مازالت أعمال إنشاء المشروعات السياحية الكبرى بمحافظات الصعيد تتم بأياد مرتعشة، يضربها البطء الشديد، وسط اتهامات بضعف التمويل من الجهات المختلفة، لتظل كنوز الأجداد حبيسة الأدراج والأرفف، وتأكلها عوامل الجو من حين لآخر لافتقادنا أساليب الحفظ السليمة. متحفان يقعان بمحافظتين في الصعيد يشهدان على الإهمال الكبير الذي يشهده قطاع الآثار المصري خاصة في تشييد المتاحف، ورغم صرف مئات الملايين من الجنيهات فإنها لم تدخل المرحلة الأخيرة وهي مرحلة الاستعداد لاستقبال ووضع الآثار بها وتشغيلها لبدء حصد ثمار ما أنفق عليها طوال سنوات عديدة، وهما متحف سوهاج القومي، والمتحف الآتوني بالمنيا، حيث يعدان من أكبر المتاحف التي يجرى إنشاؤهما منذ عشرات السنين، وفي حين استغرق إنشاء الهرم الأكبر 20 عامًا، تجاوزت فترة إنشاء الأول 35 عامًا، والآخر اقترب من عامه الخامس عشر، ومازالا في فترة الإنشاء. إبراهيم الشريف، مدير عام متحف سوهاج القومي، قال إن المتحف أنشئ على مساحة جاوزت 5 آلاف متر، وبدأت أعمال إنشائه منذ ثمانينيات القرن الماضي على الجانب الشرقي من كورنيش النيل، حيث تم وضع حجر أساسه في عام 1980، وظل متوقفا عدة سنوات قاربت العشر سنوات، لعدة أسباب أبرزها عدم قدرة الحكومة على توفير مبلغ 30 مليون جنيه من جانب، والاختلاف على موقع المتحف من جانب آخر. وأضاف الشريف، أن الهدف من إنشاء المتحف هو خروج آلاف القطع الأثرية القيمة من المخازن وعرضها، ما ينعكس على المحافظة والدولة ككل في تنشيط السياحة، خاصة السياحة الداخلية، حيث المستهدف أن يحوي المتحف 3 آلاف تمثال وقطعة أثرية تقريبا، متنوعة من كافة العصور الفرعونية واليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية، وتمثال الإله "سخمت" بطول مترين، وأيضا تمثال للملك "نخت مين" حاكم مدينة أخميم في الدولة القديمة المصنوع من الجرانيت. وأوضح الشريف، أن المتحف مكون من بدروم يشمل قاعات لعرض القطع الأثرية ومكاتب إدارية ومكتبة ودور أرضي يشمل 6 قاعات عرض وقاعة لكبار الزوار ومرسى على النيل، وأن الفاترينات المخصصة لعرض القطع الأثرية بالمتحف قد وصلت بالفعل من الخارج، ومن المقرر أن يتم التشغيل خلال أشهر قليلة قادمة. من جانبه، أعلن الدكتور أيمن عبدالمنعم، محافظ سوهاج، افتتاح متحف سوهاج القومي في أبريل المقبل، خلال الاحتفال بعيد سوهاج القومي، ووعد بسرعة إنهاء كافة الإجراءات اللازمة لخروج لمتحف إلى النور، ليضم القطع الأثرية المتنوعه، مشددا على عدم السماح لأي جهة بالتعطيل مرة أخرى بعد معاناة تخطت 30 عامًا. لم تختلف الأوضاع كثيرًا في متحف "إخناتون" بالمنيا، أو كما يطلق عليه المتحف الآتوني، الذي جاءت فكرة إنشائه من خلال اتفاقية التآخي بين محافظة المنيا ومدينة "هيلدزهايم" الألمانية ومتحف برلين، مع بداية 2004، ليصبح المتحف منارة ثقافية في محافظات الصعيد، ويوثق لفترة من أهم فترات حكم مصر للملك إخناتون، التي قضى فيها ما يقرب من 17 عامًا بمنطقة تل العمارنة ضمن دعوته الأولى لتوحيد الآلهه، برفقة زوجته الملكة نفرتيتي. ورغم أن ما أنفق على المتحف منذ بدء إنشاءاته في عام 2004 وحتى الآن تخطى ال120 مليون جنيه، إلى أنه مازال يحتاج لعشرات الملايين لاستكمال أعماله التي تعطلت بعد ثورة 25 يناير عام 2011، في ظل سعي وزير الآثار خالد العناني للحصول على قيمة 10 ملايين يورو كان قد وعد الجانب الألماني بمنحها للمتحف خلال زيارة وفد للمنيا في العام الماضي، ولم تتسلمها المحافظة حتى الآن دون إبداء أسباب. ويقام المتحف الإخناتوني بالمنيا على مساحة 25 فدانا وتبلغ مساحة المبنى الرئيسي 5 آلاف متر تقريبًا على شكل مثلثات تجاورها مجموعة من البازارات، ويضم مركزا لترميم الآثار هو الأكبر على مستوى الصعيد. وقال الدكتور أحمد حميدة، مدير المتحف الإخناتوني، إن المتحف يعد ثالث أكبر متاحف الجمهورية، بعد متحفي "الحضارة" و"المصري الكبير"، ويضم المبنى الرئيسي 16 صالة عرض متحفي ومكتبة ومسرحا للمؤتمرات، وبمحيطه مركز لترميم الآثار، و19 بازارا، وسيضم في صالة الدور الأول مقتنيات أثرية لكافة العصور التاريخية، وتحتل محافظة المنيا في كل منها مكانة كبيرة في التاريخ المصري، خاصة من مقتنيات الملك "إخناتون" التي عُثر عليها في مقبرة الملك، وهي الآن موجودة في المتحف المصري، والأقصر، ومخازن الأشمونين، إذ تتمثل في تماثيل ولوحات هامة للملك الذي كان يدعو لعبادة الشمس، كأول موحد للآلهة، وحاشيته الملكية والملكة نفرتيتي. وأكد حميدة، أن تأخر الدفعة الأخيرة من منحة الجانب الألماني هو السبب الرئيسي في توقف استكمال أعمال الإنشاءات اللازمة بالمتحف، وأن وزير الآثار يبذل قصارى جهده لإتمام استلام باقي الأموال المتفق عليها.