رغم الاحتفاء الكبير من جانب المجتمع بتفوق الطالبة مريم فتح الباب بعد حصولها على المركز الاول فى الثانوية العامة ، والذى ظهر من خلال وسائل الإعلام المختلفة إضافه الى صفحات التواصل الاجتماعي إلا أن هذا الاهتمام قد حمل بقدر كبير روحا طبقية وإحساس بالدهشة والحيرة، فكيف لتلك الفتاه التى يعمل والدها بوابا أن تحصد المركز الأول ؟! ربما تأتى حيرة ودهشة المجتمع الذى تواطأ منذ عقود مع استعادة حثيثة لطبقية مقيتة اختفت لأكثر من عقدين في أعقاب ثورة يوليو 1952 حتى بدى الانفتاح الاقتصادي 1974يؤتى ثماره الاجتماعية فى فتره حكم مبارك، ورغم التوقف المؤقت لقطار الطبقية التى صنعته ثورة يناير 2011 من خلال شعارات كانت تبحث عن استعادة قيمة العدالة الاجتماعيه فى زخم الميادين، إلا أن ذلك التوقف لم يستمر طويلا، وكأنه استراحة لقطار قرر الوصول إلى محطة النهاية لاستعادة مصر كما كانت عشية 22 يوليو 1952 بوجهها الطبقى الصارخ، وليس بأى وجه آخر كانت عليه مثل الحرية والتنوير والصناعة أو حتى الزراعة. جاءت "مريم فتح الباب "لتفتح وجعا كدنا جميعا أن نتعايش مع آلامه المبرحة كل صباح. مجتمع صار يتعاطى مع الطبقية بسياسة الأمر الواقع، فأغنياء الزمن السعيد قرروا الانتقام من هؤلاء الملايين الذين ظنوا عبر ثورة يناير أنهم سواسية فانطلق حكامه يسنون القوانين التي تزيد إفقارهم وتحافظ ايضا على مكاسب الأسياد الطبقيين. "مريم " التى تفخر – وهى على حق – بأن والدها يعمل بوابا من المؤكد إذا قررت أن تلتحق بكليه الاقتصاد والعلوم السياسية فلن تستطع أن تعمل سفيرة لأنها "غير لائقة اجتماعيا " كما كان حال الراحل منتحرا "عبد الحميد شتا"، وإذا قررت الالتحاق بكليه الحقوق وتفوقت كعادتها وأرادت أن تلتحق بالقضاء فلن تتمكن؛ لأن وزير العدل السابق صرح علانية بأن "ابن عامل النظافة لا يصلح أن يكون قاضيا" فما بالنا بابنة البواب. هو واقع يفرز القبح ويحتفى بمن يصنعون الوهم والعهر والفساد، ويسحق من يحصدون العلم والإبداع والتضحية وجع على وجع ذلك الاحتفاء الخبيث فى بعض الأحيان بالملهمة مريم التى وضعت واقعنا على المحك دون قصد. حاول البعض أن يستخدمها كورقة التوت التى تخفى عوار مجتمع طبقى بامتياز، وحاول البعض الآخر أن يثبت من خلال حالة مريم الاستثناء الذى يؤكد القاعدة، وهى ان الوطن يتسع أيضا للفقراء لذا فقد وجب على إعلام رجال ونخبة "زرائعية" أن تقدم مريم كنموذج للإرادة والتحدي وكان الطبيعي ألا يخرج من طبقات مسحوقة من يستطيع التميز والتفوق. وكان المجتمع قبل تعامل مع تفوق طه حسين الذى خرج من مجاهل الصعيد ورفاعة الطهطاوى ثم أحمد زويل وغيرهم بما يليق بمواطن اجتهد فأنجز وبذل جهدا فتفوق، لكنه فى حالة مريم لم يكن هكذا، فقط انشغلنا بعمل والدها واعتبرناه مفارقه تستحق التوقف فى زمن التعليم "المدفوع " ومدراس الانترناشونال.