اندفاعنا نحو أفكارنا يجعلنا أحيانا لا نرى غيرها، خاصة حين تكون الحالة التي نعيشها لم تصل إلى مرحلة من النضج التي تتيح لنا رؤية ما حولنا بشكل أوسع وبعيدا عن ثقب الباب. يعيش الشعب الفلسطيني تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي منذ قرابة السبعة عقود من الزمن، مرت فيها القضية الفلسطينية بالعديد من التحديات والمراحل التي كان ولا يزال الاحتلال يواجهها بالكثير من الحذر والمزيد من الخطط المتنامية والمتوازية مع كل مرحلة يعيشها الشعب الفلسطيني سواء على أرضه أو خارجها، وخلال هذه الفترة، سطر الشعب الفلسطيني تضحيات كبيرة في سبيل تحرير أرضه من براثن الاحتلال، وقدم الشهداء والجرحى والأسرى في طريقه نحو تحرير بلاده ولكن.. هل كانت مقاومة الاحتلال يوما حكرا على أحد؟ بالعودة إلى مطلع المقال، فإننا بحاجة مُلحَّة لرؤية الزوايا التي يرى منها الآخرون ما حولهم، خاصة إذا كان هؤلاء هم أبناء جلدتنا وشركاءنا في المصير وفي المسير، ولكن، أين ستذهب بنا السفينة إذا اختلفنا أي منا الذي ينظر بالاتجاه الصحيح؟ إذا اتفقنا أننا وطنيون، فما الذي يقف حائلا أمام هدفنا كفلسطينيين في البقاء وفي مواجهة الاحتلال؟ وهل من المنطق أن يتحول صراعنا مع الاحتلال إلى صراع على النفوذ والسلطة، بينما يُترك شعبٌ بكامله تحت وطأة الانقسام الذي يزيد الاحتلال احتلالا، ويُقوض الفرص الممكنة لإحياء قضية فلسطين ووضعها على الطاولة بيدٍ صلبة غير مرتعشة. الإقصاء منهج بائد وبعيد عن السمو الذي يُفترض أن تتمتع به مقاومة الاحتلال ومواجهته، ففلسطين لم تكن يوما "عزبةً" لأحد، ولم تكن بيارةً ورثها الآباء لفئة معينة من الأبناء، ولم تفوض فلسطينُ شخصا أو حزبا بعينه للدفاع عنها، بل هي فكرة نبيلة تدعو كلّ إنسان حر للدفاع عنها والحفاظ عليها من غطرسة وبطش الاحتلال الذي يستغل الصراع العربي العربي، والفلسطيني الفلسطيني، ليجلس هو على الكرسي.. ويستمتع بالنظر إلى دمائنا. لا يوجد تنظيم سياسي تخوله فلسطين بأن تكون حكرا له، لأنّ الاحتلال موجود في كل مكان، ويطرق كل بيت فلسطيني، ويستهدف كل كائن حي في هذه البلاد، ولن يميز هذا الاحتلال يوما بين فلسطيني يلبس قميصا أبيض، وآخر برتقالي، وخير دليل على ذلك ما يحدث يوميا في الضفة الفلسطينيةالمحتلة التي أكلتها الحواجز وابتلعتها المستوطنات، وما يحدث في قطاع غزة الذي تحاصره دولة الاحتلال منذ أكثر من عشر سنوات جربت فيها كل الوسائل التي لا تُحتمل. الفلسطيني لن ينس الاحتلال يوما، هذا الاحتلال الذي يضع أنفه في كل التفاصيل اليومية، ويحاول جاهدا تنغيص حياة ملايين الفلسطينيين الذين يملكون كل الحق في الدفاع عن أنفسهم وأرضهم ومقدساتهم. المناكفات السياسية الجارية حاليا بين حركتي فتح وحماس ما هي إلا استمرار لمسلسل الانقسام الذي بدأ في العام 2007، والذي تشاهده دولة الاحتلال مستمتعة بحالة الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ونلاحظ صمتها في الفترة الأخيرة، وكأنها تنتظر نتائج النزاع الذي بدأت وتيرته بالازدياد مع خصومات موظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، والتي اتجهت إلى مزيد من التهديدات والوعيد بإجراءات أخرى بحق القطاع، الأمر الذي يُنذر بحالة ضبابية سيعيشها أهالي غزة خلال الفترة المقبلة، والمرهونة بمدى جدية حركتي فتح وحماس تجاه المصالح العامة، خاصة حين تحاول كل من الحركتين زج الأخرى في الزاوية وإلقاء التهم عليها، بينما تحاول هي الظهور أمام الناس على أنها المخلِّصة والملهمة. ما أردت قوله منذ البداية، إننا جميعا أصحاب حق، والدفاع عن هذا الحق لا يتمثل بطريقة واحدة أو منهج تحرري منفصل عن المناهج الأخرى، بعيدا عن ردع الآخر ووضع الأصابع في الآذان. الشعب الفلسطيني لديه قضية عادلة هي التي تجمع كل اختلافاته التي يستوجب وضعها جانبا للعودة إلى بوصلته المتمثلة في تحرير فلسطين وحشد كافة القوى لهذه الفكرة التي لطالما حلمنا بأن تصبح حقيقة.