توزيع الهدايا وكروت تهنئة باسم «الرئيس السيسي» على المواطنين بكفر الشيخ    محافظ الدقهلية يستقل أولى رحلات الأتوبيس النهري بالمنصورة    حالة من الاستقرار في أسعار اللحوم الحمراء بالأسواق أول أيام عيد الأضحى المبارك    السياحة تشكل غرفة عمليات لتلقي الشكاوى خلال إجازة عيد الأضحى    منافذ التموين تواصل صرف المقررات في أول أيام عيد الأضحى    عملية نوعية في خان يونس تسفر عن مقتل 5 عناصر من جيش الاحتلال    قرار تاريخي.. اعتماد فلسطين عضو مراقب بمنظمة العمل الدولية باكتساح    المستشار الألماني: لا تتحدثوا عن ترامب بتعالٍ واستهجان    موعد سفر زيزو إلى أمريكا استعدادًا للانضمام لمعسكر الأهلي    الأطفال يقفزون في بحيرة الحديقة اليابانية هربًا من الحر في أول أيام عيد الأضحى (صور)    بالصور.. روبوتات نواف ونورة ترحب بحجاج ال5 نجوم في مشعر منى    مراسلة "القاهرة الإخبارية": المصريون يقبلون على الحدائق العامة للاحتفال بعيد الأضحى    الوطنية للإعلام تنعى الإذاعية الراحلة هدى العجيمي    النجم العالمي جيمي فوكس يشارك في إنتاج فيلم happy birthday ل نيللى كريم    رئيس الرعاية الصحية يواصل جولاته لمتابعة تنفيذ خطة التأمين الطبي خلال العيد    طريقة تنظيف الممبار وتقديمه فى أيام العيد    صحة الأقصر تتابع سير أعمال مستشفى الحميات فى أول أيام اجازة العيد    جبر الخواطر.. محافظ القليوبية يشارك الأيتام فرحة عيد الأضحى ويقدم لهم الهدايا    الهلال الأحمر المصري يشارك في تأمين احتفالات عيد الأضحى    نيوم السعودي يستهدف ضم الجزائري رياض محرز فى الميركاتو الصيفى    أهالى بنى سويف يلتقطون الصور السيلفى مع المحافظ بالممشى السياحي أول أيام عيد الأضحى المبارك    خاف من نظرات عينيه وبكى بسبب أدائه.. هكذا تحدث يوسف شاهين عن المليجى    محافظ الدقهلية يزور دار المساعى للأيتام بالمنصورة: "جئنا نشارككم فرحة العيد"    رسائل تهنئة عيد الأضحى 2025 مكتوبة وجديدة للأهل والأصدقاء    وفاه الملحن الشاب محمد كرارة وحالة من الحزن بين زملائه ومحبيه    حكم من فاتته صلاة عيد الأضحى.. دار الإفتاء توضح التفاصيل    جوزيه بيسيرو يهنئ الزمالك بعد الفوز بلقب كأس مصر    رسميا.. اعتماد فلسطين عضو مراقب بمنظمة العمل الدولية    تحالف الأحزاب عن القائمة الوطنية ل انتخابات مجلس الشيوخ: اجتهادية    نانسي نور تغني لزوجها تامر عاشور في برنامج "معكم منى الشاذلي"|فيديو    محافظ القليوبية يتفقد حدائق القناطر الخيرية    حبس المتهم بقتل شاب يوم وقفة عيد الأضحى بقرية قرنفيل في القليوبية    محافظ دمياط يحتفل بمبادرة العيد أحلى بمركز شباب شط الملح    إيطاليا تلتقي النرويج في مباراة حاسمة بتصفيات كأس العالم 2026    لا تكدر صفو العيد بالمرض.. نصائح للتعامل مع اللحوم النيئة    ماذا يحث عند تناول الأطفال لحم الضأن؟    محافظ الشرقية يلتقط صور تذكارية مع الاطفال بمسجد الزراعة بعد أداء صلاة العيد    روسيا: إسقاط 174 مُسيرة أوكرانية فيما يتبادل الجانبان القصف الثقيل    أحمد العوضى يحتفل بعيد الأضحى مع أهل منطقته في عين شمس ويذبح الأضحية    الونش: الزمالك قادر على تحقيق بطولات بأي عناصر موجودة في الملعب    إقبال ملحوظ على مجازر القاهرة في أول أيام عيد الأضحى المبارك    وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد لبنان: لا استقرار دون أمن لإسرائيل    سرايا القدس تعلن تفجير آلية عسكرية إسرائيلية بعبوة شديدة الانفجار في خان يونس    وسط أجواء احتفالية.. الآلاف يؤدون صلاة العيد في الإسكندرية    خطيب عيد الأضحى من مسجد مصر الكبير: حب الوطن من أعظم مقاصد الإيمان    بالصور.. محافظ الجيزة يقدّم التهنئة لأطفال دار رعاية الأورمان بالجيزة    تعرف على سعر الدولار فى البنوك المصرية اليوم الجمعه 6-6-2025    محافظ جنوب سيناء يؤدي صلاة العيد بشرم الشيخ ويوزع عيديات على الأطفال    فرحة العيد تملأ مسجد عمرو بن العاص.. تكبيرات وبهجة فى قلب القاهرة التاريخية    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد ناصر الكبير.. صور    مدح وإنشاد ديني بساحة الشيخ أحمد مرتضى بالأقصر احتفالا بعيد الأضحى    عاجل - موضوع خطبة الجمعة.. ماذا يتحدث الأئمة في يوم عيد الأضحى؟    الرئيس السيسي يشهد صلاة عيد الأضحى من مسجد مصر بالعاصمة الإدارية| صور    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك للرجال والنساء في العيد (تعرف عليها)    «ظلمني وطلب مني هذا الطلب».. أفشة يفتح النار على كولر    بالفيديو.. استقبال خاص من لاعبي الأهلي للصفقات الجديدة    «3 لاعبين استكملوا مباراة بيراميدز رغم الإصابة».. طبيب الزمالك يكشف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حاتم حافظ : في المسألة القبطية
نشر في البديل يوم 04 - 11 - 2010

“أبناء الفراعنة المحدثون”.. واحد من الكتب التي يمتن المرء لأن المصادفة أوقعته في طريقه فقرأها. الكتاب الذي ذُيّل عنوانه بعنوان فرعي “دراسة لأخلاق أقباط مصر وعاداتهم” كتبه إس إتش ليدر، وهو كاتب انجليزي قُدّر له أن يعيش في مصر في بدايات القرن الماضي، وهو على اهتمامه بالتاريخ المصري والقبطي بشكل خاص كان فيما يبدو من الكتاب مهتما بجدية وإخلاص شديدين بفهم المصريين على النحو الذي هم عليه وقتها وليس على النحو الذي صاغه المستشرقون. لهذا فجنبا إلى جنب الملاحظات العديدة التي يُعلق بها ليدر على طبائع المصري وهي طبائع فيما يبدو متوارثة عن الجدود المخضرمين في التاريخ، نجده مهتما بفهم المسألة القبطية في تاريخيتها، أي في ظرفها التاريخي والاجتماعي. وهو يفعل ذلك بموضوعية شديدة لا تتجاوز فحسب الأفكار التي أمكن النظر إليها باعتبارها الحقيقة، بل إنها أيضا تتجاوز الخطاب الرسمي لبني جنسه من الإنجليز الذين كانوا حتى ذلك الوقت يضعون مصر تحت حمايتهم الاستعمارية.
الملفت للنظر أن ليدر يُدين السياسة الاستعمارية الإنجليزية بشدة ويُحمّلها مسئولية ما أسماه “الصدع بين المسلم والقبطي”. ورغم أنه في أماكن عديدة من الكتاب يُصر على التأكيد على نفي أي من الأكاذيب التي كان يُروّجها الكُتاب الغربيين عن الفتنة الطائفية بين عنصري الأمة فإنه يؤكد أن بذرة الطائفية قد وَجَدت من دسها في التربة المصرية بإيعاز من الإحتلال في بعض الأحيان أو من خلال الإحتلال نفسه في أحيان كثيرة. فهو بينما يؤكد مرارا وتكرارا على التقدير الذي يُكنه المسلمون لرجال الدين المسيحي والأعياد المسيحية بل وللمقدسات المسيحية نفسها، فإنه يؤكد أيضا أن الإنجليز قد تعاملوا مع أقباط مصر ليس بحذر فقط وإنما بسوء ظن كذلك، مشيرا إلى اعتقاد القائمين على الإحتلال أنهم بمجاملة المسلمين سوف يُسهّلون على أنفسهم مهمتهم في مصر، مشيرا أيضا أن أقباط مصر كانوا منذ محمد علي شركاء في المناصب العليا في الدولة المصرية الحديثة، وهو ما أنهى الإحتلال استمراره.
يُعلق ليدر على سياسة “فرق تسد” التي وضعها الإنجليز (مستثنيا فترة اللورد كرومر)، والتي دعّمها الكتاب الغربيون الذين غذّوا لدى الأقباط أفكارا من قبيل “إن العربي غاز في مصر” و”إن المصريين الحقيقيين هم الأقباط المسيحيين” وهو ما أسماه بإحياء “كراهية المسلمين بالتركيز على الماضي”. فيما استعار شهادة كرومر نفسه في كتابه “مصر المعاصرة” والتي قال فيها “إن الفرق الوحيد بين المسلم والقبطي أن المسلم مصري يتعبّد في الجامع والقبطي مصري يتعبّد في الكنيسة”.
والحقيقة أن المرء ليشعر بالمرار بينما يقرأ الفقرات التي كان يشير فيها ليدر لعمق العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، هذا العمق الذي أزال أي حرج عن قيام مسلمين ببناء كنائس وعن تطوع أقباط لبناء مساجد، والذي دفع المسلمين لاستجداء البركة من أحد القساوسة لأنه بتعبير مصري مسلم رجل طيب!. بل إني لأشعر بقدر الحماقة التي وصلنا إليها حين أقرأ أنه في عام 1808 اجتمع رجال الدين الإسلامي ورجال الدين من الكنيسة القبطية والكنائس الشرقية الأخرى مع الحاخامات اليهود في جامع عمرو بن العاص مشتركين في صلاة جماعية لاستعادة فيضان النيل الذي تأخر عن موعده، رافعون أصواتهم بالصلاة مصرية الأصل “كيرياليسون” جنبا إلى جنب “الله أكبر”، في وقت لم يكن هناك حرج لمسلم أو لقبطي في اعتبار أن الله واحد ولكنه يُعبد بصور متعددة.
طبعا لن تمحو كل هذه المواقف التي يوردها ليدر سنوات الاضطهاد التي شهدها أقباط مصر، حين مُنعوا من استخدام أجراسهم في كنائسهم وفُرض عليهم ارتداء الألوان الداكنة، وأشياء أخرى يشعر الإنسان بالخزي لمجرد أن أسلافه قد فكروا فيها. ولكن ما يعنيني هنا التاريخ المعاصر للمسألة القبطية، الذي يبدو أن الاستعمار الإنجليزي كان فاعلا أصيلا وأساسيا في صناعته، يقول ليدر “يعود تاريخ الصدع بين المسلم والقبطي إلى فترة الاحتلال فحسب، فالطائفتان ليس بينهما عداوة فطرية أو متأصلة وهو ما أثبته التاريخ مرارا وتكرارا” ويضيف “يشكو الأقباط من الاحتقار الذي تعاملهم به الطبقات الرسمية الإنجليزية، ومن نفاد صبر أبناء بلدهم المسلمين، ويبدون عاجزين تماما عن تصور أنهم مسئولون إلى حد كبير عن عدم الثقة التي أوصلتهم إلى هذه النتيجة”. فيبدو أن الأقباط كانوا وما زالوا في رأيي نتيجة لعصور من الإضطهاد من جهة ولتكريس فكرة التفوق التي قام بها المستشرقون من جهة ثانية يتعاملون مع الآخر بحذر شديد وبعدم ثقة مبالغ فيه، لدرجة أنهم تبعا لليدر لا يقولون الحقيقة مطلقا في كل الحالات، مفضلين إخفاء الحقيقة بل وإخفاء أنفسهم أيضا، وهو ما يمكن ملاحظته الآن من تضارب أرقام التعداد الخاص بهم أو في الانعزالية التي تسم معظمهم.
ليست كل هذه ذرائع بالطبع للمسألة القبطية في وضعها الحالي والتي لم تتحسن كثيرا عن فترة الاحتلال إن لم يكن نظام يوليو ما بعد 1970 قد زادها سوءا، ولكنها إضاءة لمسألتين أراهما في غاية الأهمية، المسألة الأولى تتعلق بإعادة النظر في جذر الصدع بين المسلم والقبطي واستعادة التدين المصري التلقائي الذي صاغ نسختي المسيحية والإسلام فجعلهما قبطيتين أي مصريتين بشرطه الحضاري، والمسألة الثانية تتعلق بما أسميته في مقال سابق “نظرية الدائرة المغلقة” التي يصر الأقباط على إخفاء أنفسهم فيها وبها منعزلين طواعية عن الانفتاح على العمل العام والشأن السياسي مفضلين بالطبع الموقف الرسمي للكنيسة على تبني وجهات نظر علمانية فردية بعيدا عن الكنيسة وعن الانتماء الطائفي أيضا.
وأخيرا فإن الأكثر لفتا للنظر في الكتاب هو هذا الوعي الشديد من طرف ليدر بما يمكن أن يكون علاجا ليس فحسب للمسألة القبطية أو للمسألة الطائفية في مصر وإنما للمسألة المصرية ككل، يقول ليدر “إذا ظهر في مصر في يوم من الأيام الرجل القوي الذي لديه طموحات لتحقيق النهضة الروحية للأمة، دون اهتمام خاص بأي من الإسلام أو المسيحية، فمن المتوقع أن يصحح هذا الرجل بكل ثقة وضع الشعب القبطي” بل إن ليدر يبدو في بدايات القرن العشرين وقبل عام واحد من ثورة 1919 شديد التفاؤل إذ يُنهي كتابه قائلا “إني على ثقة وأؤمن باقتناع شديد بأن كلا من الطموح والرجل سوف يأتي، عندما يحين الوقت. ويرى الذين يعرفون شيئا عن روح مصر أن هناك دلائل كثيرة تبشر بهذا المحصول النادر الذي سيحصد في أوانه”. فهل يأتي هذا الرجل أم أن الطموح لم يكف بعد؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.