تحمل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو إلى فرنسا، التي بدأت اليوم، الكثير من الأهداف التي من شأنها التأثير على مستقبل القضية الفلسطينية في الفترة المقبلة وملفات أخرى في الشرق الأوسط. وفي الوقت الذي يزور فيه نتنياهو باريس لإحياء ذكرى حملة الاعتقالات التي طالت اليهود على يد النظام النازي في أربعينات القرن الماضي، تأتي الزيارة في أوج توتر مشتعل بسبب الانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في حق الفلسطينيين، في حملة بدا واضحًا أنها تستهدف النيل من المقدسات الإسلامية في مدينة القدس. ومن المقرر أن يعقد نتنياهو لقاء مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، للمرة الأولى منذ توليه السلطة بعد انتخابات فاز فيها الأخير على أقرب منافسيه من اليمين المتطرف ماريان لوبان، وعلى الرغم من أن إسرائيل كانت تبدي موقفًا محايدًا في هذه الانتخابات فإنه كان واضحًا تفضيلها ماكرون عن اليمين المتطرف بسبب موقف الأخير المتعاطف مع الحركة النازية، فيما أبدى ماكرون مغازلته للاحتلال الإسرائيلي في أكثر من مناسبه. خفض التوتر تأتي زيارة نتنياهو إلى فرنسا في وقت تشهد فيه الساحة الفلسطينية توترًا كبيرًا على خلفية ما تنتهجه سلطات الاحتلال الإسرائيلي من انتهاكات بحق المسجد الأقصى، حيث أغلقت السلطات الإسرائيلية المسجد واعتقلت مفتى القدس، فيما أدت هذه الحملة إلى استشهاد 3 شبان فلسطينيين، ويحاول رئيس وزراء الاحتلال خلال هذه الزيارة إقناع المسؤولين في فرنسا بحقه في اتخاذ إجراءات ضد الفلسطينيين، خاصة في الآونة الأخيرة، بعدما شنت المقاومة الفلسطينية هجوما في القدس ضد عدد من عناصر الشرطة الإسرائيلية قتل على إثره شرطيان. زيارة نتنياهو لفرنسا أثارت استياء البعض، ونُظم فيها عدد من المظاهرات والمسيرات ضد الزيارة واصفين رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه مجرم حرب لا يرقى إلى استضافته في قصر الإليزيه من قبل الرئيس الفرنسي، وقال الاتحاد اليهودي الفرنسي للسلام إنه "صدم" بدعوة مسؤول إسرائيلي إلى مراسم إحياء ذكرى "جريمة محض فرنسية ضد الإنسانية"، واحتج الحزب الشيوعي الفرنسي أيضا، معتبرا أن نتنياهو "لا يحمل رسالة سلام". من جانب آخر، تأتي الزيارة في وقت تلاحق فيه نتنياهو الكثير من قضايا الفساد، حيث يخضع لتحقيقين قضائيين، وتتراكم عليه المتاعب خصوصا في إطار قضية الفساد المرتبطة بشراء غواصات ألمانية، وتسود "حالة طوارئ" في مكتب رئاسة الحكومة، بحسب تقارير صهيونية عدة، في أعقاب التطورات التي طرأت على قضايا فساد، ودفعت هذه الحالة نتنياهو إلى تأجيل سفره إلى فرنسا، من يوم الجمعة إلى مساء السبت، فيما عقد نتنياهو اجتماعا مع وزراء وأعضاء كنيست من حزب الليكود ومقربين منه، وطلب منهم أن يتجندوا لمجهود إعلامي بهدف صد حملة وصفها بأنها "سياسية". استطلاع موقف وبحسب تقارير فرنسية، فإن اللقاء سيكون مناسبا لاستطلاع نتنياهو موقف الرئيس الفرنسي من قضايا الشرق الأوسط خاصة التي تتعلق بالقضية الفلسطينية، وتحديدا نوايا فرنسا الجديدة بشأن الدور الذي تنوي لعبه في الملف، أو موقفها من المبادرة الفرنسية التي كانت سبب أزمة بين الرئيس السابق فرانسو هولاند ونتنياهو. وبينما يؤكد مراقبون أن موقف ماكرون مازال غامضًا بشأن الملف الفلسطيني فإنه بعد أيام من وصوله إلى قصر الإليزيه كان له موقف أبدي فيه بعض المغازله نحو الإدارة الإسرائيلية وهو ما ظهر في تعليق عضوية أحد الأعضاء في حزبه إلى الأمام بسبب مواقفه المناهضة لإسرائيل، والمؤيدة للقضية الفلسطينية، لكن يرى نتنياهو أن ذلك غير كاف لمعرفة الموقف من الملف بشكل عام، لا سيما بعدما استقبل الرئيس الفرنسي نظيره الفلسطيني محمود عباس، في قصر الإليزيه وأكد مجددا دعم فرنسا لحل الدولتين وإدانته الاستيطان الإسرائيلي. المبادرة الفرنسية من جانب آخر، قال دبلوماسيون فرنسيون إنه لا بد أن يستغل ماكرون انشغال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن القضية الفلسطينية لتولي فرنسا دورا أكبر في حلها، ولكن رغم ذلك لم يكشف هؤلاء عما إذا كانت باريس تنوي إحياء المبادرة الفرنسية التي أطلقها سلفه فرنسوا هولاند وتدعو إلى معالجة دولية للأمر. وكان نتنياهو قد رفض المبادرة الفرنسية لإحياء عملية السلام، بعدما دعت باريس في يناير الماضي إلى مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط لحل القضية مثيرة بذلك غضب الاحتلال، وهو أمر أشعل أزمة دبلوماسية بين إسرائيل وفرنسا، لكن نتنياهو يستهدف أن تكون علاقاته مع ماكرون أكثر تفهمًا من هولاند الذي دعمت بلاده قرار اليونسكو الذي تبنى قرارًا لا يعترف بوجود أي علاقة لليهود بموقع المسجد الأقصى بناء على اقتراح من ممثلي عدد من الدول العربية في نوفمبر الماضي. حشد ضد إيران ويفترض أن يناقش نتانياهو وماكرون قضية إيران أيضا وكذلك سوريا التي تثير قلقا متزايدا لدى الكيان الصهيوني، وذلك لحشد أكبر قوى غربية ضد طهران في محاولة لإضعاف قيمة الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع القوى الكبرى في العام قبل الماضي. وتقول الصحف الأجنبية إن بنيامين نتنياهو، يحاول منذ عام 1996، وصعوده إلى السلطة أن يحشد القوى الغربية ضد إيران من خلال التحذير من امتلاكها أسلحة نووية، ليضع الملف الإيرانى في صدارة الأجندة الدولية، وليصرف الانتباه عن بناء المستوطنات الإسرائيلية «غير الشرعية» فى الضفة الغربية، وممارساته وانتهاكاته اليومية ضد الأراضي الفلسطينية والشعب الفلسطيني.