اشتباكات واعتقالات ومداهمات تتصاعد يومًا بعد يوم، أحداث أقرب لوصفها بانتفاضة جديدة في المسجد الأقصى، أشعل فتيلها "أل جبارين"، بتنفيذهم عملية بطولية، أدت إلى مقتل جنديين من قوات الاحتلال الصهيوني، لتخرج على آثارها المشاعر المكبوتة داخل فلسطينييالقدس والضفة الغربية وقطاع غزة، وتشتعل روح المقاومة من جديد؛ لتحرق الكيان الصهيوني، الذي ظن مؤخرًا أن القضية الفلسطينية باتت طي النسيان، وأن روح المقاومة قد شُيعت بتطبيع معظم الدول العربية مع الاحتلال. لم يكتفِ الاحتلال الصهيوني بمنع إقامة صلاة الجمعة الماضية، في حدث تاريخي يعتبر الأول من نوعه، منذ زرع الاحتلال الصهيوني أقدامه في الأراضي الفلسطينية في 1967، بل ظل يسيطر على المسجد الأقصى، ومنع المصلين من أداء الصلوات فيه لمدة يومين على التوالي، وذلك في الوقت الذي جولت فيه قطعان المستوطنين داخل المسجد بكل حرية، وأقاموا صلواتهم التلمودية بداخله وعند حائط البراق. بعد أن انطلقت جهود الوساطة الأردنية وتهديدات الفصائل الفلسطينية المقاومة، اضطر الاحتلال إلى فتح المسجد جزئيًّا، وأدى المصلون لليوم الثاني على التوالي الصلوات على الأسفلت أمام بابي الأسباط والمجلس المؤديين للمسجد، حيث يوجد للمسجد الأقصى 9 بوابات، فتحت الشرطة الإسرائيلية منها، منذ أول أمس الأحد، 4، هي: الأسباط في الجدار الشمالي للمسجد، وباب المجلس، وباب السلسلة، وباب المغاربة في الجدار الغربي، بينما ما زالت البوابات المتبقية مغلقة، كما فرضت قوات الاحتلال على العاملين والمصلين العبور من خلال بوابات إلكترونية للدخول إلى المسجد، وهو ما رفضه المصلون، ودفعهم إلى الاعتصام أمام المسجد الأقصى في تحدٍّ لإجراءات الاحتلال وبواباته التفتيشية الإلكترونية. في ذات الإطار قال عضو الهيئة الإسلامية العليا، مصطفى أبو زهرة: "لن نقبل بأي انتهاكات للمسجد الأقصى، وهذا انتهاك كبير وتدخل في حرية العبادة، وهو إجراء قمعي مرفوض، لن نقبل به، ولن ندخل من هذه البوابات السقيمة التي فرضها العدو علينا"، كما دعت المرجعيات الإسلامية في مدينة القدسالمحتلة إلى رفض ومقاطعة إجراءات العدوان الصهيوني الجائرة والمتمثلة في تغيير الوضع التاريخي القائم. على أثر هذه الإجراءات الاستفزازية التي يحاول الاحتلال من خلالها فرض الأمر الواقع على المقدسيين، اندلعت مواجهات عنيفة بين شباب فلسطينيين والشرطة الإسرائيلية، مساء أمس الاثنين، في أحياء القدس المختلفة: سلوان والعيسوية وصور باهر وأبوديس ومخيم شعفاط، حيث قالت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني إن طواقمها تعاملت مع 50 إصابة خلال قمع قوات الاحتلال للمصلين في منطقة باب الأسباط بالقدسالمحتلة، وأشارت مصادر إلى أن مواجهات وقعت مع جنود الاحتلال في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى، أصيب خلالها شاب بجراح خطيرة؛ نتيجة استهدافه بالرصاص الحي، كما شهدت بلدة صور باهر جنوبالقدس وبلدة العيسوية شمال شرق القدسالمحتلة مواجهات عنيفة مع جنود الاحتلال، أصيب خلالها جندي صهيوني. في ذات الإطار أكدت مصادر فلسطينية تعرُّض الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، مصطفى البرغوثي، للاعتداء بالضرب من قبل قوات الاحتلال أمس الاثنين أثناء تأديته صلاة الظهر مع المصلين في ساحة باب الأسباط بالمسجد الأقصى، وقال البرغوثي إن هذا القمع الإسرائيلي لن يكسر إرادة المقدسيين، داعيًا الفلسطينيين إلى مساندة أهل القدس والمرابطين فيها وعدم تركهم وحدهم في المعركة التي تتعلق بأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وبمستقبل القدس، وطالب البرغوثي الدول العربية والإسلامية بفرض العقوبات ومقاطعة إسرائيل؛ لردعها عن ممارساتها تجاه القدس والمسجد الأقصى. المواجهات تخطت مدينة القدس والضفة الغربية، لتصل إلى قطاع غزة وخان يونس، حيث أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي المتمركزة على الحدود مع قطاع غزة، اليوم الثلاثاء، نيران أسلحتها صوب منازل الفلسطينيين والأراضي الزراعية، شرق مدينة خان يونس جنوبي القطاع، على الحدود الشرقيةجنوب القطاع، وأشارت مصادر إلى سماع دوي انفجارات لم تحدد هويتها بالقرب من الشريط الحدودي، لافته إلى أن طيران الاستطلاع الإسرائيلي لم يغادر أجواء المنطقة منذ مساء أمس، وأوضحت أن الاستهداف الإسرائيلي يأتي وسط تحركات مكثفة للآليات العسكرية الإسرائيلية في المناطق الحدودية. تزامنت هذه المواجهات مع دعوات حركتي حماس والجهاد الإسلامي الجماهير الفلسطينية إلى التأهب وإعلان النفير العام؛ للدفاع عن المسجد الأقصى وتصعيد انتفاضة القدس، وقالت الحركتان إن "ما جرى من عدوان خلال الأيام الماضية لن يمر مرور الكرام"، محذرين الاحتلال من أن استمرار عدوانه وعدم كف يده سيؤديان إلى تصعيد كبير يتحمل الاحتلال المسؤولية كاملة عن تداعياته، وأضافت الحركتان: لتخرج المظاهرات الحاشدة في كل أرجاء الوطن والشتات، معبرة عن رفضها للعدوان الصهيوني، ومجددة عهد النصرة للمسجد الأقصى وفداءه بالروح والنفس، وأكدتا أن "ما يرتكبه الاحتلال من عدوان يومي يهدد بإشعال المنطقة بأسرها، وينذر بحالة من الحرب، التي تُصر الحكومة المتطرفة على أن تكون حربًا دينية، من خلال ما تتخذه من سياسات عنصرية حاقدة بحق المسلمين ومقدساتهم في فلسطين"، كما دعت إلى عودة السيادة على المسجد الأقصى لدائرة الأوقاف الإسلامية كما كانت، ووقف اقتحامات المستوطنين لساحاته الشريفة، والكف عن ملاحقة المصلين والمرابطين هناك. هذه المواجهات جاءت في الوقت الذي انطلقت فيه مساعٍ أردنية لتهدئة الأوضاع هناك، وذلك بعد أن اشتعل الغضب الفلسطيني، وانطلقت الدعوات إلى مواجهه الاحتلال عند نقاط التماس، ورفض العبور عبر البوابات الإلكترونية التي أقامها الاحتلال عند مداخل المسجد الأقصى، الأمر الذي أعطى مؤشرات بتعقيد الأزمة هناك؛ لتتدخل الأردن في محاولة لفك العقدة وتهدئة الأوضاع التي تتجه إلى المزيد من التصعيد. وأكد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، ضرورة العمل بشكل فوري على إعادة الهدوء واحترام الوضع القانوني والتاريخي القائم في الأماكن المقدسة، وقال الصفدي: من الضروري أن يفتح الكيان الإسرائيلي المسجد الأقصى بشكل كلي وفوري. محذرًا من تبعات استمرار التصعيد حول المسجد الأقصى، مشيرًا إلى استمرار الاتصالات المكثفة بين الأردن، بقيادة الملك "عبد الله الثاني"، وكيان الاحتلال، من أجل ذلك ووقف التصعيد، وبالتالي نزع فتيل أزمة سيكون من الصعب تطويقها إذا ما استمر التصعيد، في ضوء المكانة المقدسة للحرم القدسي والمسجد الأقصى لدى الأمتين العربية والإسلامية.