تبدأ معاناة السفر للمواطن الفلسطيني في قطاع غزة حينما ينوي السفر ويسعى للحصول على جواز السفر، فإذا كانت المرة الأولى للإصدار عليه أن يتوجه إلى الهيئات الحكومية، لكن في غزة لا يوجد هيئة حكومية تصدر جواز السفر ، سيضطر المواطن لإرسال الأوراق الثبوتية إلى مدينة رام الله في الشق الثاني من الوطن "الضفة الغربية" عن طريق مكاتب السفريات وتكاليف الإرسال يتحملها صاحب الجواز، وإذا كانت المرة الثانية أو يحتاج التجديد يجب أيضاً مراسلة جوازات رام الله، ومن ثم عليه الانتظار والانتظار إلى أن يحين وقت الإصدار. الجواز ذو اللون الأسود يدل على طريق سوداوي ينتظر المسافر الغزي، هذا ما يعنيه حصول المواطن الفلسطيني على جواز السفر، لكن المعاناة تتجدد عند السعي للحصول على فيزا للدولة المراد السفر إليها، وربما تطلب هذه الدولة مقابلتك لكن مرة أخرى لا يوجد في قطاع غزة سفارات، ستحاول أن تكون على السكاي بي وأنت من يتحمل تكاليف مقابلات القنصليات أيضا. وإذا حصلت على الفيزا ، وكانت الفيزا قصيرة الأمد فأنت من الناس غير المرغوب به في السفر، وذلك لأنَّ معبر رفح الواصل بين قطاع غزة وجمهورية مصر العربية مغلق ولا يتم فتحه إلا باستثناء وربما يستمر مغلقاً لشهور دون تمكن أحد من السفر. ستذوب أحلامك بسبب المعبر وطموحاتك أيضا المبنية على اعتقاد خاطئ (أنك عندما تخرج من القطاع ستفتح لك ابواب الجنة)، إذا كنت من الأشخاص المحظوظين ستستطيع التسجيل في سجل الأسماء الذين ينتظرون فتح المعبر، واذا كنت أيضاً من اصحاب الحظ الذي يقسم الصخر سيظهر اسمك على كشوفات المسافرين لمغادرة قطاع غزة، لكن ماذا عن الفيزا ..؟؟ فهناك الكثير جاء دورهم في السفر وكانت التأشيرات الخاصة بهم قد انتهت. ستتجاوز البوابة الفلسطينية من المعبر وتبدأ قصة جديدة، عندما تطأ قدمك على الشبر الأول لأرض مصر ستسمع كلمة (ياض يا ابن م…..) من ضابط التفتيش على البوابة المصرية، وتيقن تماماً أن بلاد العرب اوطاني، ستدخل ويُحجز الجواز الأسود لإجراءات أمنية، وستحجز أنت أيضاً في الصالة المصرية ومن معك من المسافرين. ستتجول وتنتظر ضابط الشرطة إلى أن ينادي اسمك، ستنتظر وتنتظر إلى أن يحين وقت حظر التجوال في سيناء الساعة 6 مساءاً، كُتب لك اليوم أن تبيت على أرض المعبر، وإياك أن تظهر هاتفك الخلوي أمام الشرطة فهذه جريمة أمنية يعاقب عليها حراس المعبر بالشتم والإهانة. بعد لحظات ستسمع أصوات باللهجة المصرية تنادي الأسماء الملفوظة باللكنة الفلسطينية، سترى الناس حول الضابط يتمنون أن يكونوا من ضمن الأسماء المنادى عليها، لكن بعد لحظات ستسمع أنين الندم على ما تمنوا؛ لأن الأسماء المذكورة أصحابها تم إرجاعهم إلى غزة ومنعهم من السفر لأسباب لا يعرفها إلا الأمن المصري. الجميع في حالة قلق بسبب المقابلات الأمنية داخل المعبر، لماذا السفر..؟؟ وإلى أين..؟؟ ومن لك هناك..؟؟، حالة من التوتر تسود المكان، ربما تتجاوز هذه المحنة بكل عزم ولا يروق لك الحال إلا بعدما تأخذ جواز سفرك ذو اللون الأسود مرة أخرى ، وتبدأ المغامرة، لكن الفلسطيني وتحديداً لو كان من قطاع غزة يصبح مطلوباً للمخابرات وأمن المطارات والمسموح للآخرين سيكون ممنوعاً عليه. ينتقل الفلسطيني الآن إلي حواجز الجيش المصري، قرابة 30 حاجزا وعن تجربتي الشخصية في السفر كنا عند كل حاجز للجيش نقف ونظهر جوازات السفر الخاصة بنا، ومن ثم يتم التفتيش في كل مرة، التفتيش إجباري ويبعد الحاجز عن الآخر حوالي 5 دقائق، ناهيك عن أزمة المواصلات في شمال سيناء، إلى أن نصل لما يُعرف بحاجز الريسة سيء الذكر، والذي يتجمع فيه أهالي شمال سيناء والعائدين إلى غزة والمسافرين ويتم التفيش والعبث بالمحتويات الخاصة بكل شخص، وبعدها ننتقل بالحافلة إلى العمق، ومن ثم إلى القاهرة المزدحمة. وهنا تبدأ المعاناة في البحث عن سكن وحجز تذكرة الطائرة والسفر، في غزة لا يوجد مطار، لسنا على دراية كيف تجري الأمور الكثير منا يتعرض لحوادث النصب. في المطار يتم التفتيش على أعلى مستوى وللحظة توقن أنك متهم، يتم احتجاز البعض، وأحياناَ يبقى محجوزا وتذهب عنه الرحلة، وبعدها يصعد إلى الطائرة بعد رحلة معاناة يشك فيها المواطن بنفسه أنه مشتبه به، وإذا حدث شيء في الطائرة ستتوجه الاتهامات للفلسطيني الغزاوي. المتجهون إلي الولاياتالمتحدة تحط بهم الطائرة في بريطانيا أو فرنسا، والمتجهون إلي أوروبا تحط بهم في تركيا، وهنا تبدأ معاناة جديدة، عالم آخر، جنسيات مختلفة، لا أحد يعرفك ولا أنت على دراية أصلا بما يدور حولك، في صالة الترانزيت يتعرض بعض الفلسطينيين للمضايقات الأمنية مقابلات ومخابرات وأمن المطارات جميعهم يحققون معهم، وبعد أن تذهب للدولة المراد الوصول لها وعند الدخول تمنع ويتم تحويلك مرة أخرى إلى أمن المطارات والتفتيش مع طرح أسئلة غربية وضخمة، منهم من يتجاوزها ويدخل ومنهم بعد رحلة المعاناة يتم إرجاعه إلى غزة مجدداً ويصبح أسيراً للمطارات والطائرات. مصر لا تستقبله لعدم وجود تنسيق وصالة الترانزيت ترجعه إلى الدولة غير المستقبلة ويبقى على هذه الحالة الى أن يفتح المعبر.. أو لا يفتح. وإذا سُمح له بدخول الدولة التي ظن أنها محققة للأحلام فإنه لا يستطيع السفر من خلالها لأي دولة أخرى بسبب جوازه الذي يبقيه أسيراً داخل هذه الدولة؛ لأن شروط الفيزا للفلسطينيين يجب أن تكون من داخل أراضي السلطة حتى تستطيع الدخول للدولة المراد الوصول إليها، وإذا أراد بعد اشتياق العودة إلى أهله فلا يستطيع بسبب ظروف المعبر المرتبكة، وإذا كان طالباً للعلم وفي الإجازة الصيفية يريد العودة لا يستطيع.. في المقابل أصحاب الجنسيات الأخرى فقط عليهم قطع تذكرة الطائرة وفي ساعات يكونوا في بلدانهم، عن نفسي أريد العودة إلى أهلي في غزة لكن هاجس الحواجز والتحقيقات يلاحقني حتى في نومي، لماذا لا تستقبلني أي دولة عربية أخرى إلا وهي تضع شروط تعجيزية أمام الفلسطينيين أكثر من أي دولة أخرى، أحد أصدقائي الكثر ممن هربوا من غزة سافر إلى الإمارات العربية، وبعدما انتهت إقامته هناك لم يستطع أن يجددها فكان عليه مغادرة البلد والعودة بعد ذلك، فذهب إلى ماليزيا وكلفته الرحلة مبالغ طائلة. قبل أيام عزم الشاب غسان عبدالله الرحيل من روسيا إلى مصر بعدما انتهت إقامته في روسيا وذهب إلى مصر، لكن السلطات المصرية رفضت استقباله وأجبرته على العودة إلى روسيا، إلا أنَّ روسيا رفضت استقباله وأجبرته على العودة إلى مصر، وظل على هذا المنوال إلى أن تم حجزه من قبل الطيران المدني التركي في مطار أتاتورك دون ماء أو طعام، ولا يملك مالا يبقيه على قيد الحياة، فمتى تنتهي المعاناة ويصبح حق السفر راحة لنا لا مشقة، لكن الفلسطيني يستمر في تحمل أعباء فلسطينيته حتى ولو انتهت أزمة جواز سفره بحصوله على جنسية أخرى، سيستمر التعامل معه على أساس فلسطينيته، وما أكثر الفلسطينيين الذين حصلوا على جنسية أخرى وأرادوا الذهاب إلى القدس، فلم يستطيعوا فقط لأنَّ أصولهم فلسطينية!