لا يفوت الكيان الصهيوني أي فرصة متاحة له إلا ويحاول توظيفها لصالحه، حتى لو كانت هذه الفرصة على حساب دول عربية تربطه بها علاقات دبلوماسية سرية أو علنية، فلا يخفى على أحد أن دول كقطر والسعودية والإمارات والبحرين يملكون علاقات دبلوماسية واقتصاديةوعسكرية باتت تتطور بشكل مطّرد في الآونة الأخيرة. تل أبيب على خط الأزمة الخليجية: حاول وزير الحرب الصهيوني، إيفجدور ليبرمان، الصيد في المياه العكرة، من خلال استغلال استطلاع الخلاف الحاصل بين عدة دول عربية وقطر، لصالح السياسات الصهيونية في المنطقة، وقال ليبرمان، أمس الاثنين: الخلاف الدبلوماسي بين عدة دول عربية وقطر خلق فرصًا لإسرائيل للتعاون مع دول أخرى في المنطقة لمكافحة الإرهاب. وقال ليبرمان للكنيست في جلسة أسئلة مدتها ساعة: الأزمة «ليست بسبب إسرائيل، ليست بسبب اليهود، ليست بسبب الصهيونية»، بل «بسبب مخاوف من الإرهاب»، وأضاف: «لا شك أن هذا يتيح العديد من الإمكانيات للتعاون في الحرب ضد الإرهاب»، وتأتي تصريحات ليبرمان كأول رد إسرائيلي رسمي على الخلاف الإقليمي. ورغم التعاون الوثيق بين الدوحة وتل أبيب، التي غالبًا ما تندرج تحت مسميات تجارية، حيث عبرت قطر سابقًا عن استعداد لإقامة علاقات تجارية مع إسرائيل، وقد استضافت مسؤولين إسرائيليين، إلَّا أن السياسية الإسرائيلية لم ترحم الدوحة عندما سقطت في براثن الدول الخليجية، بل أخذت تطالبها بسياسة أكثر اتساقًا مع تل أبيب، حيث لا تنظر الأخيرة بعين الرضا لتواجد حركة حماس على الأرض القطرية والدعم المالي القطري دون العسكري لحماس. كما تسعى إسرائيل لتمرير صفقة سلام مشبوهة مع فلسطينالمحتلة، في ظل الأجواء الضبابية التي تمر على الوطن العربي عمومًا، حيث تطرق رئيس المعارضة الصهيونية، يتسحاك هرتسوغ، إلى الخلاف الخليجي مع قطر، ونادى إسرائيل بالدفع بعملية سلام إقليمية الآن، بينما الدول المعتدلة قطع العلاقات مع بلد يمول الإرهاب ضد العالم الغربي وإسرائيل بشكل خاص، وأضاف هرتسوغ: «الآن هو الوقت لإظهار القيادة والتوجه نحو مبادرة إقليمية شجاعة». ليبرمان وارب الباب مع الدوحة بقوله، إن قرار الدول التي قطعت علاقاتها مع قطر خشية «الإرهاب الإسلامي» تمكّن إسرائيل، في حقيقة الأمر من مد يدها لها للتعاون في المعركة ضد الإرهاب، واستطرد قائلًا: «أعتقد أن إسرائيل منفتحة على التعاون، والكرة حاليًا في ملعب الآخرين». ورغم محاولة تل أبيب أن ترمي الكرة في الملعب القطري، إلَّا أن بصماتها لا تبتعد عن الخلافات القطرية الخليجية، حيث يفيد تقرير ذي إنترسبت بأنه في رسالة تم تسريبها إثر اختراق حساب البريد الإلكتروني للسفير الإماراتي في الولاياتالمتحدة، يوسف العتيبة، أرسلت في آخر أبريل من العام الجاري، يشكو فيها جون هاناه، كبير مستشاري مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات المؤيدة لإسرائيل، إلى السفير الإماراتي من أن قطر تستضيف اجتماعًا لحماس في فندق مملوك للإمارات، فرد العتيبة قائلًا: إن هذا ليس ذنب حكومة الإمارات، وأن المشكلة الحقيقة في القاعدة الأمريكيةبقطر، وقال: «ما رأيك في هذا، أنتم تزيلون القاعدة ونحن نزيل الفندق». بدورها نشرت صحيفة جيروزليم بوست الصهيونية مقالًا تحت عنوان «خمسة أسباب تجعل إسرائيل معنية بالأزمة القطرية»، الأسباب الخمسة هي، الأزمة الخليجية تضر بحماس، الأزمة تمهد للتقارب بين إسرائيل من جهة والسعودية ودول الخليج الأخرى، ومصر من جهة، الأزمة تثبت عودة النفوذ الأمريكي إلى المنطقة، نزع الشرعية عن الإرهاب، الأزمة تساهم في تعزيز مواقع إسرائيل في المنطقة بشكل عام ومواقع الحكومة الإسرائيلية الحالية بشكل خاص. ولم يقتصر استغلال تل أبيب للأزمة الخليجية على الأمور الدبلوماسية، بل تعدتها لتمرير سياساتها التطبيعية مع العرب، فالقناة الثانية الصهيونية استضافت السعودي عبد الحكيم الحميد، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط من جدة، للتعليق على قطع العلاقات مع قطر. الخلاف الخليجي والمسرحية الهزلية السعودية وقطر أنفقتا مئات الدولارات لدعم الجماعات المسلحة كالنصرة وداعش في سوريا وغيرها، والتي ساهمت في تدمير العديد من الدول العربية خدمة للمشروع الأمريكي الذي يخدم إسرائيل بطبيعة الحال، حيث كانتا على وفاق تام تحت المظلمة الأمريكية، الخلاف الراهن بين الرياضوالدوحة لا يتعدى الخلافات حول قضايا تتعلق بالنفوذ أو قضايا متعلقة بقيادة صنع القرار في المنطقة الخليجية، عن طريق الاستحواذ على التوكيل الأمريكي بالمنطقة، وبالتالي الصراع بين قطر والسعودية ليس صراعًا على القضايا العربية أو الفلسطينية أو حتى الإسلامية كما يحاول البعض تصويره، فالطرفان لهما علاقة بإسرائيل. المفارقة هنا أن قطر والسعودية بعد الفرقة بينهما، باتا يستخدمان العلاقات التي تربط بين الدوحةوالرياض بإسرائيل كنوع من الإدانة في التراشق الإعلامي بينهما، وهذا يؤكد أن الكيان الصهيوني مازال هو العدو الأساسي في العقل الباطن للشعوب العربية، رغم أن دول الخليج نفسها حاولت فرض إيران كبديل عنه، وهو الأمر الذي يقودنا إلى علاقة الدول الخليجية بإيران في الخلاف الأخير الذي نشب بينهم، فقطر ليست الدولة الخليجية الوحيدة التي ترتبط بعلاقات قوية مع إيران، ففي الوقت الذي لم يتجاوز فيه حجم التبادل التجاري بين الدوحة وطهران سقف المليار دولار، نجد أن التبادل التجاري بين أبو ظبي وطهران لن ينزل عن سقف 16 مليار دولار، كما أن إيران تعتمد على البنوك الإماراتية في تحويل أموالها إلى الخارج، كما أن علاقة سلطنة عمان والكويت بإيران جيدة، وبالتالي علاقة قطر مع إيران ليست السبب الوحيد في الخلاف القطري الخليجي. وقد يشكل ملف الإخوان المسلمين والذي تتبناه قطر المشكلة الأكبر مع دول الخليج، فالإمارات منذ وقت كبير أعلنت حربها الشعواء على الإخوان، وبالنسبة للرياض فهي تتعاطى ببرجماتية أكبر مع الملف الإخواني، فهي تدعمهم في اليمن وتحاربهم في مصر، لكن البرجماتية السعودية مع الإخوان يجب أن تتوقف عند حد الرغبة الأمريكية، فالرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، صرح في القمة الإسلامية الأمريكية، باعتبار حماس حركة إرهابية، وهو الأمر الذي يجب أن تنفذه الرياض وتستجيب له قطر، ويبدو أن الدوحة تحاول السير في هذا الاتجاه، حيث أكدت مصادر فلسطينية، الاثنين الماضي، أن قطر طلبت من عدة مسؤولين بحركة حماس مغادرة البلاد والرحيل إلى لبنان وتركيا وماليزيا، وتشمل قائمة المسؤولين في حماس الذين طلبت منهم قطر المغادرة، صالح العاروري، الذي ورد أنه قائد الحركة العسكري في الضفة الغربية ومؤسس فرع الضفة الغربية للجناح العسكرية لحركة حماس، كتائب عز الدين القسام.