تجري اليوم في المملكة المتحدة انتخابات عامة مبكرة من خلال 650 دائرة انتخابية، والتي ستختار كل منها نائبًا لها في مجلس العموم، الذي يمثل كل البلدان المشكلة للمملكة المتحدة وهي "إنجلترا-ويلز-اسكتلندا-إيرلندا الشمالية". ومن المفترض أن يتوجه نحو 47 مليون ناخب إلى صناديق الاقتراع لانتخاب البرلمان الجديد، والذي ستمثله حكومة تقود البلاد في مفاوضات البريكست، والتي ستكون مثقلة بتحديدات أمنية واقتصادية وسياسية. انتخابات مبكرة الانتخابات العامة في بريطانيا تجرى كل 5 سنوات، آخرها كان سنة 2015، والمقبلة كانت ستجرى في 2020، إلا أن رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، قررت الدعوة إلى انتخابات مبكرة، وهو ما وافق عليه مجلس العموم بأغلبية ساحقة، والسبب الذي أعلنته لإجراء انتخابات مبكرة هو أنها تريد أن تعزز موقفها في مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي. تقسيم الدوائر الانتخابية العدد الأكبر للمقاعد الانتخابية البالغة 533 مقعدًا يعود لإنجلترا، نظرًا لمساحتها وعدد سكانها، فالعاصمة لندن وحدها أكثر من أي من البلدان الثلاثة الأخرى، وتحتوي على 73 دائرة انتخابية، بينما اسكتلندا 59 مقعدًا، وويلز 40 مقعدًا، وإيرلندا الشمالية 18 مقعدًا. عدد المرشحين أكثر من 3300 مرشح يتسابقون للفوز بمقعد برلماني ينتمون لقرابة 400 حزب، وعلى رأس الأحزاب الكبرى في المملكة حزب المحافظين، وحزب العمال، والحزب الليبرالي الديمقراطي، وحزب الخضر، وحزب استقلال المملكة المتحدة، إضافة إلى الأحزاب الكبيرة في اسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية، إلى جانب أكثر من 180 مرشحًا مستقلًّا. السباق المحموم على كرسي داوننج ستريت تصدره الملف الأمني في الأجندات الانتخابية للأحزاب الرئيسية بعد الأعمال الإرهابية التي حصلت في مانشستر ولندن، تيريزا ماي استغلت الساعات الأخيرة لإقناع الناخبين من مختلف المناطق بأنها ربان السفينة القادرة على النجاة بالبلدان في مفاوضات البريكست، لكنها اصطدمت بامتعاض الناخبين وحصار الصحفيين لها، لفشلها في حفظ الأمن القومي، بسبب صرفها 20 ألف شرطي جراء سياستها التقشفية. وبالنسبة لجيريمي كوربين اليساري القادم من المقاعد الخلفية في مجلس العموم، أسعفه تراجع ماي في بعض الملفات الداخلية، فضلًا عن جرأته في توجيه أصابع الاتهام إلى تدخلات بريطانيا الخارجية، والربط بينها وبين الإرهاب في الداخل، وهو ما أيده فيه 75% من البريطانيين بحسب استطلاع أجرته صحيفة الإندبندنت البريطانية. استطلاعات الرأي أجمعت على زيادة شعبية حزب العمال بقيادة كوربين، وتقليصه الفارق مع حزب المحافظين، لكن المعركة تبقى بين الحزبين على الفوز بالأغلبية في البرلمان التي كانت تظن ماي بأنها ستفوز بها بسهولة حين دعت إلى الانتخابات المبكرة. زعيمة حزب المحافظين، تيريزا ماي كانت ماي، قبل أن تخلف ديفيد كاميرون في رئاسة الحكومة البريطانية عام 2016، شخصية غامضة حتى بالنسبة لرفاقها في حزب المحافظين، ومثل كاميرون، كانت ماي من معارضي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكسيت)، ولكنها تمكنت بدهاء من إبقاء مناوئي الاتحاد الأوروبي في حزبها إلى جانبها في الحملة التي سبقت استفتاء يونيو الماضي حول عضوية الاتحاد الأوروبي عن طريق تجنب لفت الأنظار اليها، ونالت جائزتها عندما أصبحت خليفة كاميرون غير المنازعة، وذلك عقب خروج كل منافسيها واحدًا تلو الآخر، وصورت ماي نفسها بأنها سياسية مؤتمنة ستنفذ إرادة الشعب البريطاني بإخراج البلاد من الاتحاد الأوروبي بأفضل الشروط الممكنة، وقبل توليها رئاسة الحكومة شغلت منصب وزيرة الداخلية. زعيم حزب العمال جيريمي كوربين كان انتخاب جيريمي كوربين زعيمًا لحزب العمال في سبتمبر 2015 عندما كان يبلغ من العمر 66 عامًا من أكبر المفاجآت في تاريخ بريطانيا السياسي. ويعتقد قادة بارزون في حزب العمال أن السياسات التي ينادي بها كوربين، ومنها تأميم خطوط سكك الحديد، ووضع حد لعقود العمل غير المحدودة، تتمتع بشعبية في صفوف الناخبين، كما يعتقدون أن الناخبين سينظرون إلى الزعيم العمالي على أنه صاحب مبدأ وخلوق، خصوصًا إذا قورن بمنافسيه المحافظين. ومن أبرز مواقف كوربين العربية التضامن مع الفلسطينيين، فهو عضو في حملة التضامن مع فلسطين، ويشارك باستمرار في حملات الاحتجاج ضد الوضع في غزة، وكان رئيسًا لائتلاف "أوقفوا الحرب على العراق". زعيم حزب الليبراليين الديمقراطيين، تيم فارون ترشح تيم فارون عن حزب الليبراليين الديمقراطيين للمرة الأولى في عام 1992 ولم يكن قد تجاوز ال 21 عامًا، ونجح في الفوز بمقعد في مجلس العموم في عام 2005، وقرار الليبراليين الديمقراطيين المشاركة في حكومة ائتلافية مع المحافظين في عام 2010 كلفهم ثمنًا باهظًا فيما يتعلق بالتأييد الشعبي والتمثيل في مجلس العموم، إلا أن استفتاء الاتحاد الأوروبي الذي أجري في يونيو 2016 بدا أنه ألقى للحزب بحزام نجاة. تعهد فارون باستخدام كل ما لدى الحزب من نفوذ في مجلس اللوردات – لدى الليبراليين الديمقراطيين أكثر من 100 من أعضاء المجلس غير المنتخب – في تقويض ما وصفه برؤية تيريزا ماي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون التوصل إلى اتفاق مُرضٍ. زعيمة الحزب القومي الاسكتلندي، نيكولا ستيرجين تولت نيكولا ستيرجين زعامة الحزب القومي الاسكتلندي قبل أقل من ثلاث سنوات، ولكنها الآن تقود الحزب في رابع انتخابات عامة يشارك بها، وعلى خلاف حزب العمال الذي كان يهيمن على الحياة السياسية في اسكتلندا، اقتنعت ستيرجين بأن ذلك الجزء من المملكة المتحدة لا يمكن له أن يزدهر إلا إذا استقل، وكانت نتيجة الاستفتاء مخيبة لآمال ستيرجين، إذ خسر معسكر الاستقلال بنسبة 45 في المائة مقابل 55 في المائة حصل عليها معسكر الوحدة مع المملكة المتحدة. زعيمة حزب الخضر كارولين لوكاس كارولين لوكاس هي أول نائبة في مجلس العموم عن حزب الخضر، وهي النائبة الوحيدة التي تمثل الحزب. وبعد سنوات سبع قضتها في المجلس، أصبحت صورة الحزب وواجهته بالنسبة للعديد من الناخبين. عارضت لوكاس قرار المحافظين فرض ضريبة إضافية على "غرف النوم الزائدة" في المنازل المخصصة لذوي الدخول الضعيفة، كما عارضت تحديد سقف الإعانات الاجتماعية وتجديد برنامج ترايدنت للصواريخ النووية، واعتقلت في عام 2013 عندما كانت تشارك في مظاهرة للاحتجاج على استخدام أسلوب التكسير المائي لاستخراج النفط والغاز. ويؤيد الخضر – شأنهم شأن الليبراليين الديمقراطيين – إجراء استفتاء ثانٍ حول شروط إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. زعيم حزب استقلال المملكة المتحدة بول ناتول يقول البعض بأن هذا الحزب هو أنجح حركة سياسية تشهدها بريطانيا في السنوات ال 20 الماضية، فمن دونه لم يكن بالإمكان إجراء استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي ولم يكن لبريطانيا أن تخرج من الاتحاد، ومع ذلك يعترف ناتول صراحة بأن الانتخابات المقبلة ستكون صعبة بالنسبة لحزبه، وهو أمر أكدته الانتخابات المحلية الأخيرة التي خسر فيها حزب استقلال المملكة المتحدة كل المقاعد ال 146 في المجالس المحلية التي كان فاز فيها قبل سنوات أربع، فيما تحول الناخبون إلى المحافظين. ويدعو ناتول إلى إعلان الحرب على "ذوي الثقافة الماركسية" الذين يقول إنهم "غيروا طريقة تفكيرنا وطريقة كلامنا"، مضيفًا "لقد جعل هؤلاء الهراء أمرًا مقبولًا والمعقول أمرًا غير مقبول"، كما أن ناتول من المشككين في التوافق العام حول التغير المناخي، كما قال إنه سيدعم إجراء استفتاء حول إعادة العمل بعقوبة الإعدام في بريطانيا، ويتبنى ناتول موقفًا متشددًا من موضوع الهجرة، وكان قد أعلن في بدء حملته بأن حزبه ينوي حظر ارتداء النقاب. الجدير بالذكر أن استطلاعات الرأي في الانتخابات البريطانية السابقة أثبت فشلها في تحديد هوية الفائز بالأغلبية في مجلس العموم، الأمر الذي يراهن عليه المراقبون في حصول مفاجأة بانتخاب جيريمي كوربين رئيسًا للوزراء بعد أن خاض حملة شديدة الحماسة ونال تأييد شارعٍ عريض من الناخبين الذين يشيرون إلى مقاربة برنامجه الاجتماعي بهموم الناخبين.