كثيرا ما نسمع في وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية بأنَّ الرئيس الفلسطيني أصدر قرارا بقانون، أو أنه عمل وفق ما نص عليه القرار بالقانون، ومن المتعارف عليه أنَّ السلطة الفلسطينية أُنشئت بموجب اتفاق موقع بين منظمة التحرير والاحتلال الإسرائيلي، وبناءً على ذلك أشرفت منظمة التحرير على تشكيل السلطة الوطنية، وأبقت لنفسها الصلاحيات التفاوضية مع الاحتلال، وخلال هذه المدة (فترة انتقال مجلس السلطة من المنظمة إلى السلطة)، ظهرت إشكالية في تشابك وتعدد المُشرع الفلسطيني للقوانين. فيما بعد.. أصبحت الأمور تأخذ الطابع الفني والإداري للسلطة، والسياسي للمنظمة، وبعد انتخاب المجلس التشريعي أول عام 1996 وإصدار القانون الفلسطيني المعدل عام 2003 أصبح المجلس التشريعي متمسكا بصفته التشريعية، في زمن الراحل ياسر عرفات تعامل مع مفهوم الدولة من منطلق الثورة، وفي صورة عكسية أخرى.. الرئيس الفلسطيني محمود عباس تعامل مع مفهوم الثورة أي التحرر من منطلق الدولة، وما أن وقع الاشتباك المتمثل في ظهور طرف طرح نفسه في بادئ الأمر كبديل، ألا وهي حركة حماس التي فازت في الانتخابات التشريعية الثانية عام 2006، والتي قيدت في استلام مهماتها، وتعارضت برامجها مع برامج منظمة التحرير الفلسطينية، ما دفعها في صيف عام 2007 إلى السيطرة على قطاع غزة بقوة السلاح وما ترتب عليه من شرخ في النظام السياسي الفلسطيني طال أيضا القانون الفلسطيني، وغاب المشرع الفلسطيني أي (المجلس التشريعي) الذي لم يُعقد سوى مرتين ولم يكتمل فيهما النصاب القانوني. إذا.. عُطِّل المجلس صاحب الصفة التشريعية، وعلى إثر واقع الانقسام أعلن الرئيس الفلسطيني حالة الطوارئ والتي يجوز تمديدها مرة أخرى إذا وافق المجلس التشريعي وفقا للقانون الأساسي الفلسطيني، لكنه ونظرا للظروف الانقسامية التي امتدت إلى أكثر من عشر سنوات، سمح لمؤسسة الرئاسة ولمجلس الوزراء التغول والاستفراد بالحكم عن طريق إصدار القوانين والمصادقة عليها وتنفيذها، وهذا لا يجوز وفقا لمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث (التشريع، والتنفيذ، والقضاء)، عطلت إذًا جميع وظائف المجلس التشريعي التي نصت عليها المادة (47) من القانون الأساسي الفلسطيني وهما الأصليتان (التشريع والرقابة). أصدر الرئيس الفلسطيني قرارات بقوة القانون معللا أنها من باب الضرورة وما يعيشه الواقع الفلسطيني من حالة التشتت وعدم الاستقرار السياسي، وفقا لنص المادة (43) من القانون الأساسي المعدل، والتي تمنح لرئيس السلطة التنفيذية إصدار قرارات بقوة القانون في حالات الضرورة التي لا تحتمل تأخيرا وفي غير أدوار انعقاد المجلس التشريعي، وفي أول جلسة للمجلس تعرض عليه هذه القوانين، وإلا فيستمر ما لها من قوة القانون وكذلك يزول ما لها من قوة القانون إذا لم يقرها المجلس. لكن هناك قرارات أصدرها الرئيس بقوة القانون لم يتم تنفيذها، وهذا يدل على أنه لم تكن هناك حاجة ضرورية لإصدارها، لكنه استخدم الصلاحيات المخولة له لأهداف سياسية واقتصادية، أي استخدم القانون لتسيير الأمور والصلاحيات لخدمة المكائد السياسية والعكس أيضا يجوز، لأن خصوصية الحالة الفلسطينية وتشعباتها وتشابكها السياسي، سمح للفرضية السياسية أن تعلو فوق الفرضية القانونية. الرئيس الفلسطيني محمود عباس أصدر منذ عام 2007 إلى عامنا الحالي 2017 ما يقارب 150 قرارا بقانون، في المقابل أصدر المجلس التشريعي منذ عام 1996 إلى 2007 قرابة 90 قانون، ما يشير إلى أنَّ غياب المُشرع الفلسطيني سمح بظهور دكتاتور يتمتع بصلاحيات مخولة له ولا يراعي الحاجة فيها، وساهم في ذلك أيضا أن الواقع السياسي الذي لا يحتمل الفراغ وأيضا عدم وجود أي بند في القانون الفلسطيني ينص أو يعالج خلل غياب المجلس التشريعي. آخر القرارات القانونية التي أصدرها الرئيس الفلسطيني، هي قانون التقاعد لمنتسبي الأجهزة الأمنية وما تبعه من خصومات لحقت بموظفي غزة دون موظفي الضفة الغربية، وإصدار القرار بقانون التقاعد المبكر هو تعدٍ صارخ على صلاحيات المجلس التشريعي، والتي نصت على سريان القانون بأثر رجعي ومحدد لمدة التقاعد، وكأنَّ القانون والمجلس بلا مكانة أمام مؤسسة الرئاسة الفلسطينية. لحق القرار بالقانون خصومات مالية ليس لها أسباب سوى بعض الخزعبلات السياسية، ولم يوضح لا الرئيس ولا وزير المالية سبب اقتطاع 30% من رواتب موظفي غزة، ما قد يتسبب في كارثة إنسانية تكون مقدمة لكارثة ولمعضلة سياسية قانونية إذا كبرت حلقة التشابك بين السلطات، وإذا انتهى نظام الرئيس عباس وجاء مجلس جديد ورئيس جديد، كيف سيكون حال القرارات التي تم اتخاذها؟ من وجهة نظري يجب دعوة الجميع لمراجعة أمورهم السياسية وفك التشابك السياسي وعقد جلسة واحدة تحت سقف المجلس التشريعي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعيدا عن مراوغات عقد المجلس الوطني تحت حراب الاحتلال في الضفة الغريبة، لأنَّ المجلس التشريعي هو صاحب الصفة الوحيدة للتشريع وهو المنتخب من قبل الشعب الذي يعد مصدرا لجميع السلطات، لذلك على حركة حماس دعوة كل نوابها والذين يشكلون الأغلبية في المجلس، وأيضا على النائب محمد دحلان دعوة جميع أنصاره من النواب لعقد جلسة تدرس فيها صلاحيات الرئيس والقرارات التي اتخذها طلية الأعوام السابقة. وأن لا يبقى القانون أداة للمساومات السياسية بين الأطراف المنقسمة.