في 16 إبريل تولى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السيطرة شبه الديكتاتورية في استفتاء وطني، وبعد أكثر من أسبوع أمر أردوغان بموجة من الغارات الجوية على الميليشيات الكردية المدعومة من قبل الولاياتالمتحدة في العراقوسوريا، مما أسفر عن مقتل ما يصل إلى سبعين شخصًا. أصابت إحدى الضربات الجوية قاعدة صغيرة في شمال شرق سوريا، وهو المكان الذي يطلق عليه الأكراد اسم كيريكوكس، حيث يواجه فيه الأكراد تنظيم داعش الإرهابي. بعد القصف التركي على القاعدة العسكرية الصغيرة، أرسل أحد الجنود الأكراد صورة للمنطقة بعد القصف ووسط ركام الغبار، وكتب عليها "يا إلهي.. اللعنة على تركيا". نشر أمريكي يدعى لوكاس تشابمان، الذي قضى ستة أشهر في قتال داعش مع الأكراد، صورة لأحد قادته السابقين، وهي امرأة كردية تدعى جيان أميد، وقال تشابمان إنها قتلت في هجوم كيريكوكس، مؤكدًا أنها: كانت دائمًا محترمة، وترعى جميع الجنود تحت قيادتها. وكان الهدف الرئيسي من الغارات قاعدة قريبة من جبل سنجار بالعراق، وقامت مجموعة صغيرة من المقاتلين الأكراد المقيمين هناك بإنقاذ الإيزيديين من إبادة داعش في أغسطس 2014، وسيطروا على الجبل بعد طرد التنظيم الإرهابي. حطمت الغارات الجوية النصب التذكاري للمقاتلين الأكراد، وقتلت فرقة من المقاتلين المناهضين لتنظيم داعش، وكثير منهم لم يبلغوا العشرين من العمر. وكالمعتاد كان مبرر تركيا تسمية أولئك الذيت قتلوا بالإرهابيين، أما من جانبهم فيقول الأكراد إنهم يكافحون فقط للدفاع عن وطنهم الشرعي. تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ويفترض أنها حليف للولايات المتحدة، ولكن منذ أكثر من عام، قصف أردوغان الميليشيات الكردية في سوريا، على الرغم من أنهم يقاتلون جنبًا إلى جنب مع حوالي 1000 جندي أمريكي في حملة لتحرير الرقة، عاصمة داعش، وفي الوقت نفسه تدعم قوات البيشمركة الكردية في هجوم الموصل الذي تديره الولاياتالمتحدة في العراق المجاور، ولكنها نفذت سلسلة من الضربات الجوية على الأكراد، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن خمسة بيشمركة. في الماضي كان مسؤولو الولاياتالمتحدة متسامحين بشكل غريب مع التدخل التركي في سوريا، صامتين حتى بعد الغارة الجوية التركية في نوفمبر 2016، والتي قتلت مواطنًا أمريكيًّا تطوع لمحاربة داعش مع الأكراد. ولكن هذه المرة قد يكون أردوغان قد ذهب بعيدًا جدًّا، حيث أدان دبلوماسيون أمريكيون ومسؤولون عسكريون على الفور الغارات الجوية، وأصيبوا بالدهشة والغضب، وقدموا شكوى رسمية ضد الحكومة التركية. وقال متحدث باسم التحالف المناهض لتنظيم داعش في العراق إن الأكراد الذين قتلوا في الغارات كانوا "يقاتلون لتخليص العالم من داعش"، وإن الضربات تمت "دون التنسيق المناسب مع الائتلاف". واحتجت حكومتا دمشق وبغداد على انتهاك مجالهما الجوي، حتى روسيا تحدثت دفاعًا عن الأكراد، لكن ليس من الواضح ما إذا كان الغضب يمتد إلى البيت الأبيض الذي لم يعلق بعد. أردوغان أحد المجرمين الذين يعجب بهم ترامب، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في الصيف الماضي، أشاد ترامب بأردوغان لسحق التمرد، وقال إن تركيا سيكون لها دور أكبر في الحرب على داعش إذا تم انتخابه. كان أردوغان قد حقق فوزًا بنسبة 51 % في الاستفتاء الذي أجري في وقت سابق من هذا الشهر، بعد إدانة عالمية في الغرب، باستثناء ترامب الذي اتصل بأردوغان لتهنئته. يبدو أن العلاقات التجارية مع تركيا تسيطر على ترامب، فهناك أبراج ترامب إسطنبول، وابن ترامب الصغير يذهب أحيانًا للصيد في تركيا، حيث يستمتع بقتل الحيوانات الصحراوية النادرة مع مجموعة من رجال الأعمال الأتراك. في ظل أردوغان نمت الحكومة الإسلامية المحافظة بشكل متزايد، ويعتبر على نطاق واسع أن أردوغان هو الداعم السري لداعش. في وقت مبكر من نوفمبر 2014 وجد فريق من باحثي جامعة كولومبيا أن تركيا تزود بالمعدات العسكرية والدعم اللوجستي والتدريب والرعاية الطبية مقاتلي داعش، وتوفر لهم سوقًا للنفط الذي سرقوه من سورياوالعراق. دوافع تركيا واضحة. هناك حروب بالوكالة على الحروب بالوكالة التي تجري في سوريا، وبصرف النظر عن الانتماءات الأيديولوجية، داعش عدو أعداء تركيا (النظام السوري والأكراد)، وفي حساب التفاضل والتكامل الذي لا يرحم في ال حرب الأهلية السورية، أصبح داعش وأردوغان حليفين. لكن فريق داعش يخسر. كان دعم الأكراد الخطوة الوحيدة الأكثر نجاحًا التي قامت بها الولاياتالمتحدة منذ التدخل الأول في سوريا في أكتوبر 2016، وبدعم من سلاح الجو الأمريكي، أطلق الأكراد السوريون عملية تحرير الرقة، حيث مقر داعش، ومنذ ذلك الحين فقد داعش حوالي نصف أراضيه. يعيش الأكراد الآن على بعد أميال قليلة من الرقة، ويحيطون بها من ثلاثة جوانب، مما أدى إلى اندلاع جولة من الاقتتال المسلح والإعدام العقابي في صفوف داعش. وتم دمج نخبة من الكوماندوز الأمريكيين للأكراد منذ نوفمبر 2015، وفي الشهر الماضي انضم إليهم 400 من المدفعية من سلاح المارينز، وتم تزويد الأكراد بأسلحة خفيفة، لكن هذا التخطيط كان مقررًا قبل تولي ترامب منصبه، وحتى الآن لم يصدر الرئيس أي بيان حاسم حول الأكراد. وفي الوقت نفسه يبدو أن أردوغان يعتقد أنه يمكن أن يفلت من أي شيء، حيث قام الأربعاء بحملة اعتقالات ضد معارضيه. لذا فإن السؤال هو: هل سيبتعد ترامب عن التحالف ضد داعش الذي أقامته إدارة أوباما والأكراد، وبدلًا من ذلك سيتبني نظامًا استبداديًّا في تركيا، أم أنه سيضع الحكومة التركية المارقة في مكانها، ويسلح الأكراد بشكل كامل حتى يتمكنوا من إنهاء المهمة؟ في وسائل التواصل الاجتماعي دعا المقاتلون الأكراد والصحفيون الولاياتالمتحدة لفرض حظر طيران فوق شمال سوريا، وكانت هناك تقارير تفيد بأن هجوم الرقة سوف يتوقف إذا لم تتخذ الولاياتالمتحدة إجراءات ملموسة، ولكن ظل البيت الأبيض صامتًا، ووضع بالفعل خططًا لترامب للاجتماع مع أردوغان في واشنطن الشهر المقبل. تربط ترامب علاقات بتركياوروسيا، التي تدعم الحكومة السورية، مما يضيف طبقة أخرى من البرامج المتنافسة على صراع معقد في سوريا، والذي هو حرب عالمية في صورة مصغرة، ولكن على أرض الواقع ما حدث صباح الثلاثاء كان بسيطًا، وهو قتل الأكراد الذين يقاتلون داعش. المقال من المصدر: اضغط هنا