الرئيس السيسي يهنئ مسلمي مصر بالخارج بحلول عيد الأضحى المبارك    موعد عودة الموظفين للعمل بعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2025    جامعة القناة ترسم البهجة على وجوه أطفال دار أيتام بالإسماعيلية    أسعار الفراخ في البورصة اليوم الإثنين 2 يونيه    تصاعد التوتر التجاري بين واشنطن وبكين يهوي بالأسواق الآسيوية    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الاثنين 2 يونيو 2025    أسعار النفط ترتفع بأكثر من دولار بعد قرار «أوبك+» زيادة الإنتاج    وزير الري: تدشين مشروع لإنتاج خرائط رقمية حديثة لنهر النيل    مد فترة حجز وحدات «سكن لكل المصريين7» حتى 18 يونيو    «المركزي» يعلن موعد إجازة البنوك بمناسبة عيد الأضحى    الدفاع الروسية: أسقطنا 162 مسيّرة أوكرانية خلال الليل    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب قبالة سواحل هوكايدو شمالي اليابان    الصين تتهم الولايات المتحدة بتقويض التوافق الذي تم التوصل إليه خلال محادثات جنيف    صحف قطرية: القاهرة والدوحة تسعيان لتذليل عقبات وقف إطلاق النار بغزة    بركات: بيكهام مكسب كبير للأهلي ووداع مستحق لمعلول والسولية    بعد تسريبه.. تأجيل امتحان مادة "الجبر والإحصاء" للشهادة الإعدادية بأسيوط للفترة الثانية    السعودية: المنظومة الصحية جاهزة لخدمة ضيوف الرحمن    تصادم دراجة نارية وسيارة ملاكي بالعجوزة    صندوق التنمية الحضرية: حدائق تلال الفسطاط ستشهد إقامة مهرجانات كبرى    1142 استغاثة طبية.. جهود اللجنة الطبية العليا بمجلس الوزراء في مايو الماضي    طارق يحيى لإدارة الزمالك: «انسوا زيزو وركزوا في كأس مصر»    بن غفير يقود حملة لمنع الأذان في مساجد فلسطين وسط تصاعد التوترات    فوز المرشح القومي كارول ناوروتسكي بالانتخابات الرئاسية في بولندا    ختام دوري حزب حماة الوطن لعمال الشركات الموسم الثاني    ما هي خطوات إنشاء حساب إلكترونيا للتقديم لأولى ابتدائى للعام الدراسى 2026 ؟ اعرف التفاصيل    شاب ينهي حياة والده بطعنة زجاج بسبب خلاف على «توك توك» في شبرا الخيمة    موعد صرف معاشات شهر يوليو 2025 وآخر تصريحات الزيادة الجديدة    دنيا سامي تكشف كواليس دخولها مجال التمثيل    فريق من النيابة الإدارية يواصل الاستماع لأقوال مسئولى ثقافة الأقصر اليوم    4 أبراج تتسم بالحدس العالي وقوة الملاحظة.. هل أنت منهم؟    رسميا، ثلاث أندية تحجز مقعدها في كأس العالم 2029    الجيش الروسى يسيطر على بلدة جديدة بسومى    رفع درجة الاستعداد القصوى في الأقصر لاستقبال عيد الأضحى    رئيس تشيلي: فرض حظر على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل    أمين الفتوى: صلاة الجمعة لا تتعارض مع العيد ونستطيع أن نجمع بينهما    أرملة إبراهيم شيكا ترد على أنباء مساعدة سعد الصغير للأسرة    نصائح من وزارة الصحة للحجاج قبل يوم عرفة    أشرف نصار: نسعى للتتويج بكأس عاصمة مصر.. وطارق مصطفى مستمر معنا في الموسم الجديد    المتهم الثاني في قضية انفجار خط الغاز بالواحات: «اتخضينا وهربنا» (خاص)    هل حقق رمضان صبحي طموحه مع بيراميدز بدوري الأبطال؟.. رد قوي من نجم الأهلي السابق    أحفاد نوال الدجوي يتفقون على تسوية الخلافات ويتبادلون العزاء    محمد أنور السادات: قدمنا مشروعات قوانين انتخابية لم ترَ النور ولم تناقش    «ميستهلوش اتكلم عليهم».. رسالة نارية من هاني سعيد بشأن بطل الدوري    محمود حجازي: فيلم في عز الضهر خطوة مهمة في مشواري الفني    محافظ الشرقية يشهد فعاليات المنتدى السياحي الدولي الأول لمسار العائلة المقدسة بمنطقة آثار تل بسطا    خبير لوائح: هناك تقاعس واضح في الفصل بشكوى الزمالك ضد زيزو    دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة.. 10 كلمات تفتح أبواب الرزق (ردده الآن)    هل يحرم قص الشعر والأظافر لمن سيضحي؟.. الأوقاف توضح    نجم الزمالك السابق: «بيراميدز اللي أخد مكان الأهلي»    "زمالة المعلمين": صرف الميزة التأمينية بعد الزيادة لتصل إلى 50 ألف جنيه    رئيس قسم النحل بمركز البحوث الزراعية ينفي تداول منتجات مغشوشة: العسل المصري بخير    قد تسبب الوفاة.. تجنب تناول الماء المثلج    شروط التقديم لوظائف شركة مصر للطيران للخدمات الجوية    رئيس حزب الوفد في دعوى قضائية يطالب الحكومة برد 658 مليون جنيه    «قولت هاقعد بربع الفلوس ولكن!».. أكرم توفيق يكشف مفاجأة بشأن عرض الأهلي    هل صلاة العيد تسقط صلاة الجمعة؟ أمين الفتوى يكشف الحكم الشرعي (فيديو)    قبل العيد.. 7 خطوات لتنظيف الثلاجة بفعالية للحفاظ على الطعام والصحة    هل يمكن إخراج المال بدلا من الذبح للأضحية؟ الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ابن عطاء الله السكندري.. صاحب الحكم
نشر في البديل يوم 01 - 06 - 2017

كيف يشرق قلب صور الأكوان منطبعة في مرآته؟، أم كيف يرحل إلى الله وهو مكبل بشهواته؟، أم كيف يطمع أن يدخل حضرة الله ولم يتطهر من جنابة غفلاته؟، أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يتب من هفواته؟.. هكذا كان يتحدث ابن عطاء الله السكندري، وهو يدل المريدين، ويأخذ بيد من سمت تطلعت أرواحهم إلى الله، واتخذوا من تزكية أنفسهم معراجا إلى السماء.
هو قطب العارفين وترجمان الواصلين، صاحب الحِكم، تاج الدين أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن عيسى بن الحسين بن عطاء الله الجذامي.. المالكي مذهبا، الإسكندري دارا، القاهري مزارا، الأشعري عقيدة، الصوفي حقيقة، الشاذلي طريقة، الجامع لأنواع العلوم من تفسير، وحديث، وفقه، وتصوف، ونحو، وأصول، ضم علوم الشريعة إلى أنوار الحقيقة، حتى صار شيخ الطريقين، وإمام الفريقين.
ولد بالإسكندرية عام 658 هجرية، وعلى أرضها نشأ وتعلم، وفيها درس التفسير والحديث والفقه وأصوله على الشيخ ناصر الدين بن المنير، وتلقى علم الكلام والفلسفة على الشيخ شمس الدين الأصفهاني، واكتمل تكوينه العلمي وهو مخاصم لأهل التصوف معاد لهم، حتى كان لقاؤه بأبي العباس المرسي، فتبدل حاله، وتغير مساره.
كان في الطور الأول من حياته ينُكر على الصوفية إنكارا شديدا تعصبا منه لعلوم الفقهاء، فما أن صحب شيخه أبا العباس المرسي واستمع إليه بالإسكندرية حتى أعجب به إعجابا شديدا وأخذ عنه طريق الصوفية وأصبح من أوائل مريديه.
يقول عن نفسه في كتابه لطائف المنن: جرت بيني وبين أحد أصحاب سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه قبل صحبتي له خصومة، وقلت لذلك الرجل: ليس إلا أهل العلم الظاهر، وهؤلاء القوم يدّعون أمورا عظيمة وظاهر الشرع يأباها، وسبب اجتماعي به أن قلت في نفسي بعد أن جرت تلك الخصومة: دعني أذهب أنظر إلى هذا الرجل فصاحب الحق له أمارات.. قال فأتيته فوجدته يتكلم في الأنفاس التي أمر الشارع بها فأذهب الله ما كان عندي.
قال له مرة شيخه أبو العباس المرسي: الزم، فوالله لئن لزمت لتكونن مفتيا في المذهبين – يريد مذهب أهل الشريعة ومذهب أهل الحقيقة – ثم قال والله لا يموت هذا الشاب حتى يكون داعيا إلى الله وموصلا إليه، والله ليكونن لك شأن عظيم.
ثم كان الرحيل من الإسكندرية إلى القاهرة، وفيها علا شأنه، وبرز نجمه، وجلس للتدريس بالجامع الأزهر، فالتفت حوله جموع المريدين، ينهلون من معينه، ويفيضون على أنفسهم من أنوار حكمه، ويصف الإمام الذهبي مجلسه قائلا: كانت له جلالة عظيمة، ووقع في النفوس، ومشاركة في الفضائل، وكان يتكلم – بالجامع الأزهر فوق كرسي- بكلام يروّح النفوس.
وقال عنه ابن حجر في الدرر الكامنة: صحب الشيخ أبا العباس المرسي، صاحِب الشاذلي، وصنف مناقبه ومناقب شيخه، وكان المتكلم على لسان الصوفية في زمانه.. وكان من كبار القائمين على الشيخ تقي الدين ابن تيمية".
ترك ابن عطاء الله تراثا صوفيا كبيرا، ينهل منه السائرون على درب تزكية الأنفس، ومنه: كتابه "عنوان التوفيق في آداب الطريق" الذي شرح به قصيدة القطب الصوفي الغوث أبو مدين (ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا)، وتاج العروس الحاوي لتهذيب النفوس، والمرقى إلى القدير الأبقى، والتنوير في إسقاط التدبير، والقصد المجرد في معرفة الاسم المفرد، والطريق الجادة في نيل السعادة، ومفتاح الفلاح ومصباح الأرواح في ذكر الكريم الفتاح.
كما جمع ابن عطاء سيرة شيخه الذي لازمه اثني عشر عاما أبي العباس المرسي، وشيخ شيخه أبي الحسن الشاذلي، في كتابه لطائف المنن في مناقب الشيخ أبي العباس والشيخ أبي الحسن، وهو عبارة عن مقدمة وعشرة وأبواب وخاتمة، المقدمة في تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم على جميع بني آدم، وذكر أقسام الولاية، وما تبقى تعريف بشيخه أبي العباس وبعلمه ومجرباته وما فسره من الآيات والأحاديث، وما ذكره من كلام أهل الحقائق ودعائه وشعره، وله في الفقه المالكي مختصر تهذيب المدونة لأبي سعيد البراذعي.
لكن أثره الأكبر على الإطلاق، ودرته الباقية أبدا، فتتمثل في كتابه المعروف بالحكم العطائية، الذي اشتهر في ديار الإسلام من أقصاها إلى أقصاها، ونال من الذيوع والشهرة ما لم ينله مؤلف صوفي آخر، ولقي اهتماما بالغا من كل المهتمين بالتربية الروحية، والتهذيب السلوكي.
والحكم العطائية هي خلاصة تجربة صوفية عميقة، سبرت أغوار النفس الإنسانية، وخبرت طرائق تجريدها عن كل شائبة، وتنقيتها من أي تعلق إلا بالذات العلية، والحضرة القدسية، صاغها ابن عطاء في أكثر من مئتي حكمة بعبارات مختصرة بعيدة الغور، تغلفها مسحة من الغموض الذي يثير الفضول، ويدعو لبذل الجهد في الفهم.
"من علامة الاعتماد على العمل، نقصان الرجاء عند نزول الزلل- إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في الأسباب من الشهوة الخفية، وإرادتك الأسباب مع إقامة الله في التجريد انحطاط عن الهمة العلية- سوابق الهمم لاتخرق أسوار الأقدار- أرح نفسك من التدبير، فما قام به غيرك لا تقم به لنفسك-اجتهادك فيما ضمن لك وتقصيرك فيما طلب منك، دليل على انطماس البصيرة منك- ما ترك من الجهل شيئا من أراد أن يحدث في الوقت غير ما أظهره الله فيه- ما توقف مطلب أنت طالبه بربك، ولا تيسر مطلب أنت طالبه بنفسك- متى فُتح باب الفهم في المنع عاد المنع عين العطاء- لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجبا ليأسك، فهو ضمن لك الإجابة فيما يختاره لك، لا فيما تختاره لنفسك، وفي الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد".
هكذا يتدفق ابن عطاء الله بهذه المعاني الصوفية الجليلة، ويأخذ بأيدي السائرين على الطريق إلى آفاق علوية سامية، وينتقل بهم من ضيق المادية المنحبسة في الجسد إلى سعة الروحانية المنطلقة إلى الله، ومن ظلمة النفس الأمارة بالسوء إلى أنوار الروح المتطلعة إلى الإشراق الإلهي.
"ادفن وجودك في أرض الخمول، فما نبت مما لم يدفن لا يتم نتاجه".. حكمة نفيسة يرسلها ابن عطاء في العقول والقلوب، يؤدب بها من يتصدر دون أن يتهيأ، ومن يتعجل الثمرة قبل نضجها، مؤكدا أن مرحلة التكوين لا تتم إلا بإرغام النفس على الابتعاد عن الظهور، وتواريها عن الشهرة والأعين، ويمثل لذلك بالنبات، فالبذرة التي تكون على السطح، ولا يكتمل دفنها في الأرض، تقتلعها الريح، لأنها نمت على جذور هشة ضعيفة.
حظيت حكم ابن عطاء الله باهتمام عدد كبير من العلماء والمتصوفة، من القدامى والمعاصرين، وضعوا لها الشروح والتوضيحات، ومن أبرزها كتاب إيقاظ الهمم في شرح الحكم، للشيخ أحمد بن عجيبة الحسيني، وسواطع الحكم، للخطيب الشربيني، وغيث المواهب العلية في شرح الحكم العطائية، لابن عباد النفزي الرندي، ومنها أيضا شرح أبي الطيب إبراهيم بن محمود الأقصراني المواهبي الشاذلي الحنفي، سماه: أحكام الحكم في شرح الحكم، وشرح الشيخ أحمد زروق، وشرح الشيخ نور الدين البرفكاني، وشرح الحكم، لعبد الله بن حجازي الشرقاوي، وشرح محمد حياة السندي المدني، وشرحها أيضا صفي الدين أبي المواهب، ومحمد بن إبراهيم المعروف بابن الحنبلي الحلبي، وأيضا شرحها الشيخ الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي.
كما ترجمها إلى الإنجليزية المستشرق البريطاني آرثر إربري، رئيس قسم الدراسات القديمة بكلية الآداب، جامعة القاهرة، (توفي 1969) كما ترجم المستشرق الإسباني المهتم بالتصوف ميجيل آسسن بلاسيوس (توفي 1944) عددا منها مع شرح الرندي.
آلت إلى ابن عطاء الله زعامة الطريقة الشاذلية بعد وفاة شيخه أبي العباس المرسي، وكان التلميذ وأستاذه معاصرين لابن تيمية الذي كان يعادي الصوفية عداء شديدا، ويصفهم بأنهم أصحاب الحلول، ووحدة الوجود،
ويشير ابن حجر العسقلاني إلى أن نقد ابن تيمية للشاذلي وطريقته لاقتا ردا عنيفا من ابن عطاء الله، فوضع كتابه "لطائف المنن في مناقب المرسي وأبي الحسن"، ردا على ابن تيمية الذي هاجم أبا العباس المرسي وأبا الحسن الشاذلي. يذكر بروكلمان أن ابن عطاء الله كان يحذر مريديه من الإصغاء إلى أعداء الصوفية الآخذين بعلم الظاهر، ويحضهم على الفرار منهم فرارهم من الأسد، وكان يقصد بأتباع علم الظاهر ابن تيمية ومن نحا منحاه.
توفي ابن عطاء الله السكندري عن 49 عاما بالمدرسة المنصورية بالقاهرة سنة 709 هجرية، ودفن بمقبرة المقطم بسفح الجبل بزاويته التي كان يتعبد فيها، شرقي ضريح الإمام الليث بن سعد، وضريحه معروف مقصود بالزيارة، وشيع في محفل كبير من مريديه وتلامذته، بعد حياة أنفقها في تزكية الأنفس، والأخذ بيد السائرين إلى الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.