اتهم الرئيس السوداني، عمر حسن البشير، أمس الثلاثاء، مصر بدعم المتمردين في الحرب مع الخرطوم، وذلك قبل أسبوع من زيارة يقوم بها وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور، للقاهرة بهدف تخفيف حدة التوتر بين البلدين. تصعيد سوداني لم تمض أسابيع على تصريحات سابقة للرئيس السوداني اتهم خلالها مصر بالاعتداء على بلاده، باستمرار احتلال أراضٍ تزعم الخرطوم أنها تعود لها، حتى كشف في تصريح جديد أن القوات السودانية ضبطت معدات عسكرية مصرية استخدمها مسلحون في هجوم شنوه مؤخرًا على مناطق شمالية وشرقية من دارفور. البشير وضع الهجوم، الذي قال إنه تم على محورين انطلاقًا من ليبيا وجنوب السودان، في سياق ما وصفه بمؤامرة ضخمة تستهدف بلاده، في مؤشر جديد على توتر يسود العلاقات بين القاهرة وجارتها الجنوبية. تصريحات الرئيس السوداني هذه المرة تعد تحولًا خطيرًا في المجريات السياسة، حيث تحاول الخرطوم تحويل ما كان مجرد اتهامات سودانية لمصر بدعمها قوىً تصنفها الخرطوم متمردة، أصبح بنظر سلطاتها الآن حقائق مقرونه بالأدلة، فالجيش السوداني يدّعي أنه ضبط معدات عسكرية مصرية إثر المعارك الأخيرة في إقليم دارفور نهاية الأسبوع الماضي. وقال الرئيس السوداني في خطاب له بالأمس أمام قدامى المحاربين في مقر وزارة الدفاع بالخرطوم، مرتديًا بزته العسكرية وما تحمله من رمزية، "للأسف إنها مدرعات مصرية، قاتلنا لأكثر من 17 عاما ولم تدعمنا مصر، حتى الذخائر التي اشتريناها من مصر كانت ذخائر فاسدة، على الرغم من أننا حاربنا معهم في أكتوبر 1973". واعتبر البشير أن السودان يواجه "تآمرا كبيرا"، موضحا أن "القوات المتمردة دخلت بمؤامرة ضخمة جدا، حيث إنها تحركت بمحورين، محور من جنوب السودان بمتحرك قوامه 64 عربة، استطاعت القوات المسلحة أن تدمر وتستولي عليها جميعا، وفي محور من شمال دارفور، قبضت القوات المسلحة على عربات مدرعة". كلام البشير جاء ليؤكد تصريحات سابقة لكبير مفاوضي الحكومة السودانية في مفاوضات سلام دارفور أمين حسن عمر، اتهم فيها الحكومة المصرية بدعم مسلحي دارفور بالسلاح بطريقة غير مباشرة، وذلك عن طريق المشير الليبي خليفة حفتر وحكومة جنوب السودان. وكانت حسابات للجيش وجهاز الأمن والمخابرات السودانية على "فيسبوك"، قد بثت صورا لمدرعات شاركت في معارك دارفور الأخيرة، قالت إنها مصرية، وتعد هذه هي المرة الأولى التي يتهم فيها البشير صراحةً مصر بدعم المتمردين ويتحدث عن مؤامرة ضد بلاده. رد مصري من جهتها ردت الخارجية المصرية على الادعاءات السودانية، وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية أحمد أبو زيد، أن مصر تحترم سيادة السودان على أراضيه، ولم ولن تتدخل يوما في زعزعة دولة السودان الشقيقة أو الإضرار بشعبها. وأعرب المتحدث باسم الخارجية عن الأسف لإطلاق مثل تلك الاتهامات، في الوقت الذي وظفت فيه مصر دبلوماسيتها على مدار قرابة الخمسة عشر عاما للدفاع عن السودان ضد التدخلات الأجنبية ومحاولات فرض العقوبات على المسؤولين السودانيين وإدانة السودان في المنظمات والمحافل الدولية. لماذا الآن؟ لا يبدو أن نفي الخارجية المصرية للاتهامات السودانية سيحدث فارقًا كبيرًا لدى الخرطوم؛ التي تعتقد أن تحريك جبهة دارفور الآن وبعد نحو 5 أشهر من الهدوء وفيما المفاوضات جارية مع حركات دارفور في ألمانيا مؤامرة لخلط الأوراق وتقويض الاستقرار وقطع الطريق على أي مكاسب يمكن أن يجنيها السودان في مساعيه لنيل رضا المجتمع الدولي ومحاولاته رفع العقوبات الأميركية المفروض، خاصة أن السودان كان قد اتهم مصر صراحةً قبل أسابيع بأنها تحاول أن تمنع رفع العقوبات عن السودان، وهو الأمر الذي نفته القاهرة أيضًا. تصعيد البشير الأخير، ما هو إلا غيض من فيض لمجموعة من العلاقات المرتبكة بين القاهرةوالخرطوم، فالرئيس السوداني صرح قبل أيام بأن صبر بلاده ينفد نحو القاهرة وما تفعله قواتها على الحدود وما يروجه إعلامهم، كما يضاف للأزمات وهي كثيرة قضية مثلث حلايب الحدودي المتنازع عليه، بالإضافة إلى موقف الخرطوم المتجه أكثر فأكثر نحو إثيوبيا في ما يتعلق بسد النهضة بين البلدين أيضا، ناهيك عن شكوك وريبة واتهامات متبادلة حول استضافة كل من القاهرةوالخرطوم لفصائل معارضة، وشن حملات إعلامية لا تهدأ، الأمر الذي سيجعل من مهمة وزير الخارجية السودانية في مصر معقدة جدًا. صلاح البندر، الخبير في شؤون السودان وإفريقيا في جامعة كامبريدج، يرى أن تصريحات الرئيس البشير عكست التوازن الجديد للقوى في المنطقة بعد زيارة ترامب والدور الكبير جدًا الذي اكتسبته العلاقات السودانية القطرية والخليجية في التأثير على العلاقات بين البلدين، موضحا أن "الانفتاح القطري على السودان يتطلب استحقاقات، ومنذ زيارة الشيخة موزة والدة الأمير القطري إلى السودان شهدت العلاقات المصرية السودانية توترا". ويرى آخرون أن السودان عبر اتهامه الأخير متمسك بنهجه التصعيدي مع مصر، خاصة أن إقليم دارفور ساحة مفتوحة على العديد من المنافذ الحدودية كتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان بالإضافة إلى ليبيا، وبالتالي تحميل الخرطوم كل ما يدور في دارفور للقاهرة يطرح العديد من التساؤلات، حتى إن بعض المراقبين لم يعتبروا أن وجود المعدات المصرية في السودان دليل إدانة للقاهرة في حد ذاته، حيث قال المحاضر في معهد ماساتشوستس الأمريكي نائل الشافعي، "إن المدرعة بانثر تنتجها مصر، كما تنتجها أوكرانيا، والمتمردين بدارفور يقاتلون في صف اللواء خفتر في ليبيا، بتسليح ممول من الإمارات، وقد تكون الإمارات اشترت المدرعات من مصر أو أوكرانيا وأعطتها لحفتر أو للميليشيات الدارفورية التي تقاتل معها". وفي المجمل وعلى الرغم من التوترات بين القاهرةوالخرطوم، يرى محللون أنه لا صالح لتوسيع هوّة الشقاق بين أشقاء النيل، فكل من البلدين تشكل للأخرى ظهيرا حقيقيا في حماية الأمن القومي لكل منهما.