بشكل مفاجئ أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إجراء انتخابات عامة مبكرة في يونيو المقبل، وفيما جاء هذا الخبر كالقنبلة في وجه أنصار حزب المحافظين الذي تتزعمه وأحزاب المعارضة وقادة بروكسل واسكتلندا وإيرلندا وويلز، أكد مراقبون وسياسيون بريطانيون أن هذه الخطوة كانت متوقعة لإزالة أي معوفات وتحديات قد تقف أمام ماي في المرحلة المقبلة، لاسيما وأن لديها دوافعها التي أعطتها مرونة لآخذ هذا الموقف المفاجئ. وأكدت ماي أنها قررت الدعوة لانتخابات مبكرة بعد تردد؛ لأن البلاد تحتاج لهذه الخطوة، مشيرة إلى أنها ستتقدم بمشروع قانون أمام البرلمان لتمهيد الطريق أمام الدعوة للانتخابات، فيما أعلن رئيس مجلس العموم ديفيد لدينجتون عن حل البرلمان في 2 مايو المقبل. وقف الانقسام في الآونة الأخيرة شهدت بريطانيا الكثير من الخلافات بين الأحزاب السياسية التي أظهرت وجود فجوة كبيرة بشأن المؤيدين لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي والمناصرين لفكرة الخروج منه، حيث ادعت تيريزا ماي، والتي جاءت بعد استقالة ديفيد كاميرون، إثر الخروج من الاتحاد الأوروبي، أن هناك انقسامًا شديدًا في مجلس العموم، يحول دون تنفيذ إجراءات البريكست (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي). كما أنه بدا واضحًا أن استطلاعات الرأي الآخيرة، والتي تقيمها مراكز الأبحاث البريطانية، تؤكد وجود انقسام كبير بين الأحزاب السياسية في التعامل مع مستقبل الوضع السياسي والاقتصادي للبلاد، لاسيما وأن تدعيات نتائج استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد كانت شديدة إلى حد بعيد، خاصة على المجال الاقتصادي. الوقوف أمام أوروبا يقول مراقبون إن رئيسة الوزراء البريطانية قد تكون أجبرت على اتخاذ خطوة الانتخابات المبكرة بعد الرفض التام الذي أبداه زعماء الاتحاد الأوروبي لأي مساومة بشأن حقوق دخول السوق الأوروبية الموحدة، حيث كان موقف معظم الدول الرئيسية في الاتحاد صلبًا في منع خروج بريطانيا بيسر وسهولة دون التعرض لهزة اقتصادية، قد تصل لحد الكارثة، بسبب خشيتهم من أن يؤدي ذلك إلى تفكك الاتحاد الأوروبي وانهيار منطقة اليورو وتبعات هائلة على الاقتصاد العالمي. وكان من الواضح أن زعماء دول الاتحاد لن يتزحزحوا عن موقفهم، ولن يقدموا لبريطانيا أي تنازلات، وبدا أن بروكسل مجبرة على معاقبة لندن؛ لكي تكون عبرة لجميع الانفصاليين، في حين لم تجد تيريزا ماي مفرًّا من الدعوة لانتخابات عامة؛ لأن رصيدها السياسي لا يكفي لاتخاذ أي خطوات كبيرة تكون لها تبعات وخيمة على الاقتصاد البريطاني. أغلبية لإقرار البريكست ماي أكدت في تصريحاتها بعد هذه الخطوة قائلة: "إنني على قناعة صلبة أنه من الضروري توفير قيادة مستقرة وقوية، تحتاجها البلاد لدعمها خلال عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وما بعدها"، مؤكده أن "كل صوت لصالح المحافظين سيزيد من صعوبة الموقف بالنسبة للسياسيين المعارضين الذين يريدون منعي من القيام بمهمتي". وتعتبر هذه الخطوة المفاجئة بمثابة استفتاء آخر على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث تشعر ماي أنها تحظى بشرعية منقوصة في مواجهة مفاوضات صعبة داخلية وضد سياسيين أوروبيين يحصون الثغرات؛ من أجل تقويض مطالبها المختلفة، كما تدرك خطط أحزاب المعارضة لعرقلة كل خطوة تخطوها في المفاوضات التي من المقرر أن تستغرق عامين وفقًا لنص المادة 50 من معاهدة لشبونة، الأمر الذي يؤكد أن هذه الانتخابات هدفها الحصول على أغلبية لإقرار البريكست، وتمكينها من تحقيق التناغم الحكومي والبرلماني خلال المفاوضات الشاقة المنتظرة. فيما ستكون هذه الانتخابات من الناحية الأخرى فرصة لا تعوض بالنسبة لمعسكر البقاء في الاتحاد الأوروبي، وعلى رأس هذا المعسكر حزب الديمقراطيين الأحرار، الذي سارع رئيسه تيم فارون بالقول «إنها فرصتنا كي نعيد العجلة إلى الوراء، وأن نعيد النظر في عملية بريكست بأكملها». وحقق حزب الديمقراطيين الأحرار فوزًا ساحقًا في دائرة «ريتشموند»، عندما تمكن من إزاحة زاك جولدسميث المرشح السابق لمنصب رئيس بلدية لندن، والمناصر لخروج بريطانيا من الاتحاد، لذلك يسعى الحزب إلى تكرار هذ النجاح في الانتخابات المبكرة القادمة في جموع الدوائر؛ لوقف عملية البريكست وتغيير رئيسة الوزراء البريطانية. منع انفصال اسكتلندا وإيرلندا وويلز وتأتي هذه الدعوة في أوج الحديث عن مطالب اسكتلندية بالاستقلال عن بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، حيث تحاول تيريزا الحفاظ على وحدة المملكة المتحدة عن طريق قطع الطريق على استفتاء استقلال اسكتلندا، الذي يطرحه الحزب القومي الاسكتلندي بزعامة نيكولا ستورجين. حيث أعلنت ستورجين في الأيام القليلة الماضية عن تقديم طلب للبرلمان الاسكتلندي؛ من أجل الموافقة على طرح استفتاء ثالث للانفصال عن لندن، وأسفرت الانتخابات الماضية عن فوز ساحق للحزب القومي الاسكتلندي في الإقليم الذي كان بمثابة حصن لحزب العمال الذي حل ثالثًا في هذه الانتخابات، وبالتالي فإن الانتخابات المبكرة التي تم عرضها قد يأمل فيها حزب المحافظين في خسارة التيار القومي لصالح الأحزاب الوحدوية أو على الأقل الحد من نسبة المقاعد التي يمتلكها الحزب في برلمان الإقليم، وبالتالي يقضي على فكرة استقلال اسكتلندا بشكل دستوري. وسرعان ما قالت ستيرجن الثلاثاء إن "قرار ماي الدعوة إلى انتخابات مبكرة يمنح اسكتلندا فرصة تعزيز مسعى إجراء استفتاء على الانفصال. هذه خطوة غير موفقة سياسيًّا لماي". وكان وزير شؤون البريكست ديفيد ديفز كتب في وثيقة سرية نشرتها صحيفة التايمز البريطانية أن سكان إيرلندا الشمالية إذا صوتوا في استفتاء لصالح الانفصال عن المملكة المتحدة، فسوف يمكنهم الالتحاق بجمهورية إيرلندا والبقاء في الاتحاد الأوروبي، وقد يتبع انفصال اسكتلندا وإيرلندا الشمالية تململ ويلز والمطالبة بالانفصال أيضًا، وهو أمر تواجهه تيريزا بالانتخابات المبكرة. خسارة الانتخابات تداعيات خسارة الانتخابات ستكون كارثية على حزب المحافظين وعلى ماي ذاتها، لا سيما وأنها ستدخل بريطانيا في نفق سياسي مظلم، وستعيد المربع إلى نقطة الصفر، حيث سيكسب معسكر البقاء في الاتحاد أرضًا جديدة تؤهله لإعادة طرح قضية إجراء استفتاء جديد على خروج بريطانيا من الاتحاد وطرحة للنقاش مجددًا، كما سيعزز فرص دول الاتحاد الأوروبي في التأثير على القوى السياسية المعارضة، وسيزيد كثيرًا من وتيرة دعم أوروبا لها.