باتت العلاقات الروسية الأمريكية قاب قوسين أو أدنى من دخولها مرحلة العداوة، ورغم التصريحات التفاؤلية المتبادلة، فإن الإجراءات والخطوات من قبل الطرفين توحي بعكس ذلك تمامًا، فكل طرف يحاول ضرب الآخر، لتظل الحرب السياسية بين البلدين النوويتين مشتعلة دون وجود أفق لإطفاء نيرانها. في الوقت الذي بحثت فيه واشنطن مع موسكو سبل التعاون والتنسيق في سوريا، وبدأت بعض الاتفاقات الأمنية والعسكرية بين الطرفين تُبصر النور، وأكدت الإدارة الأمريكية أن أولوياتها في سوريا هي مكافحة الإرهاب والقضاء على داعش دون النظر إلى مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد، ما لبثت الإدارة الأمريكية أن غيرت لهجتها ووضعت شروطا لتعاونها مع روسيا في سوريا. اعتبر وزير خارجية الولاياتالمتحدةالأمريكية، ريكس تيلرسون، أن العلاقات بين واشنطنوموسكو تضمنت، رغم اضطرابها، تعاونًا في مجال إعادة نوع من الاستقرار إلى سوريا، وأضاف أن بلاده اشترطت على روسيا انسحاب القوات الإيرانية والمتعاونين معها من سوريا، ومنح السوريين الفرصة لكتابة دستور جديد، وإجراء انتخابات ديمقراطية حرة، وشدّد الوزير الأمريكي على أن بلاده لم تغير موقفها من النظام السوري، بمعنى أنها لا تزال متمسكة بعدم وجود مستقبل لبشار الأسد في الحكم بسوريا. في ذات الإطار أكد تيلرسون، أن الكفاح ضد الإرهاب هو المجال الذي يمكن للبلدين أن يتعاونا فيه، على الرغم من أن العلاقات الثنائية الشاملة تحت الضغط، وقال: لقد اخترنا سوريا لأنها الإقليم الذي يمكننا أن نحاول العمل فيه معًا، وأكد تيلرسون أن روسياوالولاياتالمتحدة تعتبران داعش جماعة إرهابية وتهديدًا، وأنهم عازمون على الحفاظ على الاستقرار في سوريا. تيلرسون، الذي دأب على إظهار المشكلات في العلاقات الروسية الأمريكية والاعتراف بها أمام العلن، حذر من أن العلاقات بين بلاده وموسكو قد تزداد سوءًا، وأضاف: السؤال الآن باعتقادي بالنسبة إلى أحداث الأسبوع الفائت أو غيرها، هل تسوء الأمور أكثر أم يمكننا الحفاظ على بعض المستوى من الاستقرار في العلاقة؟، مؤكدًا أن قرار الكونجرس تمرير مشروع قانون العقوبات جعل من محاولات إذابة الجليد بين البلدين أكثر صعوبة. في ذات الإطار، حاول تيلرسون تحميل مسؤولية تدهور العلاقات مع روسيا إلى أعضاء الكونجرس وتبرئة ساحة الرئيس الأمريكي، وقال "لا الرئيس ولا أنا سعداء حقًا بذلك، لقد قلنا بوضوح إن هذا القانون لا يساعد جهودنا، ولكن أعضاء الكونجرس من قرروا اعتماده، لقد أقروه بأغلبية ساحقة، والرئيس قبّل بهذا". التصريحات الأمريكية جاءت في الوقت الذي يتم فيه التنسيق بين الطرفين للقاء مرتقب بين وزير الخارجية الأمريكي ونظيره الروسي سيرجي لافروف، في نهاية الأسبوع، في العاصمة الفلبينية مانيلا، على هامش اجتماع وزاري لمجموعة آسيان، ومن المنتظر أن يناقش الطرفان آخر تطورات العلاقات بينهما والتوترات التي سادت الأسبوعين الماضيين بعد إقرار العقوبات الأمريكية على روسيا ورد الأخيرة القاسي على هذه العقوبات، ومحاولات واشنطن جذب دول شرق أوروبا إلى معسكرها وتمديد نفوذها هناك لتهديد النفوذ الروسي المتصاعد. هذه التصريحات الأمريكية والشروط التي وضعتها واشنطنلموسكو للتعاون في سوريا والتي من المنتظر أن تلقى انتقاد موسكو، لم تكن الفصل الأول في الخلافات بين الطرفين، فقد انطلقت العديد من التراشقات السياسية بين موسكووواشنطن خلال الأيام القليلة الماضية، بعضها كان معلنًا بشكل جلي والبعض الآخر يعتبر "ضربات تحت الحزام"، فمنذ أن أقر الكونجرس الأمريكي مشروع قانون العقوبات الجديد على روسيا وإيران وكوريا الشمالية، وهو المشروع الذي حذرت منه موسكو مرارًا وأكدت أنه سيدفع بالعلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى الانهيار، وبالفعل اشتعلت المواجهات واستعرت بين الطرفين، حيث تعهدت موسكو بضربة موجعه لأمريكا ردًا على العقوبات الروسية الجديدة، وعلق الرئيس الروسي حينها بوصفها "خطوة وقحة" ودليل على مضى الولاياتالمتحدة في سياستها العدوانية التي لا تحترم القوانين والاتفاقيات الدولية، ووصف بوتين إصرار أمريكا على اتهامها لروسيا بالتدخل في انتخابات الرئاسة الامريكية بأنها "هستيريا" قائلًا: إنها ناجمة عن الصراعات داخل الدوائر الأمريكية. الغضب الروسي لم يقتصر على التهديدات فقط، بل بادر بتنفيذ هذه التهديدات سريعًا من خلال تخفيض كبير لعدد الدبلوماسيين الأمريكيين العاملين في موسكو ليصبح 455 شخصا فقط، وهو التخفيض الذي اعتبره مراقبون الأكبر دبلوماسيًا منذ الأشهر التي تلت الثورة الشيوعية في عام 1917، حيث أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأحد الماضي، أنه ينبغي على 755 دبلوماسيًّا أمريكيًّا مغادرة الأراضي الروسية، ردًّا على فرض عقوبات أمريكية جديدة على موسكو، كما وضعت موسكو حظرًا على استخدام السفارة الأمريكية المستودعات وبيوت الراحة الصيفية في ضواحي موسكو، مستبعدًا حدوث تطورات إيجابية في العلاقة مع واشنطن في وقت قريب، وقال: لقد انتظرنا طويلًا على أمل أن يتغير الوضع نحو الأفضل، لكن يبدو أنه حتى لو أن الوضع سيتغير، فلن يحصل ذلك في وقت قريب، وأضاف: في حال زيادة الضرر الناجم عن محاولات الضغط على روسيا، يمكن أن ندرس مجالات رد أخرى، لكنني آمل ألا نضطر للقيام بذلك. الكونجرس الأمريكي حينما أقر العقوبات على روسيا، كان قد رمى بكرة المواجهة مع موسكو في ملعب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي بدوره وُضع بين خيارين كلاهما مرّ، فإما التوقيع على العقوبات لإقرارها وتنفيذها وهو ما سيعمق الأزمة مع روسيا ويقطع الطريق على أي محاولات تنسيق أو تفاهم متوقعة سواء في الأزمة السورية أو غيرها من الملفات المشتركة بين الطرفين، وإما أن يرفض التوقيع على هذه العقوبات مخالفًا بذلك قرار الكونجرس، ليُقحم نفسه بذلك في المزيد من الشبهات حول دعم روسيا له خلال الحملة الانتخابية الرئاسية السابقة، وانفتاحه على العلاقات مع روسيا على حساب الأمن القومي الأمريكي، وهي التهم التي يواجهها ترامب منذ وصوله إلى السلطة ويحاول نفيها. الرئيس ترامب، اختار أن يضحي بالعلاقات مع روسيا، حيث أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز، أن الرئيس دونالد ترامب سيوقع مشروع قانون العقوبات ضد روسيا وإيران وكوريا الشمالية بعد دراسته، وقالت ساندرز: هو لم يوقع بعد، لكنه سوف يفعل ذلك، وأشارت إلى أنه يجري في الوقت الحالي في البيت الأبيض النظر في مشروع القانون هذا.