مع تصاعد النداءات العربية بالتطبيع مع إسرائيل وإنهاء مقاطعتها، وعودة الحديث عن المصالحة بين حركتي فتح وحماس وتسوية الأوضاع مع الاحتلال الصهيوني، تخرج عملية القدس الجديدة لترد على هذه النداءات الاستفزازية، وتعلن أن الشعب الفلسطيني لا يزال متمسكًا بخيار المقاومة المسلحة للدفاع عن أراضيه من وحشية الاحتلال، حتى وإن اتجهت بعض الفصائل الفلسطينية إلى الخيارات السياسية التي أثبتت عدم جدواها على مدار أكثر من 60 عامًا. المقاومة تنتفض من جديد هبت نسائم المقاومة المسلحة مجددًا، لتنعش الروح الفدائية والبطولية لدى الفلسطينيين؛ لمواجهة جرائم الاحتلال الصهيوني التي تصاعدت واستعرت خلال الأشهر الأخيرة على وجه التحديد، فالشعب الفلسطيني كان متعطشًا لعملية جديدة يدفع خلالها الاحتلال جزءًا ولو بسيطًا من فاتورة جرائمه، لتبث روح الرعب والذعر من جديد في قلوب قيادات الاحتلال وزعمائه وقطعان مستوطنيه، فمنذ تنفيذ ثلاثة أبطال من عائلة "آل جبارين" لعملية القدس منتصف يوليو الماضي، أخذ الاحتلال الإسرائيلي العديد من الخطوات الاستفزازية تجاه تصعيد إجراءاته ضد الفلسطينيين، من اعتقالات جماعية إلى قتل بدم بارد مرورًا بهدم المنازل وبناء المزيد من المستوطنات ومصادرة المزيد من الأراضي، الأمر الذي استلزم صفعة من المقاومة على وجه الاحتلال. سطر رجل فلسطيني يدعى "نمر محمود جمل"، يبلغ من العمر 37 عامًا، وهو أب ل4 أطفال من قرية بيت سوريك غرب رام الله، صفحة جديدة في تاريخ النضال الفلسطيني بعملية استشهادية أطلقها على مدخل مستوطنة "هار أدار" المقامة على أراضي بلدة قطنة شمال غرب القدسالمحتلة، حيث ترجل "نمر" قرب إحدى البوابات لمستوطنة "هار أدار" التي كان يتواجد عليها جنود من حرس الحدود، وباغتهم بإطلاق النار من مسدس كان يحمله تحت قميصه، وذلك بعد أن اقترب من الجنود لمسافة صفر، ثم قام بطعن الجنود، حسب شهود عيان، وهو ما أسفر عن مقتل 3 جنود من قوات الأحتلال والرابع بحالة خطرة، وتم إطلاق النار على منفذ العملية وإعلان استشهاده فيما بعد. موقف الفصائل الفلسطينية الفصائل الفلسطينية باركت هذه العملية البطولية، حيث أصدرت حركة حماس أول تعليق على العملية، مؤكدة أن عملية مستوطنة "هار أدار" هي تأكيد من الشباب المنتفض أنه سيواصل القتال حتى الحرية الكاملة للشعب والأرض، وأضافت الحركة أن العملية هي حلقة جديدة في انتفاضة القدس، وتابع الناطق باسم الحركة، حازم قاسم: عملية اليوم تعني أن شعبنا يرفض منطق استجداء الحقوق عبر المؤسسات الدولية، وأن هذا الشعب سيحافظ على حقوقه ومقدساته بدمه وروحه، مضيفًا: العملية تقول إن كل محاولات الاحتلال لتغيير هوية القدس لن تمر، كما عَدَّ "قاسم" العملية تأكيدًا من شعبنا أن العلاقة الطبيعية مع الاحتلال هي الصراع والمدافعة، ولا يمكن أن تكون علاقة تعايش، منوهًا بأن العملية تقول إن كل جهود الاحتلال لتزوير الوقائع لن تغير من حقيقة الأمر، بأن القدسفلسطينية عربية وأن شعبنا سيقاتل حتى النهاية لتحريرها. من جانبها باركت لجان المقاومة في فلسطين عملية القدس، مؤكدة أنها تأكيد على تمسك الشعب الفلسطيني بخيار المقاومة ورد على جرائم العدو، فيما أكد مسؤول المكتب الإعلامي لحركة الجهاد الإسلامي، داوود شهاب، أن عملية القدس تجسد الضمير الحي للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، كما تعيد ترتيب الأولويات الوطنية التي اختلطت وتبعثرت على وقع خلافات السلطة وأوجاع السياسة، ووصف "شهاب" العملية ب"المباركة" التي توجه صفعة للمطبعين والمتآمرين على وجوههم، وتقول لكل أهل الأرض إنه لا مجال للتفريط في ذرة من تراب القدس ولا قبول بالصهاينة المعتدين على ترابها، واعتبر أن عملية "نمر القدس"، في إشارة إلى منفذ العملية، هي الرد العملي على محاولات اليمين الصهيوني المستمرة للاستيلاء على المسجد الأقصى عبر محاولات الاقتحام المستمرة، مضيفًا أن: الرسالة هي "توقفوا عن أحلامكم، وإلا فالرصاص لن يتوقف، وسيلاحقكم في كل زاوية وشارع، صباح مقدسي مقاوم، هنا القدس القبلة والوجهة والهدف، هنا يولد الفجر من جديد، هنا مهوى فؤاد العاشقين". فشل جديد للاحتلال العملية الاستشهادية الأخيرة أظهرت مدى فشل الاحتلال في تأمين المستوطنات الإسرائيلية بشكل جيد، الأمر الذي يثير التساؤلات حول ما ستفعله هذه القوات الهشة في حال الدخول إلى حرب جديدة، سواء مع إيران أو حزب الله أو المقاومة الفلسطينية، في الوقت الذي تعجز فيه عن تأمين نفسها داخليًّا، فهذه العملية هي الثانية خلال ما يقرب من ثلاثة أشهر التي تحدث من خلال اقتحام مستوطنة وقتل مستوطنين أو رجال أمن فيها، حيث كانت آخر عملية في مستوطنة "حلميش"، والتي قتل خلالها مستوطنان اثنان، خاصة أن العملية الأخيرة طالت رجال أمن إسرائيليين يحمون مستوطنة، ومن المفترض أن يكونوا مدججين بالسلاح، كما أنها عملية فردية، أي أن فردًا واحدًا الذي قام بها، ولا ينتمي إلى أي منظمات أو حركات مسلحة، وهو ما يعني أن الجيش الإسرائيلي بأكمله في أمس الحاجة إلى إعادة ترتيب أوراقه السياسية والأمنية بعد فشله في توقع مثل هذه العمليات، ليعمل على إيقافها أو تحجيمها. صرخة في وجه التطبيع العربي تأتي عملية القدس الجديدة لتمثل صرخة فلسطينية في وجه محاولات بعض الدول العربية كسر العزلة عن الاحتلال الصهيوني وتفضيل العلاقات السياسية والمصالح الاقتصادية والأمنية معه على القضية الفلسطينية المركزية، حيث تسارعت وتيرة تطبيع العلاقات العربية وخاصة الخليجية الإسرائيلية خلال الفترة الأخيرة، وهو ما ظهر في تصريحات قيادات وملوك عرب، أبرزهم الملك البحريني، حمد بن عيسى آل خليفة الذي انتقد مقاطعة الدول العربية للاحتلال الإسرائيلي، مؤكدًا أنه سيسمح لمواطني المملكة بزيارة إسرائيل قريبًا، كما رأى وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أنه "لا مبرر لمقاطعة الاحتلال في ظل التنسيقات العربية الإسرائيلية الأخيرة"، مشددًا من منبر الأممالمتحدة على ضرورة إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي.