حملت المؤشرات الأخيرة بعض الدلائل على تصاعد التوترات بين حلف شمال الأطلسي "الناتو" وتركيا، خاصة بعد إثارة أنقرة العديد من الأزمات السياسية والدبلوماسية مع أعضاء بارزين في الحلف العسكري، وعلى رأسهم الولاياتالمتحدةالأمريكيةوألمانيا وهولاندا وبلجيكا، الأمر الذي دفع إلى التساؤل حول ما إذا كانت هذه الخلافات والتوترات يمكن أن تقود أنقرة إلى خارج الحلف العسكري. الناتو يرفض الانعقاد في تركيا رفض عدد من الدول الأعضاء في حلف الناتو، منها ألمانيا وفرنسا وهولندا والدنمارك، عقد القمة المقبلة للحلف عام 2018 في إسطنبول، حيث كان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، قد اقترح في قمة الناتو ب"وارسو" الهولندية في يوليوعام 2016، إجراء لقاءي قمة للحلف في السنتين التاليتين في إسطنبول، وعلى الرغم من عدم اتخاذ أي قرار رسمي آنذاك، فإن الكثير من المراقبين حينها رأوا أن عرض أردوغان، سيلقى قبولًا، لكن ما حدث عكس التوقعات تمامًا. نقلت صحيفة "دي فيلت" الألمانية عن مصادر دبلوماسية رفيعة على علم بالموضوع، قولها: "لا نريد تعزيز مكانة تركيا الدولية، ولا نريد أن نخلق انطباعًا أن الناتو يؤيد السياسة الداخلية للحكومة التركية"، واقترحت الدول المذكورة إجراء قمة العام المقبل في بروكسل، التي وافقت بدورها على استضافتها، ومن المتوقع أن يتخذ وزراء دفاع الناتو قرارًا بهذا الشأن في اجتماعهم المقرر في الشهر المقبل. أزمات دبلوماسية أثارت تركيا خلال الأشهر الأخيرة الماضية العديد من الأزمات الدبلوماسية والسياسية مع أعضاء بارزين في حلف الناتو، حيث استفحلت الأزمات قبيل إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي أطلقتها أنقرة في منتصف أبريل الماضي، والتي حولت بموجبها النظام التركي من برلماني إلى رئاسي من خلال توسيع صلاحيات الرئيس أردوغان. كانت البداية مع ألمانيا التي ألغت سلطاتها تجمعات سياسية تركية لحشد التصويت ب"نعم" للاستفتاء التركي، الأمر الذي أثار غضب أردوغان ودفعه إلى توجيه أسهم الانتقاد إلى السلطات الألمانية، تارة باتهامها بممارسة النازية، وتارة أخرى باتهامها بمساعدة وإيواء أشخاص خططوا للانقلاب التركي الفاشل الذي وقع في يوليو الماضي، حتى وصلت الخلافات بينهما إلى رفض أنقرة في وقت سابق من الشهر الجاري، زيارة وفد من البرلمان الألماني للجنود الألمان المتمركزين في قاعدة "إنجرليك" الجوية بتركيا التابعة لحلف الأطلسي، واعتقال مراسل صحيفة "دي فيلت" الألمانية دنيز يوجيل، في تركيا في فبراير الماضي. الأمر لم يختلف كثيرًا مع هولنداوالسويد والدنمارك، حيث دأبت الدول الثلاث على انتقاد النظام السياسي التركي، القائم على القمع وتكميم الأفواه، وقد كانت للدول الثلاث مواقف مشابهة لذلك الموقف الألماني قبيل الاستفتاء الدستوري التركي، حيث اشتعلت الأزمة بين تركياوهولندا على خلفية منع الأخيرة وزيرين تركيين من دخول أراضيها لحشد التأييد للاستفتاء التركي، حيث منعت السلطات الهولندية طائرة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، من الهبوط في مطار روتردام، ومنع وزيرة شؤون المرأة فاطمة بتول، من دخول قنصلية بلادها في المدينة ذاتها، الأمر الذي دفع القادة الأتراك حينها وعلى رأسهم أردوغان لتوعد هولندا بإجراءات عقابية، واتهموا ساستها بالفاشية. اجتمع قادة السويد والدنمارك وبلجيكا حينها على دعم موقف هولنداوألمانيا، حيث طلب رئيس وزراء الدنمارك، لارس رسموسن، بتأجيل زيارة كانت مقررة لرئيس الوزراء التركي بن على يلدريم، إلى كوبنهاجن، وبرر ذلك بما وصفه بالهجمات التركية على هولندا، كما ألغت السويد تجمعًا للجالية التركية كان من المقرر أن يحضره نائب رئيس الوزراء التركي. الموقف التركي مع الولاياتالمتحدةالأمريكية يختلف كثيرًا عن الدول الأوروبية السابقة، حيث عول الرئيس التركي كثيرًا على وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى الرئاسة لإحداث نقلة في العلاقات التركية الأمريكية، لكن ما حدث كان عكس آمال أردوغان، حيث اتجه ترامب إلى سياسة مغايرة لتلك التي يتمناها الرئيس التركي، فمنذ البداية أبدى ترامب نيته دعم الجيش السوري على حساب قوات درع الفرات التي تدعمها تركيا، لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل أظهر ترامب عزمه تسليح وحدات مقاتلي حماية الشعب الكردية بأسلحة ثقيلة ومتطورة، وهي الوحدات الكردية التي تعتبرها السلطات التركية إرهابية، أضف إلى ذلك أن الإدارة الأمريكية لم تبذل أي جهد لتحسين علاقاتها التي توترت مع أنقرة خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما، الأمر الذي أعطى مؤشرات أن أمريكا استغنت عن تحالفها مع تركيا. برزت هذه المؤشرات خلال زيارة الرئيس التركي إلى البيت الأبيض قبل أسبوعين، حيث فشلت الزيارة في إذابة الجليد بين الطرفين، فخرج أردوغان من البيت الأبيض بخفي حنين، دون إحراز أي إنجاز سياسي يذكر، وقد اتضح الإحباط التركي في القرار الذي أعقب الزيارة، والذي طالب فيه وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو، إعفاء المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا بريت ماجيرك، والذي يشرف على مهام التحالف الدولي لمحاربة داعش منذ أكتوبر 2015 من منصبه، وعزا الأتراك السبب إلى تقديمه الدعم العلني لوحدات حماية الشعب الكردية، لكن الكثير من المراقبين رأوا فيه رسالة تركية مباشرة إلى ترامب. الأزمات الدبلوماسية التي أثارتها أنقرة مع العديد من الدول الأعضاء في الحلف العسكري، وغيرها من الأسباب التي تدور حول اعتماد السلطات التركية سياسات مثيرة للجدل في الداخل، سواء من ناحية موجات الاعتقالات المتواصلة أو تقييد الحقوق الديمقراطية في البلاد، التي طالما أدانتها الدول الأعضاء في الناتو والاتحاد الأوروبي وحتى معظم الدول الأوروبية بشكل منفرد، فضلًا عن محاولات النظام التركي اللعب على كافة الحبال لكسب جميع الأطراف، من خلال تقاربها مع روسيا، العدو اللدود للناتو، كل ذلك دفع دول الناتو إلى التعبير بشكل متزايد عن عدم ارتياحها لسياسات أردوغان المثيرة للجدل والتي تحمل طابعا ازدواجيا ملتويا. على الرغم من كل هذه المعطيات التي جعلت العلاقات بين تركيا والناتو متشابكة ومعقدة خلال الفترة الأخيرة، فإن العديد من المراقبين استبعدوا خيار خروج أنقرة من حلف شمال الأطلسي، حيث يحتاج الحلف العسكري إلى موقع تركيا الجيوسياسي والقدرات القتالية لجيشها، كما أن تركيا تُعد حاجزًا طبيعيًا بين الغرب وروسيا التي تعتبر العدو اللدود للدول الأوروبية والغربية، فضلًا عن أنها البوابة التي تمنع وصول المهاجرين واللاجئين غير المرغوب فيهم إلى القارة الأوروبية، كما أن تركيا تُعد الذراع الممتد للناتو في منطقة الشرق الأوسط، والتي من خلالها يتمكن الحلف من تمديد نفوذه في المنطقة، الأمر الذي يجعل خروج تركيا من الحلف الأطلسي خسارة أمنية وسياسية كبيرة له، وهو ما أكدته تصريحات أمين عام حلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، التي أطلقها مطلع الشهر الجاري، حيث قال إن "الناتو يصبح ضعيفًا بدون تركيا دون شك".