بالأرقام، علي النقيطي يتصدر الحصر العددي في بلبيس ب 87,383 صوتا    الحصر العددي لدائرة بلقاس في محافظة الدقهلية    محمد منير يشعل تريند جوجل ب«مكاني».. أغنية الوحدة العربية تتوّج ختام كأس العرب 2025    رئيس إدارة المديريات الزراعية: صرف الأسمدة سيضم 6 محافظات بموسم الصيف المقبل    «مطروح للنقاش».. إعادة هيكلة الجيش الأمريكي وتغييرات البث الرقمي    أسعار الذهب اليوم الجمعة 19 ديسمبر في بداية التعاملات    عبد المنعم سعيد: الإعلان عن اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والسودان هو تفعيل لها    مصطفى بكري: أناشد الرئيس السيسي تخفيف الأعباء عن الغلابة والطبقة المتوسطة.. الأسعار هارية الناس    العليا للتفتيش الأمني والبيئي تتابع إجراءات تشغيل البالون الطائر بالأقصر    مستشار الرئيس للصحة: لا يوجد وباء والوضع لا يدعو للقلق.. والمصاب بالإنفلونزا يقعد في البيت 3 أو 4 أيام    واشنطن تفرض عقوبات على سفن وشركات شحن مرتبطة بإيران    اجتماع رفيع المستوى في ميامي.. ويتكوف يلتقي الوسطاء لبحث ملف غزة    اللجنة العامة للدائرة الثالثة بالإسماعيلية تعلن نتيجة الحصر العددي للناخبين    الحصر العددي للدقهلية: تقدم عبدالسلام وأبو وردة والجندي ومأمون وشرعان    سامح مهران يحمل رسالة اليوم العربي للمسرح في يناير 2026    اللجنة العامة ببنها تعلن الحصر العددي لجولة الإعادة بانتخابات النواب 2025    انفجارات في أوريول.. أوكرانيا تستهدف محطة كهرباء روسية    بعد جدل أمني، تيك توك تبيع أصولها في أمريكا    اللجنة العامة للدائرة الثالثة بالإسماعيلية تعلن نتيجة الحصر العددي للناخبين    بالأرقام، الحصر العددي للدائرة الثامنة بميت غمر    بناء القدرات في تحليل وتصميم نماذج العواصف الرملية والترابية بالشرق الأوسط    نجاة الفنان وائل كفوري من حادث طائرة خاصة.. اعرف التفاصيل    سفير مصر في المغرب يكشف تفاصيل معسكر منتخب مصر قبل كأس الأمم    فوز «حسن عمار» في جولة الإعادة بالدائرة الأولى ب انتخابات مجلس النواب ببورسعيد    كأس عاصمة مصر - إبراهيم محمد حكم مباراة الزمالك ضد حرس الحدود    أمم إفريقيا - منتخب مصر يخوض مرانه الأول في المغرب    مؤشرات أولية طبقا للحصر العددي، محمد زهران مرشح الغلابة يقترب من خسارة الانتخابات    تركي آل الشيخ ينفي مشاركة موسم الرياض في إنتاج فيلم «الست»    وكيل فرجاني ساسي يصدم الزمالك: سداد المستحقات أو استمرار إيقاف القيد    (اشتباكات الإسماعيلية) إهانات بين الكعب الأعلى: جيش أم شرطة؟.. وناشطون: طرفان في المحسوبية سواء    جوتيريش يدعو إلى توظيف الهجرة لدعم التنمية المستدامة وتعزيز التضامن الإنساني    محمد موسى عن واقعة نبش قبر فتاة: جريمة تهز الضمير قبل القانون    «لم يصلوا أبداً».. حكاية 7 أشخاص احترقت بهم السيارة قبل أن تكتمل الرحلة بالفيوم    رحلة التزوير تنتهي خلف القضبان.. المشدد 10 سنوات ل معلم صناعي بشبرا الخيمة    أكسيوس: تيك توك توقع اتفاقية لبيع عملياتها فى أمريكا إلى تحالف استثمارى أمريكى    فلسطين.. قصف مدفعي إسرائيلي يستهدف جباليا شمال قطاع غزة    ترامب يدعو أوكرانيا إلى التحرك سريعا لإنهاء الحرب    كونتي: هويلوند يمتلك مستقبلا واعدا.. ولهذا السبب نعاني في الموسم الحالي    الزمالك يهنئ بنتايج والشعب المغربى بالتتويج ببطولة كأس العرب    مش فيلم.. دي حقيقة ! شاب مصري يصنع سيارة فوق سطح منزله مع "فتحى شو"    أزهر اللغة العربية    بميزانية تتجاوز 400 مليون دولار وب3 ساعات كاملة.. بدء عرض الجزء الثالث من «أفاتار: نار ورماد»    مصطفى بكري: الطبقة المتوسطة بتدوب يجب أن تأخذ حقها.. وننقد حرصا على هذا البلد واستقراره    فرنسا تعلن تنظيم مؤتمر دولي في فبراير لدعم الجيش اللبناني    رئيس الوزراء يرد على أسئلة الشارع حول الدين العام (إنفوجراف)    رئيس غرفة البترول: مصر تستهدف تعظيم القيمة المضافة لقطاع التعدين    هل يرى المستخير رؤيا بعد صلاة الاستخارة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل عليَّ إثم لو لم أتزوج؟.. أمين الفتوى يجيب أحد ذوي الهمم    الحصر العددى فى دائرة حدائق القبة يكشف تقدم المرشح سعيد الوسيمى ب7192 صوتًا    الداخلية تكشف تفاصيل واقعة إلقاء مادة حارقة على 3 طلاب بالقليوبية    سنن يوم الجمعة: آداب وأعمال مستحبة في خير أيام الأسبوع    اللجنة العليا للتفتيش الأمني والبيئي تتفقد مطار الأقصر (صور)    وزير الأوقاف يكرم عامل مسجد بمكافأة مالية لحصوله على درجة الماجستير    محافظ الدقهلية يكرم أبناء المحافظة الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    المستشفيات التعليمية تناقش مستجدات طب وجراحة العيون في مؤتمر المعهد التذكاري للرمد    قبل صافرة البداية بساعات.. بث مباشر مباراة السعودية والإمارات في كأس العرب 2025 وكل ما تريد معرفته عن القنوات والتوقيت وطرق المشاهدة    الأردن يواجه المغرب في نهائي كأس العرب 2025.. كل ما تحتاج لمعرفته عن البث المباشر والقنوات وطرق المشاهدة أونلاين    وزير الصحة: الذكاء الاصطناعى داعم لأطباء الأشعة وليس بديلًا عنهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حاتم حافظ : في المسألة القبطية
نشر في البديل يوم 04 - 11 - 2010

“أبناء الفراعنة المحدثون”.. واحد من الكتب التي يمتن المرء لأن المصادفة أوقعته في طريقه فقرأها. الكتاب الذي ذُيّل عنوانه بعنوان فرعي “دراسة لأخلاق أقباط مصر وعاداتهم” كتبه إس إتش ليدر، وهو كاتب انجليزي قُدّر له أن يعيش في مصر في بدايات القرن الماضي، وهو على اهتمامه بالتاريخ المصري والقبطي بشكل خاص كان فيما يبدو من الكتاب مهتما بجدية وإخلاص شديدين بفهم المصريين على النحو الذي هم عليه وقتها وليس على النحو الذي صاغه المستشرقون. لهذا فجنبا إلى جنب الملاحظات العديدة التي يُعلق بها ليدر على طبائع المصري وهي طبائع فيما يبدو متوارثة عن الجدود المخضرمين في التاريخ، نجده مهتما بفهم المسألة القبطية في تاريخيتها، أي في ظرفها التاريخي والاجتماعي. وهو يفعل ذلك بموضوعية شديدة لا تتجاوز فحسب الأفكار التي أمكن النظر إليها باعتبارها الحقيقة، بل إنها أيضا تتجاوز الخطاب الرسمي لبني جنسه من الإنجليز الذين كانوا حتى ذلك الوقت يضعون مصر تحت حمايتهم الاستعمارية.
الملفت للنظر أن ليدر يُدين السياسة الاستعمارية الإنجليزية بشدة ويُحمّلها مسئولية ما أسماه “الصدع بين المسلم والقبطي”. ورغم أنه في أماكن عديدة من الكتاب يُصر على التأكيد على نفي أي من الأكاذيب التي كان يُروّجها الكُتاب الغربيين عن الفتنة الطائفية بين عنصري الأمة فإنه يؤكد أن بذرة الطائفية قد وَجَدت من دسها في التربة المصرية بإيعاز من الإحتلال في بعض الأحيان أو من خلال الإحتلال نفسه في أحيان كثيرة. فهو بينما يؤكد مرارا وتكرارا على التقدير الذي يُكنه المسلمون لرجال الدين المسيحي والأعياد المسيحية بل وللمقدسات المسيحية نفسها، فإنه يؤكد أيضا أن الإنجليز قد تعاملوا مع أقباط مصر ليس بحذر فقط وإنما بسوء ظن كذلك، مشيرا إلى اعتقاد القائمين على الإحتلال أنهم بمجاملة المسلمين سوف يُسهّلون على أنفسهم مهمتهم في مصر، مشيرا أيضا أن أقباط مصر كانوا منذ محمد علي شركاء في المناصب العليا في الدولة المصرية الحديثة، وهو ما أنهى الإحتلال استمراره.
يُعلق ليدر على سياسة “فرق تسد” التي وضعها الإنجليز (مستثنيا فترة اللورد كرومر)، والتي دعّمها الكتاب الغربيون الذين غذّوا لدى الأقباط أفكارا من قبيل “إن العربي غاز في مصر” و”إن المصريين الحقيقيين هم الأقباط المسيحيين” وهو ما أسماه بإحياء “كراهية المسلمين بالتركيز على الماضي”. فيما استعار شهادة كرومر نفسه في كتابه “مصر المعاصرة” والتي قال فيها “إن الفرق الوحيد بين المسلم والقبطي أن المسلم مصري يتعبّد في الجامع والقبطي مصري يتعبّد في الكنيسة”.
والحقيقة أن المرء ليشعر بالمرار بينما يقرأ الفقرات التي كان يشير فيها ليدر لعمق العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، هذا العمق الذي أزال أي حرج عن قيام مسلمين ببناء كنائس وعن تطوع أقباط لبناء مساجد، والذي دفع المسلمين لاستجداء البركة من أحد القساوسة لأنه بتعبير مصري مسلم رجل طيب!. بل إني لأشعر بقدر الحماقة التي وصلنا إليها حين أقرأ أنه في عام 1808 اجتمع رجال الدين الإسلامي ورجال الدين من الكنيسة القبطية والكنائس الشرقية الأخرى مع الحاخامات اليهود في جامع عمرو بن العاص مشتركين في صلاة جماعية لاستعادة فيضان النيل الذي تأخر عن موعده، رافعون أصواتهم بالصلاة مصرية الأصل “كيرياليسون” جنبا إلى جنب “الله أكبر”، في وقت لم يكن هناك حرج لمسلم أو لقبطي في اعتبار أن الله واحد ولكنه يُعبد بصور متعددة.
طبعا لن تمحو كل هذه المواقف التي يوردها ليدر سنوات الاضطهاد التي شهدها أقباط مصر، حين مُنعوا من استخدام أجراسهم في كنائسهم وفُرض عليهم ارتداء الألوان الداكنة، وأشياء أخرى يشعر الإنسان بالخزي لمجرد أن أسلافه قد فكروا فيها. ولكن ما يعنيني هنا التاريخ المعاصر للمسألة القبطية، الذي يبدو أن الاستعمار الإنجليزي كان فاعلا أصيلا وأساسيا في صناعته، يقول ليدر “يعود تاريخ الصدع بين المسلم والقبطي إلى فترة الاحتلال فحسب، فالطائفتان ليس بينهما عداوة فطرية أو متأصلة وهو ما أثبته التاريخ مرارا وتكرارا” ويضيف “يشكو الأقباط من الاحتقار الذي تعاملهم به الطبقات الرسمية الإنجليزية، ومن نفاد صبر أبناء بلدهم المسلمين، ويبدون عاجزين تماما عن تصور أنهم مسئولون إلى حد كبير عن عدم الثقة التي أوصلتهم إلى هذه النتيجة”. فيبدو أن الأقباط كانوا وما زالوا في رأيي نتيجة لعصور من الإضطهاد من جهة ولتكريس فكرة التفوق التي قام بها المستشرقون من جهة ثانية يتعاملون مع الآخر بحذر شديد وبعدم ثقة مبالغ فيه، لدرجة أنهم تبعا لليدر لا يقولون الحقيقة مطلقا في كل الحالات، مفضلين إخفاء الحقيقة بل وإخفاء أنفسهم أيضا، وهو ما يمكن ملاحظته الآن من تضارب أرقام التعداد الخاص بهم أو في الانعزالية التي تسم معظمهم.
ليست كل هذه ذرائع بالطبع للمسألة القبطية في وضعها الحالي والتي لم تتحسن كثيرا عن فترة الاحتلال إن لم يكن نظام يوليو ما بعد 1970 قد زادها سوءا، ولكنها إضاءة لمسألتين أراهما في غاية الأهمية، المسألة الأولى تتعلق بإعادة النظر في جذر الصدع بين المسلم والقبطي واستعادة التدين المصري التلقائي الذي صاغ نسختي المسيحية والإسلام فجعلهما قبطيتين أي مصريتين بشرطه الحضاري، والمسألة الثانية تتعلق بما أسميته في مقال سابق “نظرية الدائرة المغلقة” التي يصر الأقباط على إخفاء أنفسهم فيها وبها منعزلين طواعية عن الانفتاح على العمل العام والشأن السياسي مفضلين بالطبع الموقف الرسمي للكنيسة على تبني وجهات نظر علمانية فردية بعيدا عن الكنيسة وعن الانتماء الطائفي أيضا.
وأخيرا فإن الأكثر لفتا للنظر في الكتاب هو هذا الوعي الشديد من طرف ليدر بما يمكن أن يكون علاجا ليس فحسب للمسألة القبطية أو للمسألة الطائفية في مصر وإنما للمسألة المصرية ككل، يقول ليدر “إذا ظهر في مصر في يوم من الأيام الرجل القوي الذي لديه طموحات لتحقيق النهضة الروحية للأمة، دون اهتمام خاص بأي من الإسلام أو المسيحية، فمن المتوقع أن يصحح هذا الرجل بكل ثقة وضع الشعب القبطي” بل إن ليدر يبدو في بدايات القرن العشرين وقبل عام واحد من ثورة 1919 شديد التفاؤل إذ يُنهي كتابه قائلا “إني على ثقة وأؤمن باقتناع شديد بأن كلا من الطموح والرجل سوف يأتي، عندما يحين الوقت. ويرى الذين يعرفون شيئا عن روح مصر أن هناك دلائل كثيرة تبشر بهذا المحصول النادر الذي سيحصد في أوانه”. فهل يأتي هذا الرجل أم أن الطموح لم يكف بعد؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.