سباق دعم غير مسبوق للجماعات المسلحة السورية تقوده إسرائيل وأمريكا، وربما تدخل تركيا على الخط مع حلفائها قريبًا، في محاولة أخيرة لتحقيق أي تقدم عسكري في ميدان المعركة قبل الوصول إلى جولة المفاوضات التي يصفها العديد من السياسيين بأنها حاسمة وفاصلة، والمقرر عقدها أواخر يناير الجاري في مدينة سوتشي الروسية. محاولات إسرائيلية يائسة على وقع الخسائر المادية والمعنويات المنهارة للجماعات الإرهابية المسلحة، نتيجة للانتصارات الساحقة التي حققها الجيش السوري بمساندة القوات الروسية في تحرير العديد من المدن السورية والمناطق الاستراتيجية، والضربات الموجعة التي تلقتها الجماعات المسلحة مؤخرًا في منطقة حرستا بالغوطة الشرقية بريف دمشق، كثفت إسرائيل دعمها العلني لما تبقى من الجماعات المسلحة في سوريا، حيث كشفت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية عن هجوم إسرائيلي علي ريف دمشق، تصدت له وسائط الدفاع الجوي السورية مستهدفة إحدي طائرات العدو الصهيوني. وقالت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية في بيان لها: قام طيران العدو الصهيوني عند الساعة 2:40 فجر اليوم الثلاثاء، بإطلاق عدة صواريخ من فوق الأراضي اللبنانية باتجاه منطقة القطيفة بريف دمشق، وتصدت لها وسائط دفاعنا الجوي، وأصابت إحدى الطائرات، وفي الساعة 3:04 كرر الاحتلال الإسرائيلي عدوانه بإطلاق صاروخين "أرض-أرض" من منطقة الجولان المحتل، تصدت لهما وسائط دفاعنا الجوي وأسقطتهما، وعند الساعة 4:15 عاود طيران العدو الصهيوني عدوانه بإطلاق 4 صواريخ من منطقة طبريا داخل الأراضي المحتلة، تصدت لها وسائط دفاعنا الجوي، ودمرت صاروخًا، وسقط الباقي قرب أحد المواقع العسكرية، ما أدى إلى وقوع خسائر مادية. في ذات الإطار جددت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة تحذيرها من التداعيات الخطيرة لمثل هذه الأعمال العدوانية، وتحميل إسرائيل كامل المسؤولية عن تبعاتها، مؤكدة على "جاهزيتها الدائمة للتصدي لهذه الاعتداءات، ومواصلة الحرب ضد التنظيمات الإرهابية وبتر أذرع إسرائيل الإرهابية، وإعادة الأمن والاستقرار إلى جميع أراضي الجمهورية العربية السورية"، مشددة على أن "هذا العدوان السافر جاء ليؤكد من جديد دعم إسرائيل للمجموعات الإرهابية المسلحة في سوريا، ومحاولاتها اليائسة لرفع معنوياتها المنهارة إثر الضربات الموجعة التي تتلقاها من الجيش السوري". استهداف القواعد الروسية تأتي هذه الغارات الإسرائيلية بعد أيام قليلة من إحباط القوات الروسية محاولات الجماعات الإرهابية الاعتداء على قاعدتي "حميميم" الجوية و"طرطوس" البحرية شمال غربي سوريا، حيث أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن قواتها العاملة في سوريا تمكنت من إحباط هجوم على قاعدتي حميميم وطرطوس، باستخدام طائرات من دون طيّار، في ليل الخامس والسادس من الشهر الجاري، وأوضحت أن قوات الدفاع الجوي الروسية كشفت 13 جسمًا جويًّا مجهولاً صغير الحجم، يقترب من القواعد العسكرية، مضيفة أن 10 طائرات اقتربت من قاعدة حميميم، فيما توجهت 3 طائرات نحو القاعدة في طرطوس. وأشارت الوزارة إلى أن "فرق الحرب الإلكترونية تمكنت من السيطرة على 6 من تلك الأجسام، وهبطت ثلاثة منها في مناطق خارج حدود القاعدة الجوية، وانفجرت الباقية حين اصطدامها بالأرض"، موضحة أن سبع طائرات منها دمّرت من خلال نظام "بانتسر إس" المضاد للطائرات، والذي تديره وحدات الدفاع الجوي الروسي، مؤكدة أن الهجوم لم يوقع ضحايا أو أضرارًا في القواعد الروسية، وأوضحت الوزارة أن الخبراء العسكريين الروس تمكنوا، بعد فكّ رموز البيانات المسجلة على المتفجرات المثبتة على تلك الطائرات المسيّرة، من تحديد موقع إطلاق تلك الطائرات، ولفتت الوزارة إلى أنها "المرة الأولى التي ينفّذ فيها الإرهابيون هجومًا بطائرات من دون طيار، على مدى يزيد على 50 كيلومترًا، وباستخدام نظام توجيه ملاحي حديث، وأظهر الفحص التقني للطائرات أن الإرهابيين كانوا قادرين على شنّ مثل هذه الهجمات على مسافة 100 كيلومتر تقريبًا"، وألمحت إلى أن "التقنيات الهندسية التي طبقها الإرهابيون لتسيير تلك الطائرات يمكنها أن تكون قد أتت من أحد البلدان ذات القدرات التكنولوجية العالية في مجال الملاحة عبر الأقمار الصناعية، والتحكم عن بعد، والسيطرة على أجهزة متفجرة وإسقاطها وفق إحداثيات مخصصة، وقد زوّدت بقنابل مزودة بصمامات تفجير أجنبية. تعطيل معركة إدلب محاولات الاستهداف المتواصلة، سواء للقوات الروسية أو السورية، والتي تتجه فيها أصابع الاتهام بوضوح إلى إسرائيل وأمريكا، تأتي في الوقت الذي يواصل فيه الجيش السوري تقدّمه داخل الحدود الإدارية الجنوبية لمحافظة إدلب، وعلى الرغم من أن المعركة لا تزال في الطور التمهيدي، إلا أنها تثير قلق تركيا بشكل كبير، وهو القلق الذي يظهر في زيادة حشود الجيش التركي في محيط عفرين، ويدفع بأرتال جديدة نحو كفر لوسين بريف إدلب الشمالي. هذه المؤشرات دفعت بعض الخبراء إلى وضع تركيا على قائمة المتهمين باستهداف القواعد الروسية والقوات السورية كمحاولة لتعطيل عملية إدلب، فعلى الرغم من التحولات التي طرأت على العلاقات الأمريكية التركية منذ أشهر طويلة، والتي دفعت الطرفين إلى تبادل الاتهامات والملاسنات الحادة، إلا أن ذلك لا ينفي وجود تنسيق بين الطرفين في الملف السوري يسير على قدم وساق، حيث يشترك الطرفان في دعم الكثير من المجموعات المسلّحة في سوريا، حيث تندرج الكثير من فصائل "درع الفرات" المدعومة من أنقرة في لوائح برامج دعم المعارضة المعتدلة الأمريكية، وسبق لبعض هذه الفصائل أن أعلنت جاهزيتها لدخول إدلب إبان التحضيرات لدخول القوات التركية إليها، ويأتي على رأس هذه المجموعات "لواء المعتصم". دعم المسلحين.. ابحث عن أمريكا واهم من يعتقد أن أمريكا بإعلانها في 22 يوليو عام 2017 إنهاء برنامج وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، المعني بتسليح فصائل المعارضة السورية، والذي أطلقته الوكالة في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما، هي بذلك أوقفت فعليًّا دعمها للجماعات المسلحة الناشطة في سوريا بشكل نهائي، فالإعلان الأمريكي رأى فيه حينها العديد من السياسيين أنه ما هو إلا محاولة أمريكية لنفض يدها ورفع مسؤوليتها عن الفشل الذي ألم بقواتها ومخططاتها على خلفية مراهنتها لسنوات على هذه الجماعات المسلحة، وقد اتضح ذلك جليًّا خلال الأيام القليلة الماضية، حيث لا تزال واشنطن الداعم الرئيسي والأكبر للجماعات المسلحة في سوريا، ولا تزال الولاياتالمتحدة وحلفاؤها وعلى رأسهم إسرائيل وبعض الدول الخليجية يراهنون على تحقيق هذه الجماعات أي تقدم يذكر على الأرض؛ ليكون ورقة ضغط على طاولة المفاوضات، الأمر الذي يدفع أمريكا وحلفاءها إلى إطالة أمد الأزمة السورية لأقصى حد ممكن. هذا السيناريو اتضح جليًّا بعد الحديث عن زيارة قام بها وفد من المعارضة السورية المسلحة لواشنطن؛ لرسم ملامح المرحلة المقبلة، حيث تحدثت بعض التقارير الإعلامية اعتمادًا على مصادر سياسية مضطلعة عن زيارة قام بها قادة فصائل "الجيش الحر" للولايات المتحدةالأمريكية في الفترة ما بين 2 إلى 6 يناير الجاري، وعلى الرغم من أن واشنطن لم تعلن عنها أو المعارضة بشكل رسمي، إلا أنه قيل إنها جاءت لبحث سبل التعاون والتوجهات المقبلة في سوريا، حيث تنتظر الفصائل العام الحالي لاستيضاح الرؤية الأمريكية الكاملة للمرحلة المقبلة في سوريا، خاصة بعد الخسائر التي مُنيت بها هذه الفصائل سياسيًّا وعسكريًّا. وفقًا لرئيس المكتب السياسي فيما يسمى "لواء المعتصم" مصطفى سيجري، فإن هذه الزيارة تبحث "إنهاء الانتشار الإيراني على الأراضي السورية، والذي كان محط خلاف خلال الفترة الماضية، ونوقش في أكثر من جلسة رسمية على الصعيد الدولي"، وأكد رئيس المكتب السياسي في لواء "المعتصم" أنه "سيكون هناك تغيرات مهمة"، مشيرًا إلى أنه "لن نقف مكتوفي الأيدي أمام الغطرسة الروسية والإرهاب الإيراني الذي يتعرض له شعبنا"، وفق تصريحات "سيجري"، وأوضح في تغريدة نشرها رئيس المكتب السياسي في لواء "المعتصم" في الخامس من الشهر الجاري: "إن شاء الله وجودنا في واشنطن لن يكون فقط سببًا في إنهاء سيطرة ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردي على مناطقنا، بل سيكون بداية النهاية للوجود الإيراني على أرضنا، وإفشال مؤتمر الخيانة في سوتشي". الجدير بالذكر أن هذه الزيارة التي أثارت تساؤلات حول تناقض الاستراتيجية الأمريكية في تعاملها مع سوريا، فتارة توقف برامج دعمها للمسلحين، وتارة أخرى تستضيفهم على أراضيها للتنسيق، تأتي بعد أشهر قليلة من الحديث الذي نسب لوكالة الاستخبارات الأمريكية، في إبريل عام 2017، والذي يدور حول مطالبات واشنطن بتوحيد ما تسميه "فصائل الجيش الحر المعتدلة"، لإعادة الدعم الأمريكي العسكري واللوجستي والمالي لها، إضافة إلى ضرورة مواجهة التشكيلات التي تضعها واشنطن على قائمة الإرهاب وفي مقدمتها "تحرير الشام".