لدحر داعش، كما تعاونت معها في إحباط المخطط الإسرائيلي والقاضي بتفتيت العراق عبر دعم تل أبيب للمشروع الانفصالي لإقليم كردستان عن العراق. القلق الإسرائيلي من حزب الله انعكس في المناورات العسكرية التي تستعد لها تل أبيب، فحسب صحيفة "هآرتس" العبرية، فإن الجيش الإسرائيلي يستعد لأكبر مناورة عسكرية لسلاح المظليين، وذلك على خلفية تصعيد التوتر على الجبهة الشمالية، حيث من المفروض أن يجري التدريب في منتصف العام الجاري بمشاركة جميع المظليين بالجيش ومشاركة عناصر من الوحدات الخاصة بالجيش. ومنذ عام 2012، لم يقم لواء المظليين بالجيش بإجراء أي مناورات وتدريبات شاملة وواسعة، وفي هذه المرحلة وعلى ضوء تقييم المؤسسة الأمنية، بأن إيران عادت إلى تعزيز نفوذها وإنشاء مصنع لإنتاج الأسلحة في لبنان، قرر الجيش الإسرائيلي القيام بهذه المناورة منتصف هذا العام.