رحل عنا فجأة وفى صمت وهدوء الكاتب المبدع جلال عامر .. رحل كالنسمة مثلما كان يطل علينا كالنسمة ويمضى سريعا .. كان يهوى الاختصار فى كل شئ حتى فى حياته الغنية البسيطة الجميلة التى اشاعت البهجة فى كل من حوله وكل من قرأ له .. مرة جلست بجوارى فى قطار العودة من الاسكندرية فتاة وكانت تقرأ المصرى اليوم وتبتسم .. سألتها ماذا تقرأين؟ وأجابت: اذا رأيت قارئا لجريدة يبتسم فأعرف أنه يقرأ لجلال عامر. ولم تكن سخرية جلال مجرد خفة دم .. بل خفة دم تقطر حكمة وثقافة ومعرفة، أمتلك المبدع الكبير موهبة التعبير الساخر عنها فى أقل وأبسط الكلمات .. فمع جلال يصح القول “مش ها تقدر تغمض عينيك. “ما قل ودل” كانت سمة كتابات الكاتب الكبير فى أعمدته بالاهالى والتجمع والبديل والمصرى اليوم .. ومهما أفردت له الصحف من مساحات.. ظلت كلماته مختصرة وبسيطة وعميقة .. وعندما أفردت له جريدة التجمع صفحة كاملة كان يكتب باختصار طقاطيق كثيرة تملأ المساحة بمواد متنوعة لا تثقل على القارئ لكنها تطوف به الدنيا” وتأخذه الى قلب الاحداث والتاريخ..و بكلمات كالطلقات رسمت ريشته مأثورات وقدمت أجمل وجبة تطالعها عيناك على صفحات جريدة.. فلم تكن ريشة جلال تضحك وتبكى فقط، بل أيضا تعلم وتثقف وتبلور وتلخص .. وفى كل سطر خطه ترك رسالة. خاض الضابط أركان حرب جلال عامر معارك الاستنزاف وحرب اكتوبر ونال نوط الشجاعة وخرج من معركة اكتوبر متسلحا بنوط الشجاعة الى الحرب ضد الفساد والجهل والاستبداد والفقر والجوع وضد تجار السياسة والدين .. وكانت قوته فى الحق أقوى من كل المدافع، فلم يحنى راسه أو يخفض قامته لسلطان.. وعاش بسيطا متواضعا ومحبا بين اسرته واصدقائه والناس دون أن يستهويه ترف الحياة أو يغتر بشهرة اكتسبها بكل جدارة. انحاز جلال الى حلم الثورة وقدم فى كتابته أعمق وأبسط نقد لنظام مبارك.. ولتجار السياسة والدين .. ولم يكره شيئا الا الظلام زالظلامية والاستبداد والمستبدين والنهب واللصوص. وبشر جلال فى كل كتاباته بشعارات الملايين التى رددتها الحناجر فى ثورة يناير ” تغيير .. عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية .. كرامة انسانية” ورغم حياته المختصرة البليغة عاش جلال ليرى حلمه تردده الحناجر وتكافح من أجله الملايين .