لم يمر سوى أسابيع قليلة على طرح الاحتلال الصهيوني شروطًا للقبول بالمصالحة الفلسطينية بين قطبي المجتمع الفلسطيني حركتي "فتح" و"حماس"، وعلى الرغم من أن الحركتين سارعتا بالرد على هذه الشروط كلاميًّا، إلا أن الرد العملي سريعًا ما جاء من حركة حماس، متمثلًا في زيارة كبار القيادات الحمساوية لإيران، التي طالب الاحتلال بقطع العلاقات معها كشرط من شروط الاعتراف بالمصالحة، الأمر الذي شكّل صفعة جديدة على وجه الاحتلال، وزاد من الهستيريا الإسرائيلية المشتعلة منذ أشهر، جراء التقارب الإيراني الحمساوي، خاصة بعد انتخاب "يحيى السنوار" قائدًا للحركة بقطاع غزة في فبراير الماضي. وفد حمساوي في إيران في الوقت الذي تنال فيه مفاوضات المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس حيزًا كبيرًا من الاهتمام الإسرائيلي، سواء على المستوى الإعلامي أو الرسمي، وتنطلق فيه التكهنات حول مصير المصالح الإسرائيلية في حال إتمام هذه المصالحة بشكل فعلي، جاءت زيارة وفد قيادي رفيع المستوي من حركة حماس لإيران، برئاسة نائب رئيس المكتب السياسي، صالح العاروري، ومشاركة كل من "عزت الرشق"، "محمد نصر"، "أسامة حمدان"، "زاهر جبارين"، "سامي أبو زهري"، و"خالد القدومي"، الجمعة الماضية، لتقطع الطريق على كافة التكهنات، وتؤكد على توحد محور المقاومة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. خلال الزيارة التقى الوفد الحمساوي بعدد كبير من كبار المسؤولين الإيرانيين، وعلى رأسهم رئيس البرلمان الإيراني، علي لاريجاني، الذي أكد أن إيران كانت وستبقى مساندة لحركة حماس وفصائل المقاومة والشعب الفلسطيني، وقد حضر اللقاء مستشار المرشد الأعلى الإيراني للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، الذي أشاد بدوره بالانتخابات الأخيرة للمكتب السياسي للحركة، معتبرًا أنها دلالة على وجود الديمقراطية والاستمرارية في صيانة المسار الثوري لهذه الحركة، فيما وصف مستشار المرشد الأعلى الإيراني للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، لقاء الطرفين بالبناء والقيم للغاية، مشيدًا برؤية حركة حماس وبتعزيز العلاقة مع طهران، مشددًا على أن العلاقات بين إيران والمقاومة الفلسطينية، المتمثلة بحماس والجهاد الإسلامي، استراتيجية لن تنقطع مطلقًا، بل إن دعم إيران للمقاومة سيزداد يومًا بعد يوم. في ذات الإطار جاءت تصريحات القادة الحمساويين في إيران لتؤكد على تعزيز العلاقات بين الطرفين وتعميقها والتوحد حول هدف واحد، وهو مواجهة الاحتلال الصهيوني والتمسك بسلاح المقاومة حتى التحرير، حيث أعلن نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري، أن زيارته لطهران تأتي في الإطار المعاكس لتصفية القضية الفلسطينية، لذلك فإنها تحظى بأهمية بالغة، كما جاءت كرد على شرط كيان الاحتلال قطع العلاقة مع الجمهورية الإيرانية. وأضاف "العاروري": نأمل أن تنعكس المصالحة بشكل إيجابي على الوضع الفلسطيني، إننا نسعى إلى إطلاع أصدقائنا وحلفائنا وأشقائنا على ما يجري، وأكد نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أن "الجمهورية الايرانية داعم دائم وتاريخي للقضية الفلسطينية، وأنها دعمت المقاومة اللبنانية حتى طرد الكيان الصهيوني من لبنان، ولهذا كان دعم طهران للقضية الفلسطينية هو الملف البارز الذي بحثناه في لقاءاتنا مع المسؤولين الإيرانيين". من جانبه اعتبر القيادي في حركة حماس، سامي أبو زهري، أن الخلافات بين حركته وطهران باتت من الماضي، وأن العلاقات بين الطرفين عادت إلى طبيعتها، ولفت "أبو زهري" إلى أن ما يميز طهران هو إعلانها صراحة دعمها للمقاومة الفلسطينية، مضيفًا أن المصالحة الفلسطينية ليست على حساب العلاقات المتينة للحركة بحلفائها. التقارب الإيراني الحمساوي مرت العلاقات بين حركة حماس وإيران بالعديد من التخبطات السياسية، لكن يبدو أنها دخلت أزهى عصورها بعد انتخاب القيادي "يحيى السنوار" رئيسًا للحركة في فبراير الماضي، فزيارة "العاروري" لإيران هذه المرة لم تكن المؤشر الأول على دخول العلاقات عهدًا جديدًا من التعاون، بل سبقتها زيارة في أغسطس الماضي برئاسة "عزت الرشق"، وعضوية صالح العاروري، وزاهر جبارين، وأسامة حمدان، وذلك بناء على دعوة رسمية للمشاركة في مراسم أداء اليمين الدستورية لرئيس الجمهورية الإيرانية المنتخب لولاية ثانية "حسن روحاني"، ناهيك عن إشادة القادة الحمساويين في قطاع غزة وعلى رأسهم "السنوار" بدور إيران التاريخي في دعم المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال. رسائل المقاومة وهستيريا الاحتلال تصريحات القادة الإيرانيين ونظرائهم في حركة حماس لم تدع مجال للشك في أن هذه الزيارة ما هي إلا رسالة من المقاومة الفلسطينية إلى الاحتلال الصهيوني، فعلى الرغم من أن هذه الزيارة ليست الأولى لوفد رفيع من حماس لإيران، إلا أنها تنطوي على أهمية خاصة، نظرًا لتوقيتها، حيث تأتي في ظل اهتمام دولي وإقليمي وخاصة إسرائيلي بالمصالحة الفلسطينية التي ترعاها مصر، وما ستؤول إليه هذه المصالحة وعواقبها على المصالح الصهيونية في المنطقة ككل والأراضي الفلسطينية على وجه التحديد، خاصة بعد تنازل حماس عن إدارة القطاع، الأمر الذي أعطى بصيصًا من الأمل للاحتلال بإمكانية احتواء الحركة وإخضاعها لمعادلات تسوية تحافظ على المصالح الصهيونية، كما أنها تأتي في أعقاب طرح إسرائيل لشروط للموافقة على مفاوضات مع حكومة واحدة، ومنها تنازل "حماس" عن سلاح المقاومة وقطع علاقاتها بطهران والاعتراف بإسرائيل، وهي المطالب التي ردت عليها حماس شفهيًّا، لكن ظل ينقصها الرد العملي، الأمر الذي جعل زيارة الوفد الحمساوي الموسع لطهران في هذا التوقيت ينطوي على مجموعة من الرسائل المفصلية للاحتلال الإسرائيلي. في ذات الإطار تخشى تل أبيب من محاولة تكرار استراتيجية حزب الله وعلاقتها بإيران وتوسيع هذه العلاقات لتشمل باقي دول محور المقاومة، خاصة في ظل الحديث عن وساطة إيرانية لإعادة العلاقات التحالفية بين سوريا وحماس، بعد أن تدهورت نتيجة الحرب في سوريا، حيث قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، سبتمبر الماضي، إن إيران وحليفها اللبناني حزب الله يحاولان بهدوء التوسط في المصالحة بين سوريا وحماس، مضيفة أنهما إذا نجحا فإن ذلك سيعزز حلقة ضعيفة في تحالفاتهما، في الوقت الذي عززت فيه إيران علاقاتها مع سوريا والعراق، وأقامت كتلة دعم في المنطقة لمواجهة إسرائيل وحلفاء الولاياتالمتحدة، ورأت الصحيفة أن محاولة طهران للمصالحة بين حماس والأسد جاءت بعد أن انتخبت حماس قيادة جديدة، فيما سعت قطر وتركيا، وهما مؤيدان قويان للمعارضة في سوريا، إلى تحسين العلاقات مع إيران. استشاطت إسرائيل غضبًا من زيارة الوفد الحمساوي لإيران، حيث أطلق ممثل الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، رئيس الإدارة المدنية الجنرال، يوآف مردخاي، هاشتاج بعنوان "حماس تبيع القطاع لإيران"، قائلًا فيه إن زيارة وفد حماس لطهران تدل على أن قادة حماس لا يحاولون إخفاء حقيقة أن نظام إيران هو الذي يدبّر أمور حماس الإرهابية في قطاع غزة، وأضاف مردخاي: رغم التطورات في الساحة الفلسطينية فإن قادة حماس، الذين ينبهرون بالدعم الإيراني، يستمرّون في تلقي الأوامر من النظام الإيراني، وأردف مردخاي محذرًا: ومن الذي سيدفع، في نهاية المطاف، ثمن طاعة حماس العمياء إلى إيران؟ إنهم سكان قطاع غزة.