انقلبت الموازين وتحول الكيان الصهيوني من مستورد للغاز إلى مصدّر له بكميات متزايدة، ويبحث عن أسواق لتصريف الفائض، وبدت مصر الحل الأقرب نظرا لحاجتها إلى كميات كبيرة منه، بعدما فتح الرئيس عبد الفتاح السيسي، الباب على مصراعيه من خلال التصديق على قانون يتيح للقطاع الخاص تنفيذ المهمة. مرة أخرى يعود موضوع الغاز الطبيعي بين مصر وإسرائيل إلى الواجهة بعدما أثارت مجلة الإيكونوميست البريطانية الأمر مجددًا، موضحة أن إسرائيل التي تحولت من مستورد من الغاز إلى مصدرة له وجدت ضالتها في مصر، ووفقًا للمجلة، يبدو أن الأمور تسير في هذا الاتجاه، بعدما وقع الرئيس السيسي في 8 أغسطس الجاري قانونا يسمح لشركات القطاع الخاص باستيراد الغاز الطبيعي من الخارج، وتجري شركة "دولفينوس القابضة" المصرية حاليا محادثات مع الشركات المسؤولة عن حقل لفيتان الإسرائيلي، لشراء ما يصل إلى ثلاثة مليارات متر مكعب من الغاز، سبقها الاتفاق مع مجموعة تمار الإسرائيلية للغاز في شهر مارس الماضي، على استيراد الغاز بقيمة 20 مليار دولار على مدى 15 عامًا. وتعاني تل أبيب صعوبة كبيرة في تصدير غازها نظرًا لتعذر المسارات البرية والبحرية لأنابيب الغاز الإسرائيلية باتجاه أوروبا أو ارتفاع تكلفة إنجازها، ويتوقع أن يصل حجم الصادرات من حقل لفيتان الإسرائيلي الذي اكتشف في عام 2009، إلى 9 مليارات متر مكعب سنويًا، ويرغب الكيان الصهيوني في تصدير الغاز إلى أوروبا لمنافسة الغاز الروسي وربما الجزائري أيضًا، وإن كانت هناك صعوبة في منافسة الأخير؛ نظرًا لقربه من أوروبا، وبالنسبة لروسيا، الجغرافيا والسياسة تجعل المنافسة صعبة جدًا، فوصول الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عن طريق البر يستلزم عبور الأراضي اللبنانية أو السورية وكلاهما لا يعترف بإسرائيل، كما أن مد خط أنابيب تحت البحر يمثل معضلة أخرى، لأن مسار الأنابيب من المفروض أن يمر عبر قبرص التي ترفض المشروع الإسرائيلي ولها الحق؛ لأن لديها غازها التي تريد تصديره. والمسار الآخر الذي يمكن أن يسلكه خط الغاز الإسرائيلي عبر البحر يصل طوله إلى 2200 كم، بحيث يعبر إلى اليونان ثم إيطاليا ومنها إلى أوروبا، لكنه سيكون أطول خط لنقل الغاز الطبيعي في العالم، وسيحتاج إنجازه إلى 8 سنوات بتكلفة 7 مليارات دولار أمريكي، الأمر الذي سيرفع التكلفة الإنتاجية ويفقد المنافسة سريعًا مع الغاز الروسي، وبالتالي أسهل الحلول لإسرائيل يأتي من البوابة المصرية، التي تعد سوقا محليا كبيرا للغاز، ومن جهة أخرى، قد تشكل معبرًا محتملا باتجاه أوروبا، الأمر الذي انعكس في ترحيب الصحف الإسرائيلية بتوقيع الرئيس السيسي قراره الأخير المتعلق باستيراد الغاز من أي دولة بما فيها إسرائيل. بالعودة إلى الوراء قليلًا، نجد أن تل أبيب كانت تستورد الغاز المصري بأقل من سعر التكلفة بناء على اتفاقية وقعت بين الطرفين في عام 2005 وتمتد لعشرين عاما، لكنها ألغيت، إلا أن المعادلة تغيرت اليوم وبشكل دراماتيكي، فحتى اللحظة لا يعرف أحد بأي سعر ستبيع إسرائيل الغاز لمصر، وكم سيدفع المصريون ثمنا للغاز الصهيوني في ظل معاناتهم في الأساس من رفع الدعم عنه، وتجدر الإشارة إلى أن حجم الخسائر المصرية من تصدير الغاز إلى إسرائيل بلغ 45 مليار دولار. المفارقة في الصفقة الصفقة الوشيكة، أن الغاز الذي ستستورده شركات مصرية من حقل لفيتان الإسرائيلي، يعود لمياهنا الإقليمية، فوفقًا لأستاذ الاقتصاد في جامعة أوكلاند الأمريكية، مصطفى شاهين، فإن المسافة بين مصر والحقل الذي 200 كم، والمسافة بينه وبين إسرائيل 234 كم، وبالتالي يقع ضمن المياه الإقليمية المصرية.