بعد شهور من عودة العلاقات التركية الإسرائيلية إلى طبيعتها إثر اتفاق، يزيل آثار الهجوم الإسرائيلي على السفينة التركية مرمرة التي تحمل مساعدات تركية إلى غزة، والذي أسفر عن مقتل عشرة ناشطين أتراك عام 2010، يتجه التعاون بين الجانبين إلى منعطف جديد، حيث يزور صهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأراضي المحتلة في الشهور المقبلة؛ لتوقيع اتفاق مد أنبوب الغاز الذي استولى عليه الكيان الصهيوني في البحر المتوسط إلى أوروبا، الأمر الذي يطرح عدة تساؤلات عن ماهية هذا المشروع، وهل سيمهد لصراع مع الروس، أكبر مُصدر للغاز إلى الغرب، وما هي التحديات التي تواجهه؟ فقد أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال ستينيتز، في إسطنبول أمس، أن نظيره التركي براءات البيرق (زوج ابنة الرئيس رجب طيب أردوغان والمقرب كثيرًا منه) سيزور إسرائيل قبل نهاية العام، مذكرًا أن الهدف من الزيارة هو إبرام اتفاق بين الجانبين، حول مد خط لنقل الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى تركيا. ويرى المراقبون أن الزيارة المرتقبة ستكون خطوة دبلوماسية جديدة، تتخذها أنقرة، بعد عودة الدفء للعلاقات بينها وبين تل أبيب، إثر سنوات من الجفاء المعلن، بسبب الهجوم الإسرائيلي على سفينة مرمرة. وبدأ الحديث عن هذا المشروع في يونيو العام الماضي، حيث ناقش الجانبان موضوع خط الغاز بعد تسوية الخلاف بينهما، في إطار رغبة إسرائيلية في أن تتمكن لاحقًا من تصديره إلى أوروبا عبر تركيا. وكان الاحتلال الإسرائيلي يعتزم مد خط أنابيب تحت الماء؛ لنقل الغاز من حقل «ليفيثان» إلى مدينة "برينديزي" الإيطالية عبر قبرص واليونان، وعلى الرغم من أنه ليس مؤكدًا أن المشروع التركي بديل عن القبرصي، إلا أنه يبدو من قلة الحديث عن المشروع القديم الذي كان مطروحًا في فترة توتر العلاقات التركية الإسرائيلية أن التركي سيكون ذا أولوية عن القبرصي، لا سيما وأنه سيكون أقل تكلفة عن الآخر. ويأتي الاهتمام الشديد من جانب الكيان الصهيوني بتصدير الغاز إلى تركيا لعدة أسباب، أهمها أنه في حال توقيعه صفقة ضخمة لبيع الغاز إلى تركيا، سيتمكن من تطوير حقل لفيتان، الذي يحتاج إلى استثمارات ضخمة، والسبب الثاني للاهتمام الصهيوني هو أن يحل مكان روسيا في تصدير الغاز لأوروبا عبر تركيا، حيث تعتمد القارة على تزويد روسيا لها بما يقدر ب30%، والذي يصل إليها عبر أوكرانيا. التضارب مع روسيا يعني إنشاء خط الغاز من الأراضي المحتلة إلى أوروبا أن منافسة تل أبيب لموسكو في السوق الأوروبية ستكون محتدمة، لا سيما وأن روسيا أكبر سوق مصدر للغاز إلى أوروبا، ومن ثم بدا واضحًا أن الكيان الصهيوني يعتمد على الكثير من الخطط البديلة لاختراق أوروبا، تتضارب كلها مع الرغبة الروسية، حيث يلوح في الأفق توتر سياسي بين الروس والأوروبيين، يدفع الكيان الصهيوني إلى استغلاله والاستفادة منه لتحقيق مبتغاه، حيث وافق الاتحاد الأوروبي على تمديد العقوبات الاقتصادية على روسيا في ديسمبر الماضي، وبالتالي فإن خط الغاز الإسرائيلي قد يلقى قبولاً بأوروبا الساعية للاستقلال عن سطوة الغاز الروسي عليها، الأمر الذي سيفتح باب المفاضلة بين الغاز الروسي والغاز الإسرائيلي، خاصة أن المؤشرات توضح أن تكلفة إنتاج الغاز الإسرائيلي ستكون مرتفعة مقارنة بتكلفة الروسي. في المقابل فإن موسكو التي تزود أنقرة بنحو 60% من احتياجاتها من الغاز لن تسمح للكيان الصهيوني من حيث المبدأ بانتزاع السوق التركي منها أو التوغل على حسابها في الأسواق الأوروبية، وهو ما يحاول الكيان الصهيوني على أثره أن يخلق اختيارات أخرى دون أن يستبعد أيًّا منها، كالمشروع القبرصي. ولا تقتصر محاولات الكيان الصهيوني باتجاه الغاز الذي يستهدف موسكو على البعد الاقتصادي، لكن هناك بعد سياسي، حيث أملت صحيفة هآرتس العبرية بأن روسيا تتخلى عن دعمها لإيران مقابل الغاز الإسرائيلي، وتراهن الصحيفة على أن الكرملين يضع أولوياته الاقتصادية والسياسية قبل علاقته مع إيران، وهي أولويات ضمان موارد الطاقة الرئيسية، الأمر الذي يشير إلى أن تل أبيب تعتبر الغاز ورقة ضغط على روسيا. التحديات التي تواجه المشروع تعد تكلفة المشروع باهظة جدًّا، حيث يحتاج إلى مزيد من اكتشافات الغاز الذي يتوقع الاحتلال أنه يصل إلى عشرين بئرًا استكشافية، يتم التنقيب فيها خلال العامين القادمين، وتتكلف كل بئر مائة مليون دولار، وتستغرق ثلاثة أشهر للتنقيب من خلال سفينة مجهزة خصيصًا لذلك، وبالتالي فإن الاحتلال يجب أن يجتذب ملياري دولار لهذا. الامر الآخر هو التحدي التجاري، فمع الاكتشاف العالمي لكميات كبيرة من الغاز الخام هبطت أسعاره، وبعكس النفط تميل أسعار الغاز إلى التنوع في أجزاء مختلفة من العالم، غير أن الاتجاه العام للأسعار المنخفضة يطرح ضبابية فيما يخص الحيوية التجارية لمشروعات غاز جديدة، مثل حاجة الكيان الصهيوني المفترضة إلى استثمار مبالغ ضخمة في البنية التحتية لخطوط الأنابيب ومحطات المعالجة.