التحركات السياسية الأخيرة لإسرائيل تؤكد أن لديها مخاوف حقيقية تهدد وجودها من القفزة النوعية على مستوى التسليح والمهارات القتالية التي اكتسبها حزب الله من التجربة السورية، ولا تبتعد زيارة رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، إلى موسكو عن هذا الإطار. ويبدو أن تفاعل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مع مخاوف نتنياهو من التواجد الإيراني وحزب الله في سوريا لم يكن على مستوى تطلعات الأخير، فليست من مصلحة روسيا تقويض تحركات حلفائها في الأزمة السورية حتى لا تنقلب موازين القوى لصالح غريمتها التقليدية أمريكا، كما أن بوتين لن يعطي لنتنياهو ما عجز أن يأخذه الأخير من رئيس الولاياتالمتحدة، دونالد ترامب، فحتى واشنطن بدأت تنظر إلى الملف السوري من زواية المصالح والتي تتقاطع في كثير من الأمور مع الرؤية الروسية، فالأسد مستمر في الحكم ومناطق خفض التوتر برعاية روسية أمريكية. فشل المسار السياسي لنتنياهو دفعه لاستعراض عضلاته الخائرة من خلال المناورات العسكرية والتي أقيمت الثلاثاء، فلتل أبيب تجربة مريرة مع حزب الله سواء في جنوبلبنان أو حرب 2006، لكن لا يبدو أن لإسرائيل أوراقا كثيرة تلاعب بها حزب الله، فمسارات السياسة الدولية فشل معظمها، في ظل تفكك واضح لسياستها الإقليمية مع بعض حلفائها في المنطقة، فالسعودية وقطر قطبا الناتو الإسلامي المخصص في الأساس لضرب إيران، نالت منه الخلافات المتصاعدة بين الرياض والدوحة، والأخيرة بدأت بالتقارب مع إيران ولحقتها في ذلك تركيا. كما أن الخيارات العسكرية التي كانت تل أبيب تقودها من خلف الكواليس في سوريا في طريقها لإشهار إفلاسها، فالجماعات الإرهابية كجبهة النصرة والتي كانت إسرائيل تدعمها من خلال الجولان وتداوي جرحى فصائلها وتقيم غرف استخبارية لها على الحدود السورية تقدم من خلالها الدعم اللوجستي والمعلوماتي لهذه الجماعات المسلحة، بدأ حزب الله وحلفاؤه بالتهامها فلم يعد لهذه العصابات وجود في الجرود اللبناني، وبدأ يتقلص وجودها في سوريا وتشهد على ذلك مدينة دير الزور مؤخرًا، وما كانت تخطط له تل أبيب في الأزمة السورية من إنهاك حزب الله في حرب طويلة الأمد انقلب عليها، فالمقاومة الإسلامية خرجت أقوى من السابق بخبرات عسكرية ضخمة وعتاد عسكري، ناهيك عن اكتسابه خبرات إضافية في مجال حرب الشوارع بالإضافة إلى امتلاك خبرات الجيوش النظامية، الأمر الذي أربك حسابات تل أبيب، ودفعها على ما يبدو لتقديم عروض عسكرية تحاول من خلالها تعويض هزائمها في الميدان السوري واللبناني أمام حزب الله. وبدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي الثلاثاء مناورات في الشمال بالقرب من الحدود السورية واللبنانية، هي الأضخم منذ 20 عاما، بمشاركة عشرات الآلاف من قوات الجيش وجنود الاحتياط من القوات البرية والجوية والبحرية، وذكرت صحيفة يدعوت أحرنوت العبرية، أن المناورات ستستمر 11 يوما، وتحاكي فيها عمليات إجلاء المدن وصد عمليات التسلل عند الحدود من قبل حزب الله اللبناني، والهجوم على لبنان، بالإضافة إلى إبطال عمل خلايا التجسس. وأشارت الصحيفة إلى أن العشرات من الطائرات الحربية ستشارك في هذه المناورات، بالإضافة إلى الطائرات من دون طيار بجميع أحجامها، ووفقاً للصحيفة، فستشمل المناورات أيضا، سيناريو تسلل جماعات حزب الله من الحدود الشمالية. وحول المناورات الأخيرة، قال جيش الاحتلال في بيان، إنها ضمن خطة التدريبات العسكرية للعام الحالي، وتهدف إلى الوقوف على الجاهزية العسكرية لمواجهة حرب واسعة قد تندلع في شمال إسرائيل. وكان الجيش الإسرائيلي أجرى مطلع العام الحالي تدريبات على حرب افتراضية في لبنان تستهدف حزب الله حملت اسم "السهم الأزرق"، واشتملت على تدمير نفق للحزب واحتلال مناطق جديدة. ويرى مراقبون أن إسرائيل تعلم جيدًا أن حربها المقبلة لن تكون سهلة مع حزب الله، فالأخير أصبح مربوطًا بشبكة من العلاقات العالمية، وهنا تجدر الإشارة إلى موسكو والصين بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كما أن تحالفه مع إيران في سوريا أصبح مباشرا واستراتيجيا، وبالتالي لا تستطيع تل أبيب استبعاد إيران كحليف أساسي لحزب الله في أي حرب مقبلة، وهو الأمر الذي انعكس في التحذيرات الإسرائيلية من الجهود الإيرانية لإقامة منشآت لإنتاج الأسلحة في لبنان، حيث قال وزير الحرب، أفيغدور ليبرمان للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، خلال لقاء جمعهما في إسرائيل الأسبوع الماضي، إن ايران "تعمل على إنشاء مصانع لتصنيع أسلحة دقيقة داخل لبنان نفسها". ويقول مراقبون إنه إذ لم يتغير شيء ما، فإن الكيان الصهيوني متجه بسرعة نحو مواجهة عنيفة أخرى على الحدود الشمالية، وهذه المرة ضد القوات الإيرانية أو المقاتلين المدعومين من إيران مع صواريخ صُنعت وفق الطلب من طهران، ففي يوم السبت الماضي، صرح وزير الدفاع الإيراني الجديد العميد أمير حاتمي، أن بلاده تعطي الأولوية لتعزيز البرنامج الصاروخي لبلاده وتصدير الأسلحة لدعم الحلفاء المجاورين. المناورات الإسرائيلية الضخمة المخصصة لحزب الله والذي قد لا يتجاوز تعداده بضعة آلاف من المجاهدين، ولا يمتلك الترسانة العسكرية الضخمة التي يمتلكها هذا الكيان الغاصب، تشير إلى أن بيت الكيان الصهيوني أضعف من بيت العنكبوت.