على الرغم من أن الحكومة الإسبانية أعلنت نهاية أكتوبر الماضي أن محاولة انفصال إقليم كتالونيا قد انتهت، إلا أن الإقليم لا يزال يصر على تقوية النزعة الانفصالية، وهو ما انعكس خلال الانتخابات الأخيرة في الإقليم، حيث انتخب روجيه تورينت مرشح التيار القومي الكتالوني وعضو حزب اليسار الجمهوري الكتالوني رئيسًا لبرلمان الإقليم، خلفًا لرئيسته السابقة كارمي فوركاديل. وفاز تورينت بالمنصب بعد حصوله على أصوات 65 نائبًا، مقابل 56 صوتًا حصل عليها منافسه ومرشح حزب ثيودادانوس، خوسيه ماريا إسبيخو سافيدرا، المنتمي للتيار الوحدوي، في حين امتنع بعض النواب عن التصويت. وافتتح برلمان كاتالونيا الأربعاء أولى جلساته منذ حله في أعقاب محاولة الانفصال الفاشلة عن إسبانيا، ومن المتوقع أن يبدأ الانفصاليون إجراءات إعادة الزعيم الانفصالي المقال كارلس بوجديمون إلى السلطة، خاصة وأن أكبر حزبين استقلاليين في إقليم كاتالونيا الإسباني أعلنا، الثلاثاء الماضي، اتفاقهما على تسمية بوجديمون، مرشحًا للحزبين لمنصب الرئيس الجديد للإقليم. وكانت الحكومة الإسبانية قد اتخذت مجموعة من الإجراءات السابقة لمنع كتالونيا من الانفصال عنها، وتمثل ذلك في إعلان رئيس وزراء إسبانيا، ماريانو راخوي، أكتوبر الماضي، أن الحكومة المركزية الإسبانية قررت إقالة قادة وحكومة إقليم كتالونيا، بما في ذلك بوجديمون رئيس الإقليم ونائبه أوريول جونكيراس ووزراء حكومة كتالونيا، وحلت برلمان الإقليم، وقررت الحكومة الإسبانية كذلك إقالة المدير العام لشرطة كتالونيا وممثلي الحكومة الكتالونية في مدريد وبروكسل، ودعت إلى انتخابات في الإقليم، سعيًا لوضع حد لأزمة هزت المنطقة الكتالونية الغنية، والبالغ عدد سكانها 7,5 مليون نسمة، لامتصاص تداعياتها التي امتدت من إسبانيا إلى أوروبا. وجاء إعلان راخوي عقب موافقة مجلس الشيوخ الإسباني على تفعيل المادة 155 من الدستور بموجب طلب الحكومة، وهي المادة التي تسمح للحكومة المركزية بتعليق الحكم الذاتي في الإقليم، وفرض سلطة مباشرة عليه من الحكومة المركزية، وذلك بعد تصويت برلمان كتالونيا لصالح الاستقلال عن إسبانيا الذي وافق عليه أغلبية الكتالونيين في استفتاء شعبي. وبناء على رغبة الحكومة الإسبانية جرت الانتخابات بالفعل، وحينها فازت الأحزاب الانفصالية في الانتخابات التي جرت في 21 ديسمبر 2017، الأمر الذي اعتبره مراقبون كتالونيين انتصارًا لنزعتهم الانفصالية، وعقب إعلان نتائج الانتخابات دعا بوجديمون الحكومة الإسبانية إلى الاعتراف الفوري بالنتائج التي أظهرت تقدم معسكر الانفصال عن إسبانيا، وطالب مدريد بالشروع في التفاوض السياسي مع ما أسماها بالحكومة الشعبية بكتالونيا. في ذلك الوقت رفض رئيس وزراء إسبانيا دعوة بوجديمون الدخول في حوار غير مشروط خارج إسبانيا، وقال راخوي إنه سيتحاور مع الشخص الذي يتولى منصب رئيس حكومة الإقليم وداخله وليس في الخارج. ومع غالبية 70 نائبًا في البرلمان المكون من 135 مقعدًا، يفترض أن يكون لدى الأحزاب المؤيدة للاستقلال الأصوات الضرورية لاختيار رئيس انفصالي، ومرشحهم المفضل بطبيعة الحال هو بوجديمون الذي هرب خارج إسبانيا، بعدما أقاله راخوي مع حكومته في 27 أكتوبر عقب إعلان برلمان كاتالونيا الاستقلال من جانب واحد. ويبدو أن التحركات الانتخابية الأخيرة في الإقليم الكتالوني أقلقت الحكومة الإسبانية، حيث حذر راخوي الاثنين الماضي من أن مدريد ستبقي على سيطرتها المباشرة على كتالونيا، في حال محاولة بوجديمون إدارته مجددًا من منفاه في بلجيكا. وفي ديسمبر الماضي حث العاهل الإسباني فيليبي السادس الانفصاليين في إقليم كتالونيا في كلمة ألقاها بمناسبة أعياد الميلاد على اختيار التعايش بدل المواجهة. ويقع إقليم كتالونيا في أقصى شمال الشرقي لإسبانيا، وتفصله جبال البرانس عن منطقة جنوبفرنسا التي يرتبط بها الإقليم بعلاقات وثيقة، ويمتد تاريخ الإقليم إلى العصور الوسطى، ويعتقد كثيرون من أهالي الإقليم أنهم أمة مستقلة عن بقية إسبانيا، وأغلب سكان الإقليم يعيشون في عاصمته برشلونة، التي تمثل مركزًا اقتصاديًّا وسياسيًّا مهمًّا، فضلاً عن أنها نقطة جذب سياحية تحظى بشعبية كبيرة، وتعد كتالونيا أحد أكثر الأقاليم الإسبانية ثراء، وهي منطقة صناعية، ذات نزعة استقلالية، وتعتز بهويتها ولغتها الخاصة.