«غير لائق اجتماعيا» ..كانت هذه الجملة بمثابة الصاعقة التى جعلته يري الدنيا تضيق من حوله حتى كادت تسحقه أو هى قد سحقته بالفعل عندما دمرت أحلام السنين فى لحظة وحطمت كل أفكاره القديمة عن الطموح والأمل فى غد أفضل والتى زرعتها فى نفسه شعارات مدرسية أصبح الآن يدرك أنها «جوفاء»، تلك الشعارات تعلمها من خلال تلك السبورة السوداء المتهالكة فى مدرسة حكومية استطاع والده العامل البسيط تسديد نفقاتها بالكاد ..لا يستطيع حتى أن يبتسم بمرارة وهو يتذكر تلك العبارات «من جد وجد» و»من زرع حصد» .لقد كان عليه أن يتعلم عبارات أخرى تعكس الواقع فى مجتمع يكرس الطبقية ولا يعرف من العدالة الاجتماعية سوى المصطلح .مجتمع يسحق الفقراء ومبدأه «اللى له ضهر» ..توقفت خطواته أمام النيل شرد فى صفحة مائه التى عكست له أصداء النهاية وقرر أن يكتب السطر الأخير فى حياة بدأت بتطلعات وانقلبت إلى إحباطات. وابتلع ماء النهر جسد الشاب الذي لم يشفع له تفوقه كى يلتحق بالخارجية فهو ابن عامل بسيط وأبناء العمال والفلاحين الذين انتصرت لهم ثورة يوليو عادوا لتهزمهم أفكار الرأسمالية «السداح مداح». بعدها ببضعة أشهر ابتلع ماء النهر جسد هذا الموظف البسيط الذي يكفى راتبه بالكاد سد رمق أطفاله الصغار بينما ينام وأحشاؤه تصرخ من الجوع ..لم يعد يتحمل بكاء الصغار وهم يريدون ويطلبون وليس بوسعه سوى أن يهز كتفيه يأسا وإحباطا. لم يستطع تحمل نظرات الحزن فى أعينهم وهو يخبرهم أنه لن يستطع شراء ملابس العيد لهم أصابه الاكتئاب فقرر مفارقة الحياة. كم تكررت الحالتين: حالة الشاب الذي فقد الأمل والموظف الذي فشل فى تلبية احتياجات أسرته .وستظل تتكرر طالما ظل الحال على ما هو عليه . وعندما تتكرر حالات الانتحار بسبب اليأس والعوز وقلة الحيلة فلابد أن نقيم سرادقات العزاء فى المأسوف عليها «العدالة الاجتماعية «