أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن إدارة الرئيس، دونالد ترامب، باتت تدار من قبل جنرالات الجيش الأمريكي، كما أن تحركات الرئيس الأمريكي الجديد وتصرفاته تشي باتخاذه مسلكًا يعتمد من خلاله على تنحية دور المؤسسات الدبلوماسية الأمريكية لصالح العسكرية منها، وهي التحركات التي قرر ترامب أن تكون عنوانًا لعهده. بعد انقضاء سنوات حكم الرئيس السابق باراك أوباما الثماني، التي لا يتردد ترامب في وصفها بالرخاوة، توحي خيارات ترامب في تعيين أركان إدارته بأنه أعاد ترتيب الأدوات الأربعة التقليدية "مجلس الأمن القومي، البنتاجون، وكالة الاستخبارات المركزية، الكونجرس" لتنفيذ السياسة الخارجية التي عادةً ما تبدأ بالدبلوماسية وقد تنتهي بالاستراتيجية العسكرية، وهنا نجد ترامب، يضع ذوي الخلفيات العسكرية في المناصب الرفيعة، بالتوازي مع إظهار عزم قد لا يداخله تردد في اللجوء إلى القوة الخشنة كما هو الحال في سوريا وأفغانستان بالإضافة للملف الكوري الشمالي. السياسة الجديدة توارت عن الأنظار قيادات الجيش الأمريكي إبان فترة حكم أوباما، حتى إنهم لم يعد يسمح لهم بالظهور الإعلامي والحديث عن خيارات الولايات المتحدة الاستراتيجية. قرار أوباما بتنحية الجنرالات العسكرية عن المشهد السياسي، كان مبررًا من قبل إدارته بأن رسم السياسات وتداول شؤونها هو من اختصاصه واختصاص مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض. ومع وصول ترامب إلى سدة الحكم رفع شعار "أمريكا أولا"، ولتنفيذ هذا الشعار لجأ بصورة شبه مطلقة إلى شخصيات ذات خلفية عسكرية، حيث طفت وجوه حربية في إدارته الجديدة اكتسبت خبرتها العسكرية في حربي أفغانستان والعراق، ففي البيت الأبيض هناك الجنرال هربرت رايموند مكماستر، وفي البنتاجون هناك جيمس ماتيس، الذي صار، فيما يبدو، البديل المكوكي لوزير الخارجية الأسبق في إدارة أوباما، جون كيري، فماتيس قام مؤخرًا بزيارة العديد من الدول ككوريا الجنوبية، اليابان، العراق، مصر، السعودية، الكيان الصهيوني، جيبوتي، قطر، ومؤخرًا أفغانستان. خلال الأشهر الأولى لحكمه، بدأ ترامب، بتمرير رسائل عسكرية سريعة عبر البوابة السورية والأفغانية، فمن خلال العدوان الأمريكي على مطار الشعيرات السوري يكون ترامب قد استبق أي تحقيق ينسب الهجوم الكيماوي الذي حدث في خان شيخون لأي طرف من الأطراف السورية المتصارعة سواء من المعارضة أو حتى من النظام. العدوان الأمريكي على سوريا جزء منه رسالة إلى موسكو أيضًا، حيث قال ترامب إن العملية العسكرية رسالة إلى النظام السوري ومن يقف معه، وحتى عندما قررت واشنطن إرسال رسائل دبلوماسية لتهدئة الوضع بعد ضربتها العسكرية، نجد أن التهدئة جاءت على لسان وزير دفاعها، وقال فيها، إنه لا نية أمريكية لإرسال قوات إلى سوريا ولا تنوي واشنطن الدخول في الحرب الأهلية هناك. التبدل في المزاج الأمريكي من الدبلوماسية إلى العسكرة كان جليًا في أفغانستان، عندما قصف القوات الأمريكية مدينة ننغرهار بأكبر قنبلة غير نووية "أم القنابل"، وهو التصرف الذي لم يعط هامشًا للخارجية الأمريكية للحركة في أفغانستان، ويبدو أن هناك قرارا أمريكيا بأن الحسم سيكون من خلال القوة العسكرية لا السياسية لدحر داعش، وحتى فيما يتعلق بطالبان، فرسائل المفاوضات معها تم تمريرها على لسان ماتيس، وليس على لسان ريكس تيلرسون الوزير الحالي للخارجية الأمريكية. كوريا الشمالية، ليست بعيدة عن المشهد الأمريكي الجديد، ومن ذلك التصعيد العسكري عبر استحضار المدمرات الأمريكية بالقرب من شبه الجزيرة الكورية، وتبدو التطورات مؤجلة بسبب الرفض الصيني لاستعمال القوة ضد بيونج يانج، إلا أن تصدير الحلول العسكرية على حساب الدبلوماسية السياسية يشوبه الكثير من الوهن، خاصة أن ترامب يتعامل مع زعيم كوريا الشمالية، كيك جونج أون، صاحب المزاج المنفلت والترسانة النووية. وبينما قدمت إدارة أوباما، الحلول السياسية على حساب العسكرية، في الملف الإيراني، الأمر الذي توّج بتوقيع الاتفاق النووي، فإن الإدارة الأمريكية الجديدة، لا تملّ الحديث عن تمزيق ذلك الاتفاق، وتشكيل حلف عربي "ناتو إسلامي" لتصعيد الخيارات العسكرية مع طهران. ميزانية الدفاع ترامب، قرر زيادة المخصصات المالية لوزارة الدفاع الأمريكية في موازنة العام 2018، بمقدار 10%، وبلغة الأرقام فإنها تساوي 54 مليار دولار، وهي الزيادة فقط التي تساوي أكثر من الميزانية الكاملة المخصصة لوزارة الخارجية، والتي تبلغ حاليًا حوالى 50 مليار دولار بما فيها وكالة التنمية الدولية. بين مؤيد ومعارض يعتبر بعض المراقبين الأمريكيين ومن بينهم برادلي بلايكمان، المستشار السابق للرئيس جورج بوش، أن سياسة أوباما اتسمت بأنها ضعيفة، بينما سياسة ترامب المعتمدة على العسكرية هي أكثر قوة، ويحاول من خلالها إعادة الهيبة الأمريكية في العالم. في المقابل يرى آخرون أن التوجه الممعن في توسيع الفجوة بين القدرات العسكرية الأمريكية وبقية الدول هو أمر خطير، ففي أكتوبر المقبل ستصل الميزانية العسكرية الأمريكية إلى 644 مليار دولار، وهي أكثر بكثير من الميزانيات العسكرية لكل من "روسيا، الصين، الهند، اليابان، كوريا الجنوبية، السعودية، بريطانيا، فرنسا" مجتمعين، ويبدو أن هناك هوس أمريكي يصل إلى حد الجنون لتركيز ترامب على شخصيات عسكرية في الحكومة، يعود بعضها لأسباب شخصية، فترامب منذ صغره كان معجبا بشخصيتين عسكريتين، هما دوغلاس ماكارثر، وجورج باتون، وهما من أشهر الجنرالات الأمريكيين في الحرب العالمية الثانية، كما أن ترامب قضى فترة من عمره في مدرسة عسكرية في الثانوية لكنه لم يلتحق بالأكاديمية في المرحلة الجامعية. خطورة النهج العسكري لترامب يتمثل في كونه يتناسى أن حقيقية قوة أمريكا لم تكن في البعد العسكري وحده، فهذا يتعارض مع القوانين الأمريكية، فجون ماديسون وهو أحد مؤسسي أمريكا كان يعارض أن يتولى العسكريون القيادة المباشرة في واشنطن، والأكثر من ذلك أنه في عام 1947 صدر قانون في أمريكا اسمه قانون "الأمن القومي" يمنع تعيين شخصية عسكرية على رأس وزارة الدفاع. ويرى آخرون أن قوة أمريكية تكمن في استخدام 3 أنواع من القوة مجتمعة هي "الذكية، الناعمة، وقليل من القوة الخشنة"، حيث سعى العديد من المفكرين الأمريكيين في بداية فترة رئاسة أوباما بالترويج لمصطلح القوة الذكية "Smart Power"، وهي القوة التي تعمل على إيجاد استراتيجية أمريكية عالمية جديدة، تهدف إلى العمل لإعادة الولايات المتحدة كدولة لها القدرة على الإقناع وبث الأمل في دول العالم بدلا من التركيز على الاستخدام المنفرد للقوة، وهو الأمر الذي تبتعد عنه إدارة ترامب، والذي من شأنه أن يزيد من نسب مخاطر الحروب في العالم، بما في ذلك الحروب العالمية.