تكتسب الزيارة العسكرية الإيرانيةلدمشق أهمية كبيرة خاصة في هذا التوقيت، حيث تشهد المنطقة تحولات جذرية تحتاج إلى تثبيت نقاط المكاسب وترسيم حدود الانتصارات، فطهرانودمشق قدمتا الكثير للحفاظ على محور المقاومة في وجه المخطط الأمريكي والصهيوني الذي يحاول استثمار أزمات الشرق بمساعدة بعض الأطراف العربية، لتعزيز سطوته على المنطقة. زيارة الأمس أعادت توجيه البوصلة إلى العدو الحقيقي والذي لا لبس فيه، خاصة أن للكيان الصهيوني تاريخًا طويلاً من الدماء مع الشعوب العربية والإسلامية، حيث أكد رئيس هيئة الأركان الإيرانية المشتركة، اللواء محمد باقري، بعد لقائه نظيره السوري، العماد علي عبد الله أيوب، أن الجانبين رسما خطوطًا عريضة للتعاون المشترك، من أجل مواجهة الأعداء المشتركين إسرائيل والإرهابيين، ومن جهته أكد العماد أيوب مواصلة الحرب على الإرهاب حتى القضاء عليه بالكامل وإعادة الأمن والاستقرار إلى جميع الأراضي السورية. تصريحات المسؤول الإيراني حملت رسائل واضحة للكيان الصهيوني، فباقري حذر إسرائيل من انتهاك المجال الجوي والأراضي السورية، وحسبما ذكرت وسائل إعلامية رسمية، فإن تحذير باقري يحمل دلالات كبيرة لا يمكن لتل أبيب تجاهلها، فقليلة هي المرات التي نجد فيها إسرائيل تقول بأنها ليست بصدد التصعيد مع سوريا، حيث قال وزير الهجوم الصهيوني، أفيغدور ليبرمان، بالأمس، إن "إسرائيل لا ترغب في خوض الحرب، إلا أنه لا يمكن لها أن تتنازل عن مصالح أمنية حيوية". وأضاف ليبرمان "المهمة الأولى الملقاة على عاتق الحكومة هي منع التصعيد، لا يمكن تحقيق هذه الغاية، الا من خلال تقوية قوة الردع كما شهدناه في سوريا أول أمس الاثنين". ولم تنتظر إيران كثيرًا لتوصيل رسالتها العسكرية إلى تل أبيب، فزيارة باقري لدمشق، والتي تمتد ليومين، جاءت بعد يوم واحد عقب تصدي وسائط دفاعية جوية سورية لمقاتلات إسرائيلية عند منطقة حدودية مع لبنان وتحديدًا في بعلبك، وأصابت إحدى الطائرات إصابة مباشرة، وأرغمتها على الفرار، وأكد بيان الجيش السوري أن الضربة الإسرائيلية على موقع عسكري في ريف دمشق أدت إلى خسائر مادية فقط، محذرًا من التداعيات الخطيرة للاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وأكد البيان تصميم الجيش السوري على مواصلة حربه ضد المجموعات الإرهابية ذراع إسرائيل في المنطقة، وهي نفس الرسالة التي أعاد تكرارها باقري على مسامع العدو الصهيوني. الرسائل السورية الإيرانية أربكت حسابات تل أبيب، وهو الأمر الذي دفع رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أمس لإجراء محادثة هاتفية مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على خلفية التصعيد في سوريا، وتأتي مكالمة نتنياهو وبوتين على خلفية التهديدات الإيرانية الأخيرة بأنها لن تسمح لإسرائيل بالتصرف بحرية في سماء سوريا، والتصعيد الميداني بين سوريا وإسرائيل والذي تَمثَّل بغارات إسرائيلية وسط سوريا، ومن جهته نقل ليبرلمان مخاوفه لوزير الدفاع الروسي، سيرجي شويغو، حيث أوضح ليبرمان أن إسرائيل لن تقبل بقواعد إيرانية على حدودها وفي سوريا عامة. اللافت أن الزيارة العسكرية الإيرانيةلدمشق تتزامن مع الزيارة العسكرية الروسية لتل أبيب، وهو الأمر الذي يحمل في طياته العديد من الرسائل، فلا ينكر أحد أن روسيا حليف قوي لطهران في الأزمة السورية، وساهمت بشكل فعال في قلب موازين القوى في هذه الحرب، ولكن دمشقوطهران وحزب الله يعلمون جيدًا أن روسيا ليست طرفًا في محور المقاومة، وإن موسكو قامت بما قامت به لأن مصالحها الجيوسياسية تقاطعت مع مصالح محور المقاومة المناهض لإسرائيل ومن خلفة واشنطن غريم موسكو التقليدي، بالإضافة إلى أن تقارب موسكو مع محور المقاومة يعزز من حماية أمنها القومي. في المقابل تراهن إسرائيل على استثمار علاقاتها بروسيا، لعلّها تستطيع الضغط على إيران، وهذا ما يحاول ليبرمان فعله مع شويغو، لكن يبدو أن إيران قطعت الطريق على محاولات ليبرمان، فرسائل محور المقاومة الصّرفة، وبعيدًا عن روسيا، قالت بوضوح إنها في حرب مفتوحة مع الإرهاب وإسرائيل، وهنا رفعت طهران الحرج عن موسكو، فرسائل التهديد لإسرائيل جاءت من سورياوإيران وبعيدًا عن الكرملين، كما أن هذه الرسائل ستعطي انطباعًا لدى تل أبيب بأن موسكو لا تستطيع الضغط على إيران فيما يتعلق بملفات محور المقاومة، وعلى تل أبيب مناقشة موسكو في الملفات المشتركة والتي تخص الطرفين فقط، كالتنسيق بينهما لسلامة الطيران، وإبداء الامتعاض الإسرائيلي من مناطق خفض التوتر في الجنوب السوري، أما فيما يخص التواجد الإيراني في سوريا أو التنسيق الثلاثي بين سورياوإيران وحزب الله والعراق فمسائل تتعلق بسيادة كل دولة. ويرى مراقبون أن إسرائيل ستتلقف الرسائل الإيرانية بجدية، خاصة أن طهران لم تحبط فقط المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة من خلال البوابة السورية وذراعها الإرهابي داعش، إنما وقبل أيام أحبطت طهران مشروعًا كانت قد دعمته تل أبيب في المنطقة، وهو مشروع مسعود بارزاني لتقسيم العراق واستقلال إقليم كردستان عنه، من خلال دعمها السياسي والعسكري للقوات العراقية للسيطرة على كركوك، وهو الأمر الذي من شأنه أن يقلق تل أبيب، خاصة أنها كانت تعتمد على نفط كركوك بشكل كبير، وكانت تراهن على إنشاء دولة كردية حليفة لها تقع في قلب محور المقاومة.