«هن الماجدات الثائرات الجميلات، من القدس وأكنافها تنبت الأرض زهرات فلسطين، نجمات في السماء يرشدن من ضل الطريق».. كلمات تصف المرأة الفلسطينية؛ الأم والأخت والزوجة والمناضلة والأسيرة والرفيقة والشهيدة، وصاحبة الرسالة الأقوى في العالم، خاضت تجربة الكفاح والنضال والعمل الوطني دون كلل، ومازالت مستمرة. بعد أيام قلائل، تحل علينا ذكرى النكبة أو المأساة الإنسانية المتعلقة بتهجير عدد كبير من الفلسطينيين وهدم معظم معالم مجتمعهم السياسية والاقتصادية والحضارية عام 1948، السنة التي طرد فيها الشعب الفلسطيني من بيته وأرضه وخسر وطنه لصالح، إقامة الكيان الصهيوني، وطرد ما يربو على 750 ألف فلسطيني وتحويلهم إلى لاجئين، كما تشمل الأحداث عشرات المجازر والفظائع وأعمال النهب ضد الفلسطينيين، وهدم أكثر من 500 قرية وتدمير المدن الفلسطينية الرئيسية وتحويلها إلى مدن يهودية، وطرد معظم القبائل البدوية التي كانت تعيش في النقب ومحاولة تدمير الهوية الفلسطينية ومحو الأسماء الجغرافية العربية وتبديلها بأسماء عبرية وتدمير طبيعة البلاد العربية الأصلية من خلال محاولة خلق مشهد طبيعي أوروبي، ونتذكر هنا الدور النضالي للمرأة الفلسطينية منذ الانتداب البريطاني حتى اليوم. المرأة الفلسطينية والانتداب البريطاني بدأت المرأة الفلسطينية الدخول في الحياة السياسية عام 1893، بقيامها بأول مظاهرة احتجاج ضد الاستيطان اليهودي في فلسطين، نتيجة إقامة أول مستوطنة يهودية في قرية العفولة الفلسطينية، ومع وقوع فلسطين تحت الانتداب البريطاني عام 1920، تغيرت المسارات التي كانت تتخذها الجمعيات والمؤسسات النسائية في فلسطين، فتحولت من العمل الخيري إلى العمل السياسي والاجتماعي، حيث بدأت هذه الجمعيات، مع بداية السنوات العشرين من القرن الماضي، بحمل جدول أعمال سياسي بهدف منح المرأة الحق في التعاطي في الشؤون السياسية في فلسطين، وكانت "السيدات العربيات" أول جمعية ينص دستورها على هذا الحق، حيث أسست مقرها في القدس عام 1928 ومن ثم أنشأت فروعاً لها في باقي المدن الفلسطينية. ثورة البراق وسقوط 9 شهيدات مثّلت ثورة البراق، نقطة التحوّل بالنسبة للتواجد النسائي على الساحة السياسية في فلسطين، حيث عقدت الحركة النسائية الفلسطينية أول مؤتمرٍ لها عام 1929 وانتخبت لجنة نسائية، ذهبت فيما بعد والتقت المندوب السامي البريطاني، وسمُيّت باللجنة التنفيذية للسيدات العربيات. وأسفر المؤتمر عن تأسيس "الاتحاد النسائي العربي" في القدس وكان الهدف من إنشائه "مناهضة الانتداب البريطاني والوقوف في وجه الاستيطان الصهيوني"، بجانب وجود أنشطة أخرى للاتحاد مثل لجنة الإسعافات الأولية لتقديم الخدمات للثوار الفلسطينيين ضد اليهود، وكشف حقيقة "المشروع الصهيوني" في فلسطين، وشهدت هذه الثورة سقوط تسع شهيدات من النساء، منهن عائشة أبو حسن وعزيّة سلامة وجميلة الأزعر وتشاويق حسين. وشكلت الرائدة زليخة شهابي، أول اتحاد نسائي فلسطيني بهدف مناهضة الانتداب البريطاني، وأول من قادت مظاهرة نسائية احتجاجا على اعتقال عدد من قادة الثورة الفلسطينية، من مواليد القدس عام 1903، شاركت في تأسيس الاتحاد النسائي العربي، وأنشأت مستوصف الاتحاد النسائي للعناية بالحوامل ومركزا لرعاية الأطفال وآخر لتعليم التطريز والخياطة للفتيات، وتوفيت عام 1992. "زهرة الأقحوان" ونكبة 1948 عندما غزت العصابات الصهيونية المسلحة فلسطين عام 1948 مستخدمة أحدث الأسلحة، أسست كلٌّ من ناريمان ومهيبة خورشيد في يافا حركة "زهرة الأقحوان"، لتعد أول حركة نسائية مسلحة في فلسطين لمواجهة الغزو الصهيوني آنذاك، مهيبة وناريمان حملتا السلاح ودربتا الرجال والنساء على مهاجمة مستوطنات يهودية في المنطقة خلال العام 1948. وكان ظهور نشاط "زهرة الأقحوان" في يافا أكثر من أي مكان آخر بسبب الاشتباكات الدائمة بين سكان يافا العرب، وسكان تل أبيب اليهود، ومُنذ حدوث النكبة، بدأت المرأة تظهر بقوة من أجل النضال لتحرير الوطن، وشهدت هذه الفترة استشهاد العديد من النساء، لعل أشهرهن المناضلة حياة البلبيسي. المرأة الفلسطينية ونكسة 1967 كانت النكسة وخسارة الضفة والقدس ووقوعهما تحت أنياب الاحتلال الصهيوني بمثابة التغيير الأكبر على خارطة النضال النسائي؛ فالمرأة الفلسطينية خرجت من دائرة المؤسسات والجمعيات إلى دائرة الأحزاب والحركات الوطنية، وانخرطن في العمل المسلح وانضممن إلى الحركات الفدائية في فلسطين والشتات. وسطرت الفدائيات صفحات من نور آنذاك، مثل المناضلة عايدة سعد، التي ألقت قنبلة على الآليات الإسرائيلية الموجودة أمام مركز الشجاعية 1967، وفاطمة برناوي، التي اعتقلت بعد تفجيرها لقنبلة في سينما "صهيون"، وليلى خالد التي خطفت طائرة شركة العال الإسرائيلية من أجل إطلاق سراح المعتقلين في فلسطين، ولفت أنظار العالم إلى القضية الفلسطينية، وشهيدة حرب الأيام الستة شادية أبو غزالة، التي استشهدت أثناء إعدادها لمتفجرة في تل أبيب في عام 1968، والشهيدة دلال المغربي قائدة المجموعة الفدائية، والتي فجرت حافلة إسرائيلية عسكرية، وقتل جنود إسرائيليين بداخلها وخارجها، والمناضلة فتحية عوض الحوراني التي داست الدبابات الإسرائيلية جسدها عام 1974، وصولا إلى تغريد البطمة التي استشهدت في عام 1980، بجانب وجود الكثير من المناضلات الفلسطينيات اللاتي ضربن المثل والقدوة في النضال من أجل تحرير الوطن. وتعتبر زكية شموط، من أوائل الفدائيات التي نفذت عمليات ضد الاحتلال، وأول فلسطينية تنجب مولودتها داخل السجون الإسرائيلية، ولدت في مدينة حيفا عام 1945، والتحقت بالعمل الفدائي عام 1968، وبلغ عدد العمليات الفدائية التي نفذتها 7، وفي أوائل السبعينيات تم اعتقالها وزوجها وهي حامل في شهرها الخامس وحكم عليها بالسجن 12 مؤبدا، وفي 18 شباط 1972، أنجبت زكية طفلتها ناديا داخل سجن نيفي ترتسيا الصهيوني في الرملة، وعام 1983 أُطلق سراحها وتم إبعادها إلى الجزائر وتوفيت عام 2014. 3 آلاف أسيرة في "انتفاضة الحجارة" لعبت المرأة الفلسطينية في الانتفاضة الأولى دورًا بارزًا؛ فساعدت بعدة طرق؛ أولها الاجتماعي من خلال إفشال خطة الاحتلال الإسرائيلي في فرض الحصار الاقتصادي على القرى والمخيمات؛ حيث كانت تقوم بتهريب كميات كبيرة من الحليب والخبز، من أجل مساعدة الثوار في الاستمرار في النضال الوطني، وسياسيا ساعدت على تحرير العديد من شباب وأبطال الانتفاضة وإنقاذ أعداد كبيرة من الثوار، وتهريبهم وتوفير أماكن لهم داخل البيوت أو الحقول، بالإضافة إلى خروج المرأة الفلسطينية للشارع من أجل المشاركة في الاعتصامات والمظاهرات ومقاومتها لقوات الاحتلال، وتقديمها لفلذات أكبادها من أجل تحرير الوطن. سعاد بدران، مناضلة فلسطينية انتمت منذ سن مبكر لجبهة التحرير، وشاركت في جميع المعارك دفاعا عن الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية في أكثر من موقع بمواجهة العدو الصهيوني، وكانت من أبطال الجبهة، حيث كانت مدربة على الطيران الشراعي، واختارت عملية بطولية بملء إرادتها، وكان استشهادها أثناء انطلاق العملية التي فشلت لسوء الأحوال الجوية في العام 1981 عنوانا بارزا لتضحيات المرأة. وخلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وبالتحديد في عام 1987، حدثت أكبر عملية اعتقالات بحق النساء الفلسطينيات، وصلت إلى 3 آلاف أسيرة، وعلى الجانب السياسي الدولي، أحرزت المرأة بطولات، فكانت الرائدة سميحة خليل، أول منافسة للرئيس عرفات بالانتخابات، وأحد رواد الحركة الوطنية الفلسطينية، وتصدت بأساليب متعددة سياسات الاحتلال وقمعه الجائر وهي أول من عملت على تأسيس جمعية إنعاش الأسرة عام 1965 وأسست جمعية الاتحاد النسائي العربي في البيرة. 460 شهيدة و900 سجينة في الانتفاضة الثانية دور المرأة الفلسطينية في الانتفاضة الثانية "انتفاضة الأقصى"، كان أقل وفرضت قيودا كثيرة عليها عكس مشاركتها البارزة في الانتفاضة الأولى، ويعود ذلك لظهور الحركات الإسلامية التي رفضت بعضها مشاركة المرأة، بحجة أنها غير مؤهلة، لمثل هذه العمليات الفدائية، لكنها كانت موجودة، مثل ريم الرياشي، أول فدائية تجهزها كتائب القسام الذراع العسكري لحماس، وكان تعليق الشيخ أحمد ياسين مؤسس حماس عن تنفيذ هذه العملية "أن عهد جهاد المرأة الفلسطينية قد بدأ"، بالإضافة إلى وفاء إدريس، أولى الفدائيات في انتفاضة الأقصى بعد قيامها بعملية تفجيرية في عام 2000، وآيات الأخرس، التي فجرت نفسها في متجر بالقدسالغربية عام 2002، ودارين أبو عيشة، وغيرهن، وبلغ عدد النساء اللاتي استشهدن خلال انتفاضة الأقصى 460 امرأة، وعدد حالات الاعتقال تقريبًا 900. المرأة الفلسطينية و"انتفاضة السكاكين" عادت المرأة الفلسطينية إلى قمة المشاركة في النضال الوطني، ووقوفها من جديد بجوار الرجل جنبًا إلى جنب في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ومن أجل تحرير فلسطين، ولعل وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي كانت كفيلة بأن تنقل صور الفتيات الملثمات في مواجهة قوات الاحتلال؛ وهن يرشقن الجنود بالحجارة دون خوف، حتى لو كان الثمن حياتهن. وكانت من أشهر الفلسطينيات التي تحولت إلى رمز وقدوة في هذه الانتفاضة، الطالبة داليا نصار، التي أصابها جنود الاحتلال برصاصة في الصدر، وأصبح إخراج الرصاصة يمثل خطرًا على حياتها، وهي الآن تعيش وداخلها رصاصة. كثيرة هي الأيادي الفلسطينية الناعمة، اللواتي صرن رقما صعبا في تاريخ فلسطين، بعد أن زلزلن أركان الاحتلال، ونجحن بأياديهن الرقيقة في الدفاع عن شرف الوطن ضد الاحتلال، فسقطت الشهيدات واعتقلت الأسيرات من أجل هدف أسمى هو تحرير الوطن، وما زالت الانتفاضة في فلسطين مستمرة حتى الآن، ومستمرة معها المرأة الفلسطينية في نضالها.