في تحد واضح لقانون اختيار رؤوساء الهيئات القضائية، الذي تم تمريره قبل نهاية أبريل الماضي، قررت الجمعية العمومية لقضاة مجلس الدولة، اليوم السبت، بالأغلبية ترشيح المستشار يحيي دكروري، قاضي الحكم الشهير ب"مصرية جزيرتي تيران وصنافير"، رئيسا للمجلس منفردًا في الدورة القادمة، خلفًا للقاضي محمد مسعود الذي تنتهي ولايته في يوليو المقبل، متمسكين بمبدأ الأقدمية. للمرة الأولى في تاريخ اختيار رؤوساء الهيئات القضائية لا يتم ترشيح 3 أسماء للاختيار من بينهم رئيسًا لمجلس الدولة كما هو منصوص عليه في القانون رقم 13 لسنة 2017 المعروف بطريقة اختيار رؤساء الهيئات القضائية. "قاضي الأحكام التاريخية".. هكذا يُعرف القضاة المستشار يحيي دكروري صاحب التاريخ الطويل والعقود الأربعة في السلك القضائي التي تدرج من خلالها في عدد من المناصب الجليلة داخل مجلس الدولة منذ أن التحق به في منتصف عام 1976 بداية من رئاسته لقسم الفتوى والتشريع، مرورًا برئاسة دائرة الإنتخابات بالمحكمة الإدارية العليا إلى رئاسة محكمة القضاء الإداري واستكمال مسيرة الأحكام التي كانت محل تأييد قطاعات عريضة من الشارع السياسي. كما تم انتداب دكروري للعمل مستشارًا قانونيًا لمجلس الوزراء ووزارة التربية والتعليم ومجلس الشعب، ومستشارًا لمحافظ البنك المركزي ووضع القانون الحالي الخاص به، الأمر الذي كان يزيد من الأعباء أكثر عليه ويجعله يتنحى أكثر من مرة عن نظر العديد من القضايا التي يدخل فيها البنك طرفًا وخصمًا في الدعاوي، ومن بينهم مثلًا تنحيه عن نظر دعاوي عديدة متعلقة بإلغاء قرارات التحفظ على أموال جماعة الإخوان المسلمين . المرشح الوحيد بالأقدمية المطروح حاليًا أمام رئيس الجمهورية لرئاسة مجلس الدولة معروف بمواقفه الصارمة وأحكامه التاريخية في عصر مبارك والإخوان في عدد من القضايا البارزة التي تخص الشأن المصري، بداية من حكمه الفاصل مرتين ببطلان الانتخابات البرلمانية في أقل من 3 سنوات خلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك وتحت حكم الرئيس المعزول محمد مرسي الذي انفرد بالقرار بصورة كاملة وحل مجلس الشعب ودعى لانتخابات جديدة. دكروري دخل أيضًا في مواجهة حادة مع المستشار ممدوح مرعي، وزير العدل في عهد نظام مبارك، الذي رفض تحمل تكاليف علاج القاضي بمجلس الدولة المستشار محمد جاد المنزلاوي بالخارج، ووصلت الأزمة إلى مكتب النائب العام بعد تقديمه بلاغًا ضد مرعي. حكما آخر لا يقل أهمية عن سابقيه خاص بوقف تنفيذ قرار اللجنة العليا للانتخابات التشريعية رقم 70 لسنة 2015، لحين إعادة تقسيم الدوائر الإنتخابية في سبيل التمثيل العادل للناخبين من ناحية والمرشحين من ناحية أخرى في مختلف المحافظات المصرية، أعقبه قرارًا بتوقيع الكشف الطبي على المرشحين ووقف قبول أوراق المرشحين الذين تقدموا بأوراقهم للجنة العليا. لم يخش القاضي يحيي دكروري من أحد ولم يتورع عن الفصل في القضايا ذات البعد السياسي والاجتماعي والفني بداية من الحكم ببطلان قرار رئيس مجلس الوزراء السابق إبراهيم محلب الصادر، بتطبيق قانون الحد الأقصى للأجور على موظفي بنك مصر، مرورًا بإعادة عرض فيلم "حلاوة روح" الذي أوقفه رئيس مجلس الوزراء لأسباب أخلاقية بحسب ما جاء في الدعوى. يأتي حكمه القضائي الأخيرالذي قضى ب "بطلان" اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي وقعتها السلطات المصرية مع المملكة العربية السعودية، والتي بموجبها تدخل جزيرتي تيران وصنافير تحت السيادة السعودية لتكون مسك الختام في سجل أحكام القاضي المصري قبل ترشحه اليوم لرئاسة مجلس الدولة، وهو ما سبب حرجًا بالغا للسلطة التي طعنت على الحكم ، نتيجة رفض التفريط في أرض مصرية.