انتقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمس الثلاثاء عبر موقع تويتر سياسة ألمانيا، قائلًا إنها سيئة جدًا ويجب أن تتغير، تغريدة ترامب جاءت بعدما أعربت برلين عن عدم رضاها عن سياسة واشنطن الراهنة، وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إنه لا يمكن لأوروبا بعد اليوم أن تعول على الآخرين. الحرب الكلامية قد تكون حرب التصريحات بين ألمانياوالولاياتالمتحدةالأمريكية غيمة صيف عابرة، لكن الأكيد أن العلاقات الألمانية الأمريكية ليست في أفضل أحوالها، فعبر موقع توتير كتب ترامب، إن لدى بلاده عجزًا تجاريًا هائلًا مع ألمانيا، مضيفًا أن المسؤولين الألمان يدفعون أقل بكثير مما يتعين عليهم بالنسبة للناتو، ووصف ترامب الأمر بالسيء جدًا للولايات المتحدة، وبأنه سوف يتغير. تصريحات ترامب حول عجز الميزان التجاري مع ألمانيا ليست الأولى، حيث وصف ألمانيا سابقًا بأنها سيئة جدًا بالنسبة لفائضها التجاري مع بلاده مهددًا بوقف وارداتها من السيارات إلى الولاياتالمتحدة. وتأتي تغريدة ترامب بعد سلسلة من الانتقادات وجهتها ألمانيا ضد سياسة ترامب التي برزت في ختام قمة مجموعة الدول الصناعية السبع، والتي رفضت فيها واشنطن المصادقة على اتفاق باريس للمناخ الذي تم التوصل إليه في عام 2015. مؤخرًا لا تبدو المواقف الألمانية أقل حدة من الأمريكية، فالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، اعتبرت أن أوروبا لا يمكنها بعد الآن الاعتماد بنحوٍ كاملٍ على حلفائها، مضيفةً أن "الأيام التي كان يمكن لأوروبا الاعتماد فيها كليًا على الآخرين ولّت بدرجةٍ ما"، وتابعت ميركل "هذا ما أشاهده في الآونة الأخيرة، لذا علينا نحن الأوروبيين أن نضع مصيرنا في أيدينا"، وبعد كل هذه التصريحات الموجهة لأمريكا، أردفت ميركل بعبارة "طبعًا بالصداقة مع أمريكا" وهي العبارة التي رأى مراقبون أنها جاءت كنوع من ترطيب الأجواء وكسر حدة التصريحات القاسية تجاه واشنطن. ورغم نفي الحكومة الألمانية أن تكون تصريحات ميركل تعني الابتعاد أو النأي بالنفس عن الولاياتالمتحدة، فإن وزير الخارجية الألمانية زيجمار جابرييل، وجه سيلًا من الانتقادات إلى ترامب، ووصف سياساته بالقصيرة النظر وأنها أضعفت الغرب وألحقت أضرارًا بالمصالح الأوروبية، وقال جابرييل "أي شخص يعمل على تسريع التغير المناخي من خلال إضعاف حماية البيئة، ويبيع المزيد من الأسلحة في مناطق النزاع، ولا يرغب في حل النزاعات الدينية سياسيًا، يعرض السلام في أوروبا للخطر. سياسات الحكومة الأمريكية القصيرة النظر تلحق أضرارًا بمصالح الاتحاد الأوروبي، والغرب أصبح أصغر وأضعف بسبب هذه السياسات". الهجوم الأعنف أتى من مارتن شولتز، زعيم الحزب الديمقراطي الاشتراكي، الذي اتهم ترامب بتدمير كل القيم الغربية، وقال "عندما يتعلق الأمر بأيديولوجية السيد ترامب لإعادة التسليح والتي تدمر جميع القيم الغربية بشكل لم نختبره سابقًا، هي استراتيجية مدمرة للقيم الأوروبية في التسامح الاحترام التعاون، يجب على المرء أن يقف في طريق مثل هذا الرجل وأيديولوجيته حول إعادة التسلح". هذه الاتهامات من الواضح أنها سترسم ملامح جديدة مقبلة، لعلاقة بروكسيلبواشنطن، وربما علاقة الأخيرة بحلفاء الأطلسي ككل. ففور دخول ترامب إلى البيت الأبيض نشرت مجلة دير شبيجل الألمانية حينها استطلاعًا للرأي أظهر أن قرابة 61% من الألمان يخشون من أن العلاقات بين ألمانياوأمريكا ستعاني تحت إدارة ترامب. ويقول المحلل السياسي، عبد المسيح الشامي، إنه عندما زارت ميركل واشنطن حضر لها ترامب فاتورة كبيرة تعد بعشرات المليارات كديون لم يسمع بها أحد إلا في تلك اللحظة عن الخدمات التي قدمتها أمريكالألمانيا بشكل خاص والاتحاد الأوروبي بشكل عام. الأيام المقبلة ستحدد ملامح المرحلة المقبلة لعلاقات برلينبواشنطن، خاصة أن ترامب يعتمد استراتيجية الإزعاج ليأخذ ما يريد مع الاحتفاظ بالعلاقة فيما بعد، فترامب كان قد وصف السعودية بالبقرة الحلوب واتهمها بعلاقاتها بداعش، ليحصل بعد ذلك منها على صفقات بمئات المليارات. ويرى الباحث في الشؤون الإقليمية فيصل جلول، أن ألمانيا ليست السعودية، وأن أوروبا ليست السعودية، وبالتالي الابتزاز الذي نجح مع المملكة السعودية من الصعب أن ينجح مع ألمانيا. ويرى مراقبون أن ترامب تخطى مرحلة الإزعاج مع ألمانيا، فعندما يرفض الالتزام مجددًا بالمادة الخامسة من ميثاق الحلف الأطلسي التي تنص على وجوب الدفاع عن أي عضو في الحلف الأطلسي عندما يتعرض لاعتداء، فهذا يعد بمثابة توجيه لكمة كبيرة للحلف، خاصة أن حلف الأطلسي صمم بحيث يضع ألمانيا تحت الرقابة بعد الحرب العالمية الثانية، ويضع الولاياتالمتحدةالأمريكية كشريك للدفاع عن المصالح الأوروبية المشتركة، ويجعل روسيا خارجًا، وهو الأمر الذي يتبدل حاليًا فألمانيا الأوروبية أصبحت في وضعية من تريد أن تحافظ على أمنها بنفسها، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بدأ يتجه نحو روسيا حيث استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبل أيام في قصر فيرساي، وعندما يبرز ترامب أولوية المصالح الأمريكية على كل ما عاداها، فنحن أمام علاقات جديدة تمامًا إزاء ضفتي الأطلسي.