تحول 3 هي أكبر مناورة عسكرية في تاريخ الدولة الصهيونية وما أعلنتها إسرائيل إلا وأثارت الكثير من القلق داخل سوريا وما بين الشك والحيرة دارت سجالات الأوساط السياسية والصحفية خلال الفترة الماضية إلا أن المثير ليس في انتقاد المناورة بقدر ما هو التحول في لهجة هذا الانتقاد كما ذكرت جريدة الاهرام المصرية. لغة الخطاب السياسي السوري تجاه إسرائيل تغيرت إلي حد ما, خاصة بعد حرب إسرائيل علي لبنان عام2006 وانهيار نظرية أمان العمق الإسرائيلي بفعل الصواريخ التي باتت عصية علي أنظمة الدفاع الجوي, بغض النظر عن تأثيرها التدميري, وربما الخطاب الأخير للرئيس الأسد في افتتاح مؤتمر وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي دليل علي ذلك, فقد قال الأسد: إن فشل العمل السياسي في استعادة الحقوق الشرعية لأصحابها, سيعطي الحق للمقاومة في القيام بواجبها من أجل استعادتها, وهو خطاب تلميحي للرد علي تصريحات حكومة نيتانياهو برفض عودة الجولان المحتل لسوريا . والسؤال الآن: هل يمكن أن تستيقظ المنطقة يوما علي حرب أو مواجهة بين دمشق وتل أبيب؟ أم أن الأمر بين الطرفين لايعدو كونه من سياسات الكر والفر إعلاميا؟! تحول3 هو عنوان سلسلة المناورات الإسرائيلية التي تعد الأكبر منذ تأسيس الدولة العبرية, لتدريب قوات الأمن والجمهور علي حالة من الطوارئ الدائمة, حسب تعبير نائب وزير الدفاع الإسرائيلي, وهو تدريب علي مواجهة هجمات عسكرية متزامنة علي كل الجبهات, وكان سلاح الجو الإسرائيلي قد أنهي الأسبوع الماضي مناورات لمواجهة هجمات صاروخية من سوريا وإيران في آن معا. وتهدف المناورات أيضا إلي الارتقاء بوضع التأهب والتجهيزات العسكرية والمدنية في إسرائيل إلي مستوي الاستراتيجية العسكرية الجديدة لسوريا وإيران, والمقاومتين اللبنانية والفلسطينية, وهي استراتيجية يلعب فيها السلاح الصاروخي دورا متزايد الأهمية, وقد باتت القدرات الصاروخية للقوي المذكورة تطاول, لا المنشآت العسكرية والاقتصادية والخدمية الحيوية الإسرائيلية فقط, وإنما المدن الرئيسية أيضا. ومع أن السيناريو الذي تعلنه العسكرية الإسرائيلية يبدو دفاعيا, حيث يبدأ بصد هجوم صاروخي قادم من غزة ثم من الشمال, فإن التدريب الفعلي هجومي في الصميم, يجب النظر إليه علي أنه سيناريو يحتاط لردود فعل إيران وسوريا والمقاومتين اللبنانية والفلسطينية في حال قيام سلاح الجو الإسرائيلي بضرب المنشآت النووية العسكرية الإيرانية, بمعني آخر فمناورات تحول3 هي التجهيز الميداني لتحقيق الأولوية المعلنة للسياسة الإسرائيلية منذ تشكيل الحكومة الجديدة, إلا إنه يستبعد أن تشكل هذه المناورات الآن غطاء لعدوان مفاجئ علي الجبهتين الشمالية والجنوبية. إن الخطير فيها ليس ما جري في المناورة, وإنما ما ينبئ به المستقبل القريب, تقول المناورات أشياء كثيرة, منها ما هو من قبيل التهويل والضغط, ومنها ما يجب أخذه علي محمل الجد. تحول3 مناورة يراها السوريون مغلفة بمهام طارئة ترتبط بالوضع السياسي العام علي المستوي الدولي, والحالة الراهنة للوضع الإقليمي, وانعكاسهما علي الوضع الداخلي الإسرائيلي, وأنها رسالة ذات ثلاثة اتجاهات, الأول سياسي, وهو لمحاكاة الرأي العام الداخلي وإعادة الثقة لمجتمع اهتزت صورة الدولة لديه, والمناورة بمشاركة جميع قطاعات المجتمع الإسرائيلي تعني أن الدولة مازالت تملك خياراتها في البقاء والهيمنة علي محيطها المعادي. ورسالة أخري إلي المجتمع الدولي مفادها أن التراجع الميداني الواضح للمشروع الأمريكي علي الساحة الدولية, والتغيير الصارخ في شكل الإدارة الأمريكية, وبداية تفهم رأي عام أوروبي لانتهاكات إسرائيل في ظل تغييب المؤسسات الضامنة للحقوق( هيئة الأممالمتحدة, ومجلس الأمن الدولي), وهو ما ظهر واضحا خلال عدواني إسرائيل علي لبنان وغزة, لن يوقف تل أبيب عن تحقيق أهدافها. ورسالة ثالثة إلي المحيط الإقليمي, وهي أن التبدلات الحادة في قواعد الصراع العربي الإسرائيلي, وأهمها انحسار مفهومين استراتيجيين تاريخيين هما: الذراع الطويلة للقوة العسكرية الإسرائيلية سلاح الجو في سماء مفتوحة, وجيش بري مقتحم دون حساب لقوي عسكرية مواجهة, وهما قاعدتان أسقطتهما مجريات حرب أكتوبر73, بالإضافة إلي المقاومة النشيطة في لبنان وغزة, وهو ما يعني أن حرب الجيوش لم تعد نزهة. عامل ثالث وهو إضافة الجمهورية الإيرانية لقائمة أعداء الوجود الإسرائيلي لتحتل مرتبة العدو الأول, مما دفع إسرائيل التي تتمتع بأيديولوجيا كراهية المحيطين العربي والإسلامي, علي تنفيذ المناورة تحول3 كساحة تجربة حقيقية لحرب قد تكون قريبة, وقد تكون ضرورة جراحية لمستقبل مشروع الدولة اليهودية وفق المفاهيم التوراتية, ووفق السيناريو الصهيوني الدموي المفهوم والمقبول من المجتمع اليهودي. السوريون يقولون أيضا إنه لو صدقنا ما جري أخيرا في واشنطن خلال لقاء الرئيس أوباما وبنيامين نيتانياهو, لتوجب القول إن الضربة الإسرائيلية لإيران, التي هي مبرر تنظيم المناورات, قد تكون مؤجلة إلي نهاية العام, وهي المهلة التي وضعتها إدارة الرئيس أوباما لتجريب المعالجة الدبلوماسية للملف النووي الإيراني. أية ضربة إسرائيلية ضد إيران سوف تسبقها أو تواكبها حرب جوية إسرائيلية علي لبنان, وليس سوريا, تستهدف بالدرجة الأولي صواريخ حزب الله بعيدة المدي وقياداته. الوضع السوري في إطار هذه التكتيكات العسكرية والسياسية يخضع لعدة اعتبارات: أولا: دمشق تعلم تماما أن إسرائيل لا تصوب وجهتها الآن إلا إلي إيران وشغلها الشاغل منع امتلاكها للسلاح النووي, وأن السلام أو حتي الحرب, سواء مع الفلسطينيين أو سوريا يأتي في المرحلة الثانية علي أساس أن إسرائيل تركز حاليا علي تغيير أولويات أوباما والدفع بها للتركيز علي الضغط علي إيران والحث علي ضربها, وذلك تهربا من أي التزامات عليها( علي إسرائيل) تجاه الشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال, وإيران من جانبها تسعي هي الأخري لتغيير أولويات أوباما والإيحاء له بأن العقدة والحل بيد إيران, وهي ما ينبغي أن تكون المبتدأ لأن الخبر في العراق وفلسطين ولبنان في جعبتها. ثانيا: سوريا تعلم أن نجاح أوباما في معالجة القضية الفلسطينية, قضية الشرق الأوسط, يتطلب منه كما ذكرت واشنطن بوست في18 مايو2009 أن يستخدم نفوذ الولاياتالمتحدة الكبير علي إسرائيل, مع ضرورة أن يفرق ما بين الدعم الأمريكي لإسرائيل ودعم رئيس الولاياتالمتحدة لرئيس وزراء إسرائيل, وأشارت الصحيفة في هذا الصدد إلي أن أي رئيس وزراء إسرائيلي لن يستطيع البقاء في منصبه إن فقد حظوته في واشنطن. ثالثا: وتعلم دمشق أيضا أن الصقور في إسرائيل وإيران وفي العالم العربي وداخل الولاياتالمتحدة يراهنون أساسا في استراتيجيتهم الدائمة التي تعشق القوة العسكرية علي إفقاد الدبلوماسية والحوار لتأثيرهما وجعلهما أدوات مخيبة للآمال وذات مردود ضعيف, والتحدي أمام أوباما والعرب والأوروبيين إثبات العكس في منطقة مازالت تكرر القول بحسرة: جربنا المفاوضات لأكثر من عشر سنوات ولم نقبض سوي العنف والأزمات. رابعا: يتردد بين السياسيين السوريين أن جورج ميتشيل المبعوث الخاص للشرق الأوسط بعث رسالة للرئيس الأمريكي باراك أوباما مفادها أنه بسبب الوضع الفلسطيني الداخلي وحالة الانقسام الفلسطيني فلا يوجد حاليا إمكان للتوصل لاتفاقيات بين إسرائيل والفلسطينيين, ويضيف ميتشيل قائلا: علي الإدارة الأمريكية أن تركز الآن علي المسار السوري الإسرائيلي, وليس علي المسار الفلسطيني الإسرائيلي. وبرغم أن هذه الرسالة إن صحت سوريا لا تسعي إلي حرب مع إسرائيل كما أن الأخيرة لا تسعي أيضا إلي حرب مع الأولي, ولكن لاشك أنه كلما بعدت المسافة عن تحقيق سوريا لهدفها, وهو تحرير أراضيها المحتلة, مثل ذلك ضغوطا علي الأقل معنوية علي السوريين قيادة وشعبا؟!