"حماس" و"أهل سيناء" هما كلمة السر في كل العمليات الإرهابية التي تقع، هكذا تريد أجهزة الدولة وإعلامها أن نكرر ونكرر حتى نصدق ونصمت، لكن الواقع يصرخ بما لا يقبله إلا مختل العقل، فكيف نفهم أن "حماس" كانت المتهم الأول في دعم وتمويل وتوفير الملاذ الآمن للإرهابيين، ثم نقبل فجأة بالتفاهم معها من باب الاحتواء وليس المواجهة..!، ثم كيف نفسر ازدياد هجمات الإرهاب ردا على هذا الاحتواء. الأمر ذاته يتعلق بأهل سيناء المتهمين في ولائهم وانتمائهم للدولة، فهم حاضنة الإرهاب وبنكه البشري، دون أن يوجد تفسير في المقابل للعلميات التي تقع خارج حدود سيناء بطول الوادي وعرض الدلتا من استهداف للعسكريين وقتل للمسيحيين. لكن بقليل من إدراك وبعض من نظر، نجد أن هذه السياسة في إدارة ملف الإرهاب لا تختلف عن السياسة العامة المتبعة في إدارة الدولة، فكل ما يواجه الشعب من أزمات اقتصادية واجتماعية تعود عند المسئولين لزيادة عدد السكان، وغياب ثقافة العمل لدى المصريين وتدني الكفاءة، وليس لسوء إدارة هذه الثروة البشرية ولا لغياب خطة وبرامج بناء المواطنين، ولا لانعدام المشاركة المجتمعية التي تحدد أولويات الإنفاق، وسبل تعزيز المواطنة. يتعامل النظام مع الشعب على أنه "فائض فوضى"، وهذا الفائض لا يحتاج إلا لفرض الوصاية عليه، ويجد النظام في نفسه أفضل وأخلص الأوصياء، فهو وحده يرسم حدود الدولة وامتداداتها، وهو مَّن يقرر طرق حماية البلاد وأجهزتها، وهو مَّن يبني مصر المستقبل، دون أن يبلغنا بسمات الشعب المطلوب أن يذهب معه هناك، ولا كيف سيتم التعامل مع غير الصالحين للعبور للغد المنشود. على نفس النهج المنفرد قامت المؤسسات العسكرية بهدم وملاحقة الأنفاق مع قطاع "غزة"، ثم قررت تهجير كل سكان الشريط الحدودي بطول 14 كيلو متر وعمق 1500 متر على مراحل ثلاثة، دخلت آخرها مرحلة التنفيذ أوائل هذا الشهر، وزاد بمد حالة الطوارئ المشكوك في دستوريتها، بعد تشكيل مجالس لمواجهة الإرهاب. كل ذلك ولا تزال الهجمات الإرهابية مستمرة، ولا يزال نزيف أبناءنا المجندين ساريا، وبعد كل عملية نوعية للإرهابيين يتم الحديث عن أنها دليل يأس لديهم، ودليل نجاح للدولة، ولا أفهم كيف يكون الهجوم على ثلاثة كمائن في قلب مدينة "العريش"، واستمرار المواجهة بالأسلحة لما يقرب من ساعة، والسطو في أثناءها على أحد فروع أكبر بنوك الدولة وسرقته، ثم نجاح المعتدين في تحقيق كل أهدافهم دون خسائر تذكر، كيف يكون كل ذلك دليل يأس..!. فأي يأس ذلك الذي يجعل جماعة تخطط بهذا القدر من الحرفية ومن الإجادة في التنفيذ، وأي أثر ننتظره وقد استعاض الإرهاب عن غياب الدعم الخارجي بممتلكات الدولة ذاتها، فمعظم الهجمات تتم بعربات ومدرعات تم الحصول عليها من عمليات سابقة، ثم ظهرت أخيرا سرقة البنوك كوسيلة بديلة للتمويل المالي. قطعا لا تعاني مدينة العريش من قلة التواجد الأمني ولا العسكري، بل أن هناك ما يمكن أن نطلق عليه "فائض انتشار"، لكنه مصاب بسوء إدارة كما في كل شيء، وهو الأمر الذي يعاظم من حجم الخسائر، ولكي لا نتحول إلى بلد من المختلين حقا وفعلا، فعلى الرئاسة والحكومة أن تتواضع قليلا، وعليها أن تفتح الباب لتسمع وترى وتستقبل ذوي الاختصاص، وليس أهل المؤسسة فقط، إن لم يكن باب العقد الاجتماعي الذي تقوم عليه الدول، فمن باب مشاركة واجبة من دافع ثمن الدم، ودافع تكاليف الحرب.