التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في باريس أمس، وفي حين تشهد العلاقات الروسية الأوروبية توترًا، يعكس اللقاء رغبة إيجابية من الطرفين نحو إزالة الشوائب في البلدين، لكن تواجه هذه الرغبة تحديات عدة على واقع عمق الخلافات الحاضرة بين أوروبا وروسيا مؤخرًا خاصة بعد وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الحكم. وكان الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون، دعا نظيره الروسي فلاديمير بوتين لزيارة فرنسا بمناسبة افتتاح معرض عن الزيارة التاريخية التي أجراها القيصر بطرس الأكبر لفرنسا عام 1717 أي قبل ثلاثمائة عام، والتي دشنت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وبخلاف رمزية الدعوة والزيارة إلا أن ماكرون أراد أن يبعث رسالة مزدوجة إلى الروس مفادها التذكير بالعلاقات التاريخية بين الدولتين، ومحاولة فتح صفحة جديدة بعد علاقات شابها التوتر في الفترة التي كان يحكمها الرئيس السابق فرانسوا هولاند إثر الخلافات الشديدة في الملف السوري والأوكراني والتعامل مع أوروبا من جهة أخرى. وناقش الطرفان، بحسب الصحف الفرنسية والوكالات الروسية، مستقبل كل منهما مع الاتحاد الأوروبي ومكافحة الإرهاب والأزمات الإقليمية وأوكرانيا وسوريا وكوريا الشمالية وليبيا، كما سيزور بوتين بمفرده المركز الروسي الروحي والثقافي الأرثوذكسي الجديد في قلب باريس، الذي كان مقرر أن يفتتحه في أكتوبر 2016، لكن التصعيد في الخطاب بين باريسوموسكو جراء معارك حلب في شمال سوريا، دفع بوتين إلى إلغاء زيارته بسبب تصريحات نظيره الفرنسي آنذاك، المنددة بالضربات الروسية. ورغم الإيجابية الواسعة التي ظهرت في طريقة التناول الإعلامي والرسمي من الجانبين للزيارة وما يتوقع أن ينتج عنها، إلا أن مراقبين يرون أن القضايا الخلافية أعمق بكثير من الرغبة المشتركة في تحسين العلاقات، حيث تحفظ ماكرون على طريقة تعامل روسيا في الملف السوري، مؤكدًا أنه من الضروري البحث مع روسيا في هذه الأزمة لإيجاد سبل للخروج منها عسكريًا والتوصل إلى حل سياسي شامل، معتبرًا استبعاد الغربيين من هذا الملف لصالح عملية وقف إطلاق النار في سوريا والتي رعتها روسيا وإيران وتركيا، يترجم ب«الهزيمة». ولإقامة علاقات وطيدة، على كل طرف أن يتجنب الحديث عن الخلافات، بعدما أكد ماكرون خلال حملته الانتخابية، أنه ليس من أولئك المنبهرين بفلاديمير بوتين، وأنه لا يشاطره «القيم» نفسها، وكان هناك بعض التحركات الروسية أثناء الانتخابات الفرنسية التي تبدي تفضيلًا لمرشحة اليمين المتطرف، مارين لوبان، ومنها استقبالها في الكرملين مارس الماضي، إضافة إلى المعلومات التي تزعم أن هناك قرصنة روسية اخترقت الحركة السياسية للمرشح الوسطي ماكرون لاستهدافه. ووصفت صحيفة "ليزيكو" في افتتاحيتها، اللقاء بين بوتين وماكرون بالصعب، وتحت عنوان «ماكرون- بوتين: رهانات لقاء لي الأذرع»، قالت الصحيفة الفرنسية، إن الرئيس الروسي وبعد سبعة أشهر من إلغاء لقاء له في باريس مع نظيره الفرنسي فرانسوا هولاند بسبب الخلاف حول الأزمة السورية، ها هو اليوم من جديد في باريس للقاء الرئيس الفرنسي الجديد على أمل تذليل الخلافات بين البلدين بشأن ملفات عديدة، مضيفة أن فكرة اللقاء السريع كانت من اقتراح فيليب إيتيان، المستشار الدبلوماسي الجديد لقصر الإليزيه، وهو مشهور بمعرفته الشاملة لروسيا. وأضافت الصحيفة أن الرئيس الفرنسي الجديد شدد قبل اللقاء على أن الحديث مع روسيا ضروري حول سوريا، حيث لا يلوح في الأفق أي حل دبلوماسي، شأنها شأن الأزمة الأوكرانية، وأشارت الصحيفة إلى أن ماكرون أكد أن الحوار سيكون حازما ومن دون أي تنازلات، وفي موسكو، رأى فيودور لوكيانوف، رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاع، أنه من الواضح أن الجانب الروسي يحاول بناء علاقات جيدة مع الفرنسيين.