ما زالت علاقة مصر بصندوق النقد الدولي تثير كثيرًا من الجدل، خاصة أنها تسبب انعكاسات سلبية على الشعب المصري، فضلاً عن أن اسم صندوق النقد الدولي يرتبط في أذهان الشعب المصري برفض تمويل مشروع السد العالي والمشروعات الإنتاجية في عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ولكن الحكومات المصرية تصر على أن تتعامل معه. المحطة الأولى على الرغم من أن مصر انضمت لعضوية صندوق النقد الدولي في ديسمبر 1945، بحصة في الصندوق بلغت حوالي 1.5 مليار دولار، إلا أنها لم تعقد أي اتفاق مع الصندوق إلا في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، حيث إنه بعد وفاة جمال عبد الناصر وتولى السادات الحكم اتفقت مصر مع صندوق النقد الدولي لأول مرة في تاريخها على اقتراض 185.7 مليون دولار. الهدف من الاقتراض كان حل أزمتي المدفوعات الخارجية المتأخرة وزيادة التضخم في تلك الفترة، وتم عقد اتفاقية بين الحكومة المصرية وصندوق النقد، وعلى أثرها اتخذت الحكومة قرارات اقتصادية، وصفت بالضرورة، ساهمت في زيادة أسعار السلع الأساسية، وهو ما أدى إلى خروج المصريين في مظاهرات 18 و 19 يناير 1977 التي عرفت بانتفاضة الخبز، والتي تضمنت هتافات "لن يحكمنا النقد الدولي، لن يحكمنا الاستثمار، آدي شروط البنك الدولي جوع ومذلة وغلاء أسعار". وعلى أثر هذه الانتفاضة، التي شهدتها البلاد في تلك الفترة، اضطرت الحكومة المصرية إلى التراجع عن الاقتراض؛ من أجل منع انزلاق البلاد إلى وضع سيئ على الأصعدة كافة، فضلاً عن وجود رفض شعبي واسع لشروط صندوق النقد الدولي وتبعات الاقتراض منه. المحطة الثانية كانت المرة الثانية التي سعت فيها مصر إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي في عهد المخلوع حسني مبارك، حيث حصلت مصر في 1990 على قرض بقيمة 375.2 مليون دولار؛ لسد عجز الميزان التجاري، الأمر الذي تطلب حينها تحرير سعر الصرف وإفساح المجال لمشاركة القطاع الخاص. وقد انعكست سياسة الخصخصة سلبًا على الاقتصاد المصري؛ حيث خسرت شركات القطاع العام، وجرى بيع الكثير منها للقطاع الخاص، وهو ما أدى لبيع الحكومة المصرية 236 شركة بسعر 33 مليار جنيه، في حين أنها تقدر ب 270 مليارًا، مما يعني إهدار 240 مليار جنيه، وهو ما أدى إلى تشريد كثير من العمال، حيث خفضت الشركات التي بيعت عدد العمال من مليون عامل إلى 370 ألفًا تقريبًا. المحطة الثالثة لم يكن الاقتراض الذي سعت إليه الحكومة المصرية من صندوق النقد الدولي في 1990 هو الأخير في عهد المخلوع حسني مبارك، بل سعت الحكومة المصرية مرة أخرى بعد 6 سنوات للحصول على قرض من الصندوق؛ لتكون المرة الثالثة في تاريخ مصر. وبلغت قيمة القرض الذي حصلت عليه مصر في عام 1996 نحو 434.4 مليون دولار؛ لسداد نصف ديون مصر الرسمية المستحقة لدى نادي باريس، وبدأت خطة زيادة الأسعار التي طبقتها الحكومة المصرية؛ فالصندوق يشترط دائمًا رفع الدعم بشكل أو بآخر عن بعض السلع، ومعها تم تدمير عدة قطاعات مختلفة؛ كان من أبرزها الزراعة والصناعة والقطاع التعاوني. المحطة الرابعة منذ القرض الذي حصلت عليه مصر في عام 1996 لم تتوجه نحو الاقتراض من صندوق الدولي سوى بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير؛ حيث ظلت العلاقة بين مصر وصندوق النقد الدولي في تلك الفترة التي سبقت الثورة تقتصر على بعض المباحثات والمشاورات. وبعد ثورة 25 يناير 2011 سعت مصر للحصول على قرض رابع من صندوق النقد الدولي بقيمة 3.2 مليارات دولار خلال فترة حكم المجلس العسكري، إلا أن المجلس في نوفمبر 2011 رفض القرض؛ بسبب شروط بعثة الصندوق، فضلاً عن عدم وجود مجلس شعب في تلك الفترة في البلاد، بالإضافة إلى خروج مظاهرات رافضة لقرض الصندوق، وكانت الهتافات مشابهة لفترة عهد السادات. المحطة الخامسة عقب ثورة يناير سعت الحكومة المصرية مرة أخرى في عام 2013 للاقتراض من صندوق الدولي في فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي؛ للحصول على قرض قيمته 4.8 مليارات دولار، ولكن الأحداث السياسية وقتها وعزل مرسي حالت دون إتمام الاتفاق. وعلى الرغم من استعداد النظام وقتها لتطبيق شروط صندوق النقد الدولي بزيادة الأسعار، التي كانت قد بدأت في الزيادة الفعلية، إلا أن الأوضاع السياسية التي كانت تشهدها البلاد عرقلت إتمام الصفقة، خاصة وأن الاتفاق مع الصندوق في كل مرة كان يتطلب فرض مزيد من الإجراءات الاقتصادية على الشعب المصري، ويجعل وضعه من سيئ إلى أسوأ. المحطة السادسة بعد وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم تم الاتفاق مع الصندوق الدولي للمرة السادسة في يوليو 2016 لزيادة قيمة القرض إلى 12 مليار دولار، مقسمة على 3 سنوات، وتم الموافقة رسميًّا على القرض في 11 نوفمبر 2016، بعد تقديم الحكومة المصرية خطاب النوايا. بعد الاتفاق بين مصر والصندوق أصرت الحكومة في البداية على أن القرض غير مشروط، واتضح أنه مشروط بتوصيات وضعت في برنامج الإصلاح الاقتصادي، ومنها فرض ضريبة القيمة المضافة، وتحرير سعر الصرف، وإلغاء الدعم على الوقود والكهرباء، وتقليص فاتورة أجور العاملين بالدولة (قانون الخدمة المدنية)، وسداد مديونيات شركات البترول الأجنبية، وإزالة عوائق الاستثمار، وطرح جزء من القطاع العام بالبورصة. نفذت مصر العديد من شروط وتوصيات صندوق النقد الدولي قبل الحصول على الشريحة الأولى من قرض الصندوق، التي بلغت 2.75 مليار دولار، وأكملت باقي الشروط؛ من أجل الحصول على الشريحة الثانية من القرض البالغ قيمتها 1.25 مليار دولار، وتنتظر مصر في الوقت الحالي وصول الشريحة الثالثة بقيمة 2 مليار دولار؛ ليكون مجموع ما تم صرفه 6 مليارات دولار، ما يمثل نصف قيمة القرض الموقع بين مصر والصندوق.