ارتبطت الأوامر والقرارات الملكية في السعودية منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم قبل ما يربو عن عامين بتمهيد خلافة نجله ولي ولي العهد ووزير الدفاع، محمد بن سلمان، في حكم المملكة، متجاوزاً محمد بن نايف، بن شقيقه وولي عهده ووزير الداخلية. فسلسلة حِزم القرارات الملكية التي يفصل بينها شهور قليلة لا تتعلق فقط بتغيرات اعتيادية في المناصب التنفيذية والإدارية في السعودية وحتى المناصب السياسية والأمنية بمعيار عملي إجرائي، ولكن بتمهيد مسار بن سلمان نحو عرش المملكة وتهيئة الهيكلية الإدارية والأمنية والعسكرية وأخيراً القضائية في الرياض لهذا الأمر، وفي نفس الوقت قطع الطريق على بن نايف لتولي الحكم بعد وفاة أو تنحي سلمان. وبشكل عام فإن سلسلة القرارات الملكية في الشهريين الماضيين، لا تأتي فقط كخطوة عملية في إخراج ولي العهد محمد بن نايف بشكل كامل من دائرة النفوذ والقرار لدرجة يدخل فيها بشخصه ومنصبه إلى دائرة التمثيل الشرفي، ولكن أيضاً سيطرة بن سلمان عبر والده على ما تبقى من المناصب الحساسة والهامة الأمنية والعسكرية والاستخباراتي والنفطية والدبلوماسية والتنفيذية والعدلية، ويدشن معيار جديد لتولي المناصب في المملكة هو مدى الرضا والقرب من شخص محمد بن سلمان وموالاة سياساته الساعية للقفز المبكر على عرش المملكة متجاوزاً بن نايف. أيضاً يمكن اعتبار هذه القرارات تطبيق عملي لمدى النفوذ الداخلي والخارجي الذي انتزعه بن سلمان، وأخره الحصول على ضوء أخضر أميركي بمباركة إجراءاته الداخلية السابقة واتخاذ الخطوات الأخيرة، وربما في المستقبل لما هو أكبر منها نظير إعادة ترتيب العلاقات بين واشنطنوالرياض عبر بن سلمان على أساس أنه الحاكم الفعلي حالياً والملك القادم مستقبلاً، وخاصة وأن إطالة أمد الصراع الداخلي في المملكة منذ أواخر عهد الملك السابق، عبدالله بن عبد العزيز، قد أنعكس على السياسات الخارجية للمملكة بما في ذلك شن حرب اليمن التي في المحصلة لم تخرج عن كونها آلية تلميع ودعاية وتأهيل للأمير الشاب، وإقناع الأميركيين أنه رقم هام لا يمكن لواشنطن أن تهمشه في معادلة سياساتها في المنطقة. وكذلك ضمان أنه لن يكون من السهل على محمد بن نايف حال وقوع مفاجأة درامية متمثلة في وفاة الملك سلمان قبل إعفاءه من ولاية العهد، وبالتالي صعوده كملك للسعودية، أن يعزل محمد بن سلمان الذي سيصبح ولي للعهد ومسيطر فعلي بحكم التغيرات التي أجراها في العاميين الماضيين على معظم مؤسسات الحكم في السعودية؛ ولكن هنا ينبغي الإشارة إلى أن السعودية ليست دولة مؤسسات وهيكلها المؤسسي والإداري والسياسي قائم على فكرة الولاء للفرد لا للدولة على نمط ممالك العصور الوسطى وبالتالي فإن الضامن الوحيد لنجاح مخطط بن سلمان هو بقاء والده على قيد الحياة حتى الإطاحة رسمياً ببن نايف الذي أضحى مؤخراً ولي عهد بدون سلطة فعلية ومشكوك في سلطته المستقبلة. في هذا السياق نوَه المحلل والباحث المختص بالشأن السعودي، مدير برنامج سياسات الخليج والطاقة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، سايمون هندرسون، في تعليق أخير له نشره المعهد حول قرارات ملكية جديدة صدرت في 17 من الشهر الجاري، ألقى من خلاله الضوء على التغيرات التي ستترتب على النظام القضائي السعودي وعلاقة ذلك بالصراع بين المحمدين على عرش آل سعود وعلاقة ذلك بإدارة ترامب ومسار العلاقات السعودية الأميركية في عهد إداراته. وفيما يلي نص تعليق هندرسون:
يبدو أن سلسال القرارات الملكية السعودية التي صدرت في 17 يونيو زادت من تهميش ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف، وتؤكد الصعود السياسي لنجل الملك سلمان ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وعلى الرغم من أن القرارات تبدو محدودة، إلا أن أكثرها أهمية يعيد هيكلة نظام الملاحقات القضائية في المملكة. وفي الترتيب الجديد، يفقد ولي العهد ووزير الداخلية محمد بن نايف، سلطات الإشراف على التحقيقات الجنائية. وهكذا أُعيدت تسمية "مكتب التحقيق والادعاء العام" إلى "النيابة العامة"، وأصبح المدعي العام المعين حديثاً مسئولا أمام الملك مباشرة. وعلق محامي سعودي نقلت عنه اليوم الصحيفة السعودية "سعودي جازيت" التي تصدر باللغة الانجليزية قوله "إن الأمر الأكثر أهمية من تغيير الأسم هو أن النيابة العامة تقع تحت سلطة الملك المباشرة وليس وزارة الداخلية". وقال المحامي: "هذا يعني أنها مستقلة". وغيرت مراسيم أخرى الموظفين الرئيسيين الذين كانوا مسئولين أمام محمد بن نايف وحليفه الرئيسي في العائلة المالكة، الأمير متعب بن عبد الله، الوزير المسئول عن" الحرس الوطني السعودي" وابن الملك السابق. وفي الواقع، تنقل المراسيم المزيد من السيطرة إلى ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الابن المفضل للعاهل السعودي، الذي هو أيضاً وزيراً للدفاع ويسيطر بشكل فعّال على سياسة الحرب في اليمن والمواجهة مع قطر. كما يشرف الأمير بن سلمان على قطاع النفط ويقود «الرؤية 2030»، التي هي خطة المملكة لإصلاح اقتصادها. ومنذ انتخاب الرئيس دونالد ترامب، سعى بن سلمان إلى إدارة العلاقات الثنائية. ووفقاً لمسئولين أجانب ودبلوماسيين كانوا قد اجتمعوا مع الملك، الذي سيبلغ من العمر 81 عاماً هذا العام – على الرغم من أنه يظهر بشكل منتظم في العلن ويجتمع مع الوجهاء السعوديين والقادة الأجانب – قولهم بأنه يميل إلى تكرار الحكايات ويتم مؤخراً إبعاده تدريجياً عن اتخاذ القرارات الفعلية. وهناك نقاش يدور في جميع أنحاء المجتمع السعودي، حول ما إذا قد يقوم الملك سلمان باستبدال الأمير محمد بن نايف بالأمير محمد بن سلمان ومتى سيتم ذلك. وتمتد التكهنات لتشمل أي من الساسة في واشنطن يؤيد أي من المرشحَيْن. ففي فبراير، منح مدير "وكالة المخابرات المركزية" الأمريكية المعين حديثاً مايك بومبيو ميدالية لمحمد بن نايف تكريماً للأعمال التي يقوم بها في مكافحة الإرهاب، وهو شرف يُنظر إليه من قبل بعض السعوديين كدعم للوريث الشرعي. ومع ذلك، ففي حفلة عشاء أُقيمت في الرياض في مايو، جلس جاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس ترامب وصهره، بجوار محمد بن سلمان. وربما يعتبر البيت الأبيض تحت إدارة ترامب أن الأمير محمد بن سلمان هو القائد القادم على الأرجح للسعودية، وربما الأكثر تفضيلاً نظراً لدوره في الخطة الاقتصادية «الرؤية 2030» واهتمامه المعلن بتحديث المجتمع السعودي. ومن شأن هذا التحّول أن يغيّر التقاليد السابقة للخلافة السعودية، ومن المرجح أن يعزّز جهود السياسة الخارجية السعودية حول اليمن وقطر. إلا أنّ توقيت مثل هذا التحوّل وطبيعته لا يمكن إلّا تخمينه، كما أن الدعم السعودي الأوسع للعلاقات مع الولاياتالمتحدة قد يتم تقويضه بمظاهر التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية.