تتجه الأنظار إلى بريطانيا خلال الأيام القليلة المقبلة، حيث تجرى الانتخابات العامة المبكرة في البلاد التي دعت لها رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي؛ للحصول على تفويض شعبي، يمكنها من السيطرة على زمام الأمور لتكون لديها القدرة على إدارة مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي وإسكات المعارضة داخل حزبها وخارجه لتنفيذ مشاريعها السياسية. وفي الأيام الأخيرة، احتدمت الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية البريطانية؛ فبينما يركز المحافظون على شعار الاستقلال بالقرار عن أوروبا والقيادة القوية لأجل الاستقرار الاقتصادي خلال الفترات المقبلة، يدخل العماليون اليساريون الانتخابات بشعار إحياء الأمل في كل فئات المجتمع البريطاني. ويبحث البريطانيون بعد قرار ماي المفاجئ بإجراء الانتخابات العامة، عن مرحلة سياسية جديدة تواجه تداعيات «البريكست» والعواقب الوخيمة التي قد تنتج عنه، لاسيما مع تلويح عدد من الدول داخل المملكة بالتوجه نحو الاستقلال، للوصول إلى قيادة قادرة على إدارة العلاقة المأزومة مع الاتحاد الأوروبي، ومن هنا يسعى حزب المحافظين (حزب تيريزا ماي) إلى نيل مشروعية أكبر لإتمام المفاوضات الشاقة. وتخوض سبعة أحزاب الانتخابات المقبلة في بريطانيا العظمى، وهي: المحافظون والعمال والحزب القومي الأسكتلندي والليبراليون الديمقراطيون والحزب الويلزي وحزب الاستقلال وحزب الخضر، إلى جانب أحزاب صغرى كالائتلاف الانتخابي للأحزاب الاشتراكية وحزب الاحترام والحزب الوطني البريطاني، بالإضافة إلى المستقلين، وفي أيرلندا الشمالية، تشارك خمسة أحزاب رئيسية، هي: الديمقراطي الاتحادي وشين فين والحزب الديمقراطي الاجتماعي والعمل (الرابع في انتخابات البرلمان الأوروبي عام 2014)، وحزب يونيستر الاتحادي وحزب التحالف. وهناك أهداف عدة لرئيسة الوزراء البريطانية والأحزاب المعارضة من الحشد لإجراء الانتخابات التي كانت من المقرر أن تجرى في عام 2020، حيث رأت رئيسة الحكومة أنها في حاجة إلى دعم الشعب البريطاني، في وقت يتصاعد فيه الجدل بين الأحزاب البريطانية وفي أوروبا بشأن التداعيات المستقبلية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على جميع الأطراف، حيث تبحث ماي عما تسميه "تفويضا جديدا وقويا" من البريطانيين، للحكومة التي ستخوض مفاوضات الخروج، وهي تدرك أن الموافقة بنسبة 51.9% على الخروج من الاتحاد في استفتاء 23 يونيو 2016، ومعارضة 48.1% لا تمنحها الصلابة اللازمة في المفاوضات، كما أنها ترغب من هذه الانتخابات أن يتصدر حزبها بفارق واسع، لتصبح غير مرغمة على خوض انتخابات مرة أخرى حتى عام 2022، الأمر الذي يتيح لها الوقت اللازم لتخوض مناورات في المرحلة النهائية من مباحثات الخروج من الاتحاد الأوروبي، المقرر أن تنتهي سنة 2019. وخلال اجتماعاتها الانتخابية، دعت ماي إلى التصويت لها من أجل الاستمرار في منصبها – الذي وصلت إليه بالتعيين- مشيرة إلى أن «السنوات الخمس المقبلة ستكون منعطفا للمملكة المتحدة ولحظة مؤسسة وتحديا، وكل صوت لي ولفريقي سيمدني بمزيد من القوة من أجل المفاوضات». وبعد كسب أغلبية أكبر لحزبها في مجلس العموم البريطانية، فإن ماي ستكون أكثر قوة عن السابق، وهنا ستكون قادرة بحسب مراقبين في صد أي محاولات انفصالية لتفكيك الوحدة البريطانية، لاسيما في ضوء دعوات ايرلندية وأسكتلندية للانفصال بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وترى ماي أن الانتخابات المبكرة عامل مهم لإثناء القوميين الانفصاليين عن مطلبهم، وهو ما عبرت عنه في وقت سابق، حيث أكدت أن خروجا غير منظم، وبشروط أوروبية عسيرة ومربكة لبريطانيا قد يدعم حركات الاستقلال بما يهدد فعلا بانفصال أسكتلندا، ويأزم الوضع أكثر مع إسبانيا حول منطقة جبل طارق، وهي تحاول وضع الخطط اللازمة لمواجهة هذا الأمر، وإتمام عملية "البريكست" بأقل الخسائر الممكنة، خاصة على الصعيد الاقتصادي. ويقول المعارضون لإجراء الانتخابات، إن تيريزا ماي دعت لها من أجل قطع الطريق على المعارضين لاتفاق البريكست خاصة بعد العريضة التي وقعها نحو 2.5 مليون شخص لإجراء استفتاء آخر على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وكان من المفترض قريبًا أن تزيد النسبة ويصل الأمر إلى التصويت في البرلمان على إعادة الاستفتاء. وتسعى الأحزاب المعارضة إلى تشكيل تحالف للحيلولة دون تشكيل حكومة أغلبية من حزب المحافظين ووضع شروط أفضل «للبريكست»، ويتكون من الخضر والليبراليين الديمقراطيين والعمال والحزب القومي الأسكتلندي، إلا أن الاقتراح لم يحظ بموافقة العمال، لاسيما أنه رفض إجراء استفتاء ثاني داعيًا إلى علاقة جديدة مع الاتحاد الأوروبي تقوم على الشراكة بدل العضوية، حيث يقترح حزب العمال أن يعقد صفقة مختلفة مع الاتحاد قوامها إعطاء الأولوية للوظائف وحقوق العمال والموظفين، وضمان حقوق الأوروبيين المقيمين في بريطانيا، والحصول على اتفاق مبكر مع التكتل الأوروبي من أجل تسهيل خروج بريطانيا من الاتحاد عام 2019. وخلال اليومين الماضيين، أجريت مناظرة غير مباشرة بين رئيسة الوزراء البريطانية ورئيس حزب العمال جيرمين كوربين، كان محورها الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتلقى الزعيمان عدة أسئلة في مواجهة يبدو أنها أعطت دفعة ل«العمال» مع تقليص الحزب الفارق مع «المحافظين»، حيث أظهرت استطلاعات للرأي أن التقدم الذي أحرزه حزب المحافظين على حزب العمال تقلص بمعدّل النصف منتصف مايو الحالي، ليبلغ تسع نقاط، حيث حصل حزب المحافظين على 44% من نوايا التصويت مقابل 35% لحزب العمال، وجاء ذلك بعد أن نشر الحزب برنامجه الذي يحمل طابعا اشتراكيا.