تقترب الأحزاب والتيارات السياسية العراقية من مرحلة فاصلة في تاريخها، حيث بات يفصلها أربعة أشهر فقط عن الاستحقاق السياسي، الذي يُعد الأبرز والأهم منذ الغزو الأمريكي للعراق في 2003، وهو الاستحقاق الذي لم تُحسم بعدُ مسألة إجرائه في ميعاده المحدد ب12 مايو المقبل، حيث لا تزال احتمالية تأجيل الانتخابات البرلمانية قائمة بين الأخذ والرد، لكن على الرغم من ذلك فإن العديد من التحالفات السياسية أخذت مواقعها، واستقرت على هيئتها النهائية، التي ستخوض بها الانتخابات المقبلة، فيما تبقى بعض القوى والكتل السياسية الأخرى مشتتة غير قادرة على حسم تحالفاتها، الأمر الذي يدفع للقول بأن هذه الانتخابات ستكون استثنائية في أجوائها ونتائجها. تحالفات جديدة حسمت العديد من الكتل والقوى السياسية مواقفها، وشكلت ائتلافاتها وتحالفاتها التي ستخوض بها المعركة الانتخابية، لكن اللافت للانتباه أن التقلبات السياسية التي شهدتها معظم دول الشرق الأوسط، وعلى رأسها العراق، انعكست بشكل قوي على المشهد السياسي في هذا البلد، الذي يئن من إرهاب داعش منذ ما يزيد على أربع سنوات، حيث شهدت الساحة السياسية العراقية بلورة العديد من التحالفات الجديدة المثيرة للقلق، وتشرذم بعض القوى السياسية وافتراق حلفاء قدامى وتباعد أطراف بعض المكونات التي كان من المتوقع أن تتوحد في قوائم مشتركة. كشفت بعض المصادر السياسية المقربة من مفوضية الانتخابات العراقية وأعضاء في البرلمان عن أبرز التحالفات التي تقدمت للانتخابات، وذلك بعد أن أعلنت المفوضية المستقلة قبل أيام عن غلق باب تسجيل التحالفات، حيث جاء في أبرزها تحالف "الفتح المبين"، الذي يتبع هئية الحشد الشعبي، ويرأسه زعيم كتلة بدر البرلمانية، هادي العامري، ويتألف من 19 فصيلاً مسلحًا، أبرزهم حركة عصائب أهل الحق، وممثلين أعلنوا استقالتهم من العمل العسكري، فضلًا عن أحزاب صغيرة في جنوبالعراق، وفصيل مسلح يتبع الطائفة الأيزيدية. تصدع حزب "الدعوة" ووصول الخلافات بين جناحيه المتمثلين في رئيس الوزراء، حيدر العبادي، وسلفه نوري المالكي، إلى نقطة اللاعودة، من أبرز اللقطات التي تسيطر على الأجواء الانتخابية، حيث أعلن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، اليوم الأحد، خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة بما يسمى "ائتلاف النصر"، الذي قال عنه إنه "ائتلاف عابر للطائفية والتفرقة والتمييز". ويضم ائتلاف "النصر" عددًا من الشخصيات المستقلة والكيانات السياسية، من بينها كتلة "عطاء" بزعامة رئيس الحشد الشعبي، فالح الفياض، وكتلة نينوى بزعامة وزير الدفاع السابق، خالد العبيدي، فضلاً عن تيار الإصلاح برئاسة وزير الخارجية، إبراهيم الجعفري، ومستقلون برئاسة حسين الشهرستاني، إضافة إلى كتل وشخصيات أخرى من جنوب وغرب العراق لم يُفصح عنها حتى الآن. على خلفية الانشقاقات داخل حزب الدعوة واستقلال "العبادي" بإنشاء ائتلاف خاص به بمعزل عن "المالكي"، تزعم رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، تحالف "دولة القانون" وحيدًا، ويتألف من 8 أحزاب سياسية، غالبيتها غير معروفة، بينها حزب جديد أسسه زوج ابنته "ياسر صخيل" في كربلاء، بعد فشل التحالف في عقد تحالفات جديدة مع بعض القوى السياسية. في ذات الإطار شهدت الأيام القليلة الماضية سباقًا بين العبادي والمالكي على كسب ود الفصائل التي انضوت ضمن تحالف "الفتح المبين"، كمحاولة للاستفادة من شعبيتها السياسية التي نضجت مؤخرًا على خلفية معاركها ضد داعش، حيث قدّم العبادي ضمانات كبيرة لقيادات تحالف الفتح المبين، وأعلن عن استعداده للتوقيع على ما يتم الاتفاق عليه، فيما يعول المالكي على تحالفه القديم مع زعيم حركة "بدر" هادي العامري، وزعيم "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، لكن يبدو أن تحالف "الفتح" بات أقرب للتحالف مع العبادي على حساب المالكي، حيث أعلنت مصادر سياسية عراقية عن وصول المفاوضات بين رئيس الوزراء العراقي وفصائل الحشد الشعبي إلى مراحل متقدّمة لدخول الانتخابات بقائمة واحدة، فيما أكد قياديون في "الفتح المبين" أن الأمور لم تحسم بعد، لكن هذا لا ينفي انجذاب "الفتح" إلى "النصر". على الرغم من أن التحالفات الثلاثة السابق ذكرها تُعد الأبرز على الساحة الانتخابية، إلا أن هناك أكثر من 31 ائتلافًا وتحالفًا سياسيًّا تخوض الانتخابات التشريعية، وتتركز برامج المرشحين والأحزاب كافة على شعارات البناء والإصلاح، كمرحلة مُكملة للإنجازات التي حققتها الحكومة والجيش العراقي في صراعهما مع تنظيم "داعش"، ومن بينها التجمع المدني للإصلاح الذي يضم كلاًّ من نائب رئيس الجمهورية، إياد علاوي، ورئيس البرلمان الحالي، سليم الجبوري، ونائب رئيس الوزراء السابق، صالح المطلك، فضلاً عن نحو 20 حزبًا وكيانًا سياسيًّا. في ذات الإطار برز تحالف الحزب الشيوعي مع التيار الصدري، حيث شكلا تحالفًا يضم عدة قوى سياسية، ويحمل اسم "الثائرون"، من بينها حزب الاستقامة الوطني والحزب الشيوعي العراقي، إضافة إلى العديد من القوى السياسية، بمباركة من زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر. انتخابات رهن التأجيل على الرغم من تموضع بعض الكتل السياسية واختيار معظم التحالفات لشكلها النهائي الذي من المقرر أن تخوض به الانتخابات المقبلة، إلا أن مسألة إجراء الانتخابات في موعدها قيد الأخذ والرد، حيث تبقى هذه الانتخابات مرهونة برد المحكمة الاتحادية، التي تعد أعلى سلطة قضائية في البلاد، على استفسار الحكومة العراقية حول موعد الانتخابات، وهل يحق لمجلس النواب تأجيلها أم لا، وحتى هذه اللحظة لم يصل رد المحكمة إلى الحكومة المركزية، الأمر الذي يجعل مصير هذه الانتخابات مُعلقًا وغير محسوم. وفقًا للدستور العراقي فإن "مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب أربع سنوات تقويمية، تبدأ بأول جلسة له، وتنتهي بنهاية السنة الرابعة، على أن يجري انتخاب مجلس النواب الجديد قبل خمسة وأربعين يومًا من تاريخ انتهاء الدورة الانتخابية السابقة"، وتحتكر المحكمة الاتحادية العليا في العراق حق تفسير النصوص الدستورية، وفقًا للقانون النافذ، وفي حال انتهاء الدورة البرلمانية دون انتخاب مجلس نواب جديد، ستتحول الحكومة إلى "تصريف الأعمال"، ما يعني بقاء "حيدر العبادي" رئيسًا لها دون وجود سلطة برلمانية تراقبه. في ذات الإطار فإن الكتل والتيارات السياسية لا تزال مضطربة فيما بينها بشأن مصير الانتخابات، كل بحسب مصالحه السياسية، فمنهم من يرى أن التأجيل لمدد تتراوح بين 6 أشهر وعامين هو الخيار الصائب والأقرب للواقع، في ظل عدم تحقيق أي من شروط مجلس الوزراء العراقي لإجراء الانتخابات، والتي حددها في وقت سابق ب"توفير بيئة آمنة للاقتراع، وإعادة النازحين إلى مناطقهم التي هجروها منها، وإلزامية أن يكون التصويت إلكترونيًّا خلال الاقتراع"، حيث لا يزال هناك أكثر من مليوني نازح تعجز الحكومة العراقية عن إعادتهم إلى مدنهم المدمرة، ولا تزال مفوضية الانتخابات بانتظار التخصيصات المالية اللازمة لتجهيز مراكز الاقتراع بالمعدات التي تضمن تحقيق شرط التصويت الإلكتروني، وتعتبر الأحزاب الكردية من أبرز المؤيدين لفكرة التأجيل. على جانب آخر رأت بعض الكتل السياسية أن تأجيل الانتخابات يمكن أن يخلق فراغًا سياسيًّا في الدولة التي تعاني في الأساس من أزمة سياسية حادة وتشرذم طائفي، ويعتبر رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، على رأس المؤيدين لفكرة إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في مايو، مستغلاًّ في ذلك إنجازاته السياسية والعسكرية والاقتصادية التي تمكن من تحقيقها خلال السنوات القليلة الماضية، والتي يمكن أن تجعله في صدارة القائمة الانتخابية لدى الناخبين العراقيين. توقيت الانتخابات وصف العديد من المراقبين هذه الانتخابات البرلمانية بالاستثنائية في تاريخ العراق، وذلك لعدة اعتبارات سياسية، أهمها أنها تأتي في وقت نجح فيه الجيش العراقي في استعادة كافة الأراضي التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش منذ عام 2014، الأمر الذي مثّل إحباطًا للمخططات الصهيوأمريكية التي كانت تحيكها الولاياتالمتحدةالأمريكية للعراق منذ احتلاله في عام 2003، وعلى جانب آخر شهدت الساحة السياسية خلال السنوات القليلة الماضية العديد من التبدلات السياسية وبروز قوى شعبية سرعان ما اكتسبت قوة ونفوذًا كبيرين، وعلى رأسها "الحشد الشعبي" الذي تحوّل من تجمع لفصائل مقاتلة للإرهاب إلى مؤسسة كبيرة تسعى إلى إثبات حضورها في العملية السياسية، بعدما أثبتته في الناحيتين الأمنية والعسكرية، وذلك في مقابل أفول نجم بعض التيارات السياسية التي كان لها حضور قوى خلال الانتخابات السابقة.